ما يجب أن تعرفه الشعوب والحكومات معا

عبد الامير المجر

2025-07-22 05:40

من الحكايات الحقيقية أو المتخيلة التي تُنقل من ميادين الحروب، حكايةُ الجندي، الذي التقاه أحدُ قادته وهو في الساتر الأمامي، وحين سأله عن العدو أو ما الذي يعرفه عن الوحدة المعادية المقابلة، قال له الجندي ـ من ضمن ما قالـ إن الوحدة التي أمامنا لديها أسوأ قناص عرفته، لأنني أُشاهده من مرصدِنا يُسدد كثيرا، وأحيانا يبدو مكشوفا أمامنا، وحين يرمي يُخطئ الهدف عادةً. 

وحين قال له القائد أو الآمر: لماذا لم تقتله وأنت تشاهده؟ ردَّ عليه الجندي الذكي: لكي لا يأتوا بقناص جيد ويقتل جنودنا!

المؤكد أن هناك تنويعات كثيرة على هذه الحكاية التي أراها متخيلة، لكنها واقعيةٌ بامتياز، سواءٌ في ميادين الحروب أو في ميادين الحياة الأخرى المختلفة، ومنها السياسة. فالبلدان العربية التي كفّت شعوبُها عن حلم الوحدة والاشتراكية وغيرها من الشعارات الكبيرة التي غطت عقودا من زمننا المهدور، باتت اليوم تُطالب بالحد الأدنى الذي يحفظ لها بقاءُها موحدة وتعيش بكرامة، بعد أن تحطمت آمالُها الكبيرة ووجدت نفسَها تخوض في حروب لم تكن لتخطر على بال أكبر المتشائمين فيها قبل عقدين من الزمن، حيث التشظي باسم الأعراق والاديان والطوائف، وما استتبع ذلك من حروب طاحنة أتت على كل ما بنته الشعوبُ في رحلة كفاحِها، وباتت الدولُ نفسها مهددةً بالتقسيم، إن لم يكن بعضُها قد بات مُقسما بالفعل ولا يحتاج الأمرُ سوى الإعلانِ عن ذلك. ومن يُطالع خرائطَ أغلبِ الدولِ العربية التي شهدت أحداثَ ما يُعرف بالربيع العربي، سيتأكد من أن التقسيمَ بات حقيقة.

الشيءُ المؤلمُ أيضًا، هو أن أغلبَ الدولِ أو الحكوماتِ العربية، باتت تعتمد على الدول الكبرى في إيجادِ الحلولِ لمشاكلها، وإعادتها إلى وضعِها الطبيعي السابق، وأن الجهاتِ المتعددةَ المنقسمةَ في تلك البلدان باتت تتعاملُ مع تلك الدولِ بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر، وكلُ جهةٍ تدّعي أنها هي وحدها من تُمثل الدولةَ والشعب، وأنها تُريد إنقاذَ البلادِ من خلال تعاونِها مع هذه الدولة الكبرى أو تلك.

وبذلك تشتتَ الجهدُ الوطنيُّ وهو يبحث عن مصالح البلاد والشعب بين أروقةِ السياسةِ الدولية ودهاليزها، مثلما تشتت سابقا من خلال هؤلاء المتصارعين أنفسِهم، وهم يُقدّمون أنفسَهم ممثلين عن الأعراق والطوائف والجماعات، ليجدوا أنفسَهم جميعا وقد ضعفوا وباتوا تحت رحمة الكبار، ممن لا يبحثون إلاّ عن مصالحِهم التي يراها أغلبُهم أنها تتحقق من خلال هذا الوضع الشاذ الذي تعيشه دولٌ كانت بالأمس لها وضعٌ إقليميٌّ ودوليٌّ مختلف، ولها مكانةٌ وهيبةٌ نسبية، قبل أن تفقدها على أيدي هؤلاء المغامرين الذين يدّعون اليوم أنهم يعملون على إعادةِ تلك الهيبةِ والمكانة، بعدما مهد لهم الحكامُ الطريقَ بسببِ سياساتِهم الخاطئة.

حكوماتِ بعضِ الدولِ العربية التي ما زالت مُحتفظةً بحيويتِها، وجدت نفسَها هي الأخرى ضعيفةً على مستوى اتخاذِ القرار، ومتماهيةً بشكلٍ أو بآخرَ مع هذا الواقع، ولعلّهاـ في تعويلِها على بعض الدول الكبرى في حلِّ مشاكلِهاـ تُمارس نوعا من الخداعِ لنفسِها ولغيرِها. لأن هذا الوضعَ الشاذ يُعدّـ بالنسبة لتلك الدول الكبرى، وحتى الإقليميةـ 

مثاليًّا، كونه يُوفر لها مساحةً مريحةً للتحركِ لضمان مصالحِها ومطالحِها معا. وأنها تعمل على طريقةِ الجندي الذكيّ في إبقاء هؤلاء (القناصين) الفاشلين، لضمان عدم حصولِ خسائرَ تُعيدهم لأزمنةِ المناكفات التي مضت.. والتي لن تعودَ بشكلِها ولونِها وطَعمِها السابق.. أبدا!

ذات صلة

ملحمة عاشوراء رموز عابرة لحدود الحاضر والمستقبلالعدالة البيئية وحقوق الأجيال القادمة: نحو رؤية قانونية وأخلاقية مستدامةسياسة الأمن القومي العراقيإيران.. تغيير السلوك هو البديل عن تغيير النظامتقاسم مفضوح للأدوار بين واشنطن وتل أبيب في سوريا