يا حَيدَر.. لقَد بكَّرتَ الرَّحيل

نـــــزار حيدر

2025-09-04 04:55

(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).

 هوَ من القلائلِ جدَّاً الذينَ يحجزونَ مكانهُم في القلبِ بمجرَّدِ أَن تتبادلَ معهُ السَّلام والتحيَّة حتَّى قبلَ أَن تتجاذب معهُ أَطرافَ الحَديث.

 فهوَ يدخلُ القلبَ من دونِ استئذانٍ، ببسمتهِ الجميلةِ المعهودةِ ووجههِ البشُوش ولُغتهِ الرَّاقية وأَخلاقهِ النَّادرة وسِعةِ صدرهِ وما يتمتَّع بهِ من فنِّ الإِصغاءِ وبعلمهِ ومهنيَّتهِ وخبرتهِ وبكُلِّ ما يمتلِك من صفاتٍ شخصيَّةٍ وعقليَّةٍ وعلميَّةٍ تشدُّكَ لهُ رغماً عنكَ.

 إِنَّهُ الفقيد المرحُوم المغفُور لهُ الأُستاذ حيدر السَّلامي الذي ودَّعتهُ يَوم الثلاثاء الأَوساط الأَدبيَّة والإِعلاميَّة في مدينتهِ كربلاء المُقدَّسة، خاصَّةً العتبَتان المُقدَّستان الحُسينيَّة والعباسيَّة بعدَ أَن قضى عمُراً طويلاً يُخطِّطُ ويُديرُ ويُطوِّرُ الإِعلام المرئي والمسمُوع والمَقروء في العتبةِ الحُسينيَّةِ المُقدَّسةِ.

 ولعلَّ من أَبرزِ أَخلاقيَّاتِ الفقيدِ هو حرصهُ على نقلِ التَّجربةِ للنَّشءِ الجديدِ على العكسِ من كثيرِينَ الذين يحرصُونَ على احتكارِ تجاربهِم للحَيلولةِ دوَنَ تدويرِها لتراكُمِها.

 الفقيدُ حرصَ على نقلِ التَّجربةِ والخِبرةِ من خلالِ إِقامةِ وإِدارةِ وإِدامةِ الدَّوراتِ التَّدريبيَّةِ التي كانَ يَحرصُ على أَن يُحاضِرَ فيها بنفسهِ ليتأَكَّد من أَمانةِ النَّقلِ ونجاحِ الدَّورةِ.

 كان الفقيدُ يحفُر مجدَهُ الشَّخصي بالأُبرةِ وبجدٍّ واجتهادٍ ومُثابرةٍ، يعتمدُ على نفسهِ في تطويرِها مِهنيّاً فكانَ يبحثُ عن المتاعبِ لتطويرِ رسالةِ الإِعلامِ المُقدَّسةِ خاصَّةً التي تنطلِقُ من رحابِ ضريحِ سيِّدِ الشُّهداءِ الحُسين السِّبطِ (ع) فكانَ يرفضُ الرُّوتين والمُشاع والمُتعارفُ عليهِ باحِثاً عن كُلِّ جديدٍ ليُبدِعَ فيهِ ويطوِّرهُ.

 فإِذا كتبَ…أَبدعَ وتأَلَّقَ.

 وإِذا وقفَ أَمام الكاميرا ليظهرَ في برنامجٍ على الفضائِيَّات…أَبدعَ وتأَلَّق.

 وإِذا أَدارَ حفلاً أَو مهرجاناً…أَبدعَ وتأَلَّق.

 لقد خسِرتُهُ أَخاً وصديقاً ورفيقاً وزميلاً وعضُداً، فمنذُ أَن إِلتقيتهُ وتعرَّفتُ عليهِ في حَرمِ الحُسينِ السِّبطِ (ع) قبل حَوالي العَقدَينِ من الزَّمن لم تنقطِع عِلاقة الحُب والمودَّة والإِحترام بينَنا فكُنَّا نتبادَل الأَفكار والرُّؤَى، حتَّى آخِر مُكالمةٍ هاتفيَّةٍ جرَت بينَنا قبلَ رحيلهِ بأَسابيعَ معدودةٍ.

 وعندما تابعَ الفقيدُ أَبحاثي العاشورائيَّة ودِراساتي الحُسينيَّة ومَقالاتي الكربلائيَّة بحرصٍ واهتمامٍ شَديدَينِ تأَثَّرَ بها فصمَّمَ في عام [٢٠١٤] على أَن يُساعدني في طباعةِ الجُزء الأَوَّل منها في الكتابِ الموسُومِ [الحُسين عاشُوراء كربلاء؛ ثُلاثيَّة الكَرامة الإِنسانيَّة] والذي رأَى النُّور في نفسِ العام بعدَ أَن كتبَ عنهُ مُطالعةً لسماحةِ المُتولِّي الشَّرعي للعتبةِ الحُسينيَّةِ المُقدَّسةِ مُعتمَد المرجع الأَعلى العلَّامة الشَّيخ عبد المَهدي الكربلائي الذي همَّشَ على مُطالعةِ الفقيدِ بالمُوافقةِ والتَّأييدِ لتُرسَل مسوَّدة الكِتاب إِلى اللَّجنةِ العلميَّةِ في النَّجفِ الأَشرفِ فكتبَ رئيس اللَّجنة وقتَها المرحُوم المغفُور لهُ العلَّامة السيِّد محمد علي الحُلو تقريضاً من سطرَينِ، نُشِرَ في الصَّفحاتِ الأُولى من الكتابِ الذي يقعُ في [٤٠٠] صفحةٍ من القطعِ الكبيرِ، يقولُ فيهِ [بعدَ مُطالعتي لكتابِ الثُّلاثيَّةِ لمُؤَلِّفهِ الأُستاذ نزار حيدر وجدتهُ كِتاباً مُهمَّاً يتحدَّثُ عن القضيَّةِ الحُسينيَّةِ وتطبيقاتِها على الواقعِ المُعاش…فالكتابُ يستحِقُّ النَّشرَ والإِهتمام].

 أَمَّا فقيدُنا المرحُوم المغفُور لهُ الأُستاذ حيدَر السَّلامي فقد كتبَ توطِئةً من صفحةٍ كامِلةٍ ختمَها بالجُملةِ التَّاليةِ [الكتابُ جديرٌ بالقراءةِ لما يحتويهِ من نظَراتٍ تحليليَّةٍ وآراء نقديَّةٍ وإِلماعاتٍ تنمُّ عن ذكاءِ الكاتبِ وعُمقِ تفكيرهِ وأَصالتهِ ومعرفتهِ الدَّقيقة بأُصولِ وتطوُّراتِ الحركةِ الإِسلاميَّةِ الحدِيثةِ].

 فسلامٌ عليكَ أَيُّها الأَخُ الفقِيد يومَ جاهدتَ بالكلمةِ الحرَّةِ الصَّادقةِ ويومَ رحلتَ عن هذهِ الدُّنيا نظيفَ اليدِ واللِّسانِ والنَّفسِ من أَدرانِها.

 والمُلتقى عندَ سيِّد الشُّهداء الحُسين السِّبط (ع) الذي عشقتهُ أَكثر من روحِكَ (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ).

 تعازينا القلبيَّة لأُسرتهِ وأَهلهِ وزُملائهِ ومُحبِّه.

ذات صلة

تأمَّلوا في الدنيا قبل أن تمرّالجمود الفكري والانحطاط الحضاريولادة الأمة الإسلاميَّةبلاد النهرين تموت عطشاًثعلب الشاعر احمد شوقي في فترة الانتخابات