ضعف الثقة الشعبية في الانتخابات النيابية: نظرة تحليلية

د. جمانة جاسم الاسدي

2025-07-16 04:51

تشكل الانتخابات النيابية حجر الزاوية في الأنظمة الديمقراطية، باعتبارها آلية أساسية لمشاركة المواطنين في صنع القرار، وتجديد الشرعية السياسية. إلا أن العديد من المجتمعات، ولا سيما في السياقات الانتقالية أو الأنظمة الهجينة، تعاني من تراجع ثقة المواطنين في العملية الانتخابية ومخرجاتها. 

ويعد ضعف هذه الثقة مؤشرًا خطيرًا على خلل في العقد الاجتماعي، وانفصال بين المؤسسات السياسية والشارع الشعبي. يتناول هذا المقال الأسباب البنيوية والسلوكية لضعف الثقة الشعبية في الانتخابات النيابية، ويناقش انعكاساتها السياسية والاجتماعية، ويقترح آليات لاستعادة المصداقية والفعالية الديمقراطية.

الثقة الشعبية في الانتخابات هي الإيمان العام بقدرة المؤسسات السياسية على العمل وفق القانون، وتحقيق الصالح العام، وضمان العدالة والمساواة، تشير إلى مدى اعتقاد المواطنين بأن الانتخابات تُجرى بنزاهة وشفافية، وأن أصواتهم تُحتسب، وأن مخرجات الانتخابات تُعبّر عن إرادتهم.

ضعف الثقة في الانتخابات النيابية تؤدي إلى عزوف شعبي واسع عن التصويت، انتشار خطاب عام يشكك في جدوى العملية الانتخابية، تراجع المشاركة السياسية خارج الأطر الحزبية الرسمية، تزايد حالات الطعن في نتائج الانتخابات، والأسباب الجوهرية لضعف الثقة الشعبية منها الفساد الانتخابي والإداري الذي يتجلى في شراء الأصوات، وتزوير النتائج، والتلاعب بسجلات الناخبين، وعدم استقلالية الهيئات المشرفة على الانتخابات، والهيمنة الحزبية أو السلطوية حيث تُستخدم الأدوات الحكومية أو الأمنية للتأثير على نتائج الانتخابات، مما يحوّلها إلى عملية شكلية لا تُغير موازين القوى الحقيقية، كذلك في ضعف أداء المجالس النيابية السابقة فعندما يُنظر إلى البرلمانات على أنها عاجزة، تتضاءل حماسة المواطنين للمشاركة في إعادة إنتاجهاـ أيضًا غياب التنافس السياسي الحقيقي وهذا نتيجة لإقصاء المعارضة أو ضعف الحياة الحزبية، مما يؤدي إلى نتائج محسومة مسبقًا في نظر الجمهور، وأخيرا الخطاب الإعلامي السلبي الذي يُكرّس انعدام الثقة من خلال تصوير الانتخابات كأداة تضليل أو خداع سياسي.

والآثار السياسية والاجتماعية لضعف الثقة تؤدي إلى تآكل شرعية النظام السياسي، مما يفتح الباب أمام الاحتجاجات أو العنف السياسي، وانخفاض المشاركة المدنية، وتراجع الانخراط في العمل العام، اتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع، وتحول المواطنين إلى جمهور لا مبالٍ أو ناقم، وإضعاف الرقابة البرلمانية، إذ يُنتج ضعف الثقة مجالس نيابية ضعيفة التمثيل والمساءلة.

تتعدد سبل استعادة الثقة في الانتخابات النيابية ولكن يمكن أيجازها في تعزيز استقلالية الهيئات المشرفة من خلال ضمان تشكيل لجان انتخابية مستقلة، تُدار بعيدًا عن تأثير السلطة التنفيذية، ومكافحة الفساد الانتخابي بفرض عقوبات رادعة على التزوير وشراء الأصوات، وضمان رقابة فعالة من القضاء والمجتمع المدني، والشفافية والتواصل المؤسسي بنشر البيانات والإحصاءات الانتخابية بوضوح، وإشراك المواطنين في مراحل التحضير، وإصلاح النظام الانتخابي لضمان تمثيل أوسع وأكثر عدالة، بما يشمل مراجعة قوانين تقسيم الدوائر وآليات الفرز، بالإضافة إلى تحسين أداء المجالس النيابية من خلال ربط النواب بالمساءلة الشعبية، وتطوير قدراتهم الرقابية والتشريعية، وفي تعزيز الوعي الانتخابي ببرامج تعليم مدني تركّز على دور الانتخابات في التغيير السياسي والاجتماعي.

ختامًا- إن ضعف الثقة الشعبية في الانتخابات النيابية ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل مؤشر عميق على خلل في البنية السياسية والمؤسسية، ومواجهة هذه الظاهرة تتطلب إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات قانونية وإدارية شاملة، وثقافة سياسية جديدة تُعيد الاعتبار للمواطن كفاعل أساسي في صناعة القرار، بدون ذلك، ستظل الانتخابات شكلًا بلا مضمون، والديمقراطية واجهة لا تعكس الإرادة الشعبية.

ذات صلة

دور النهضة الحسينية في إعادة تعريف العلاقة بين الحاكم والمحكومعاشوراء: أيقونة الثورة ومثابة الثوارتوم برّاك إذ يفتح النار على سايكس- بيكو وينافح عن بلاد الشامالقُوَّةإذا لم يكن ترامب صقراً ولا حمامة، فماذا يكون؟