هذا التجمّل لمن؟

عبد الامير المجر

2025-07-10 03:28

في ثمانينيات القرن الماضي، قرأت عمودًا صحفيًا لا يحضرني اسم كاتبه، يتحدث عن ضرورة الاهتمام بالنظافة. ولأنه كتب بطريقة فنية أوصلت الفكرة بذكاء، بقي في ذاكرتي. الكاتب يتناول أمرًا إداريًا أو توجيهًا من مدير الدائرة إلى الموظفين، يحثّهم على تنظيفها وتجميلها قدر الإمكان، استعدادًا لاستقبال مسؤول كبير سيزورهم، وهكذا، ينهمك الجميع في تنظيف أماكنهم والممرات وتجميل كل زاوية، فغدت دائرة أخرى من حيث النظافة والترتيب بعد جهد لم يستغرق وقتًا طويلًا. 

لكن، وبعد انتظار طويل، جاءهم الخبر بأن المسؤول الكبير لن يأتي! وهنا تساءل الموظفون أو بعضهم؛ إذن، هذا التنظيف والترتيب لمن؟!.

ويجيب الكاتب في عموده الذكي قائلًا: لكم! أي أنكم تستحقون أن تجلسوا في مكان لائق، نظيف، وجميل، وبإمكانكم تحقيق ذلك. إن رغبتم به حقًا.

في العام 2012، انشغل المعنيون بأمر العاصمة بترميم وتأهيل فنادق بغداد والأماكن العامة القريبة من مقر انعقاد القمة العربية، وانشغلت وسائل الإعلام كذلك بنقل الأخبار والتقارير المصورة عن هذا الجهد الذي سابق القائمون عليه الزمن، كي تبدو بغداد بصورة لائقة أمام الضيوف من الزعماء العرب والأجانب.

في تلك الايام تساءلت مع نفسي وقلت؛ ماذا لو لم تعقد القمة في بغداد؟ وتخيّلت بعض الذين قاموا بهذا الجهد يقولون: إذن، هذه النظافة والترتيب والعمل طوال هذه المدة، لمن؟!.

لكنني لا أريد تكرار الإجابة نفسها التي قالها الصحفي أو كاتب العمود الذي بدأنا به سطورنا هذه. بل اقول؛ ألا يستحق أهالي بغداد أن يسيروا في شوارع معبدة وحدائق منظمة ومخضرّة ونظيفة؟ الأمر نفسه ينطبق على الفنادق والمرافق الخدمية، التي لا يقتصر استخدامها على الزعماء، بل بُنيت للناس جميعًا، ومن حقهم أن يتمتعوا بها.

خلال انعقاد مؤتمر القمة العربية الاخير في بغداد منتصف شهر أيار الماضي، لاحظ الجميع اختفاء بعض المظاهر اليومية المزعجة في العاصمة، مثل قلة النظافة في العديد من الأماكن، والانتشار العشوائي للبسطات، وكذلك المتسولون الذين باتوا أشبه بمافيات تتقاسم تقطعات الشوارع والأرصفة، فضلًا عن عودة شيء من اللمسة المدنية التي فقدناها منذ عقد التسعينيات، ما أثار ارتياحًا عامًا.

لكن سرعان ما فوجئنا بأن هذه الظواهر المشوهة عادت وانتشرت على جسد بغداد بعد انتهاء مؤتمر القمة مباشرة، منهيةً بذلك نشوةً قصيرة تمتعنا بها لأيام معدودة.

في الجمعة الماضية، كنت متجهًا إلى شارع المتنبي قادمًا من باب المعظم، مارًا بمبنى وزارة الدفاع وساحة الميدان. وقد هالني المشهد؛ المكان غارق بالفوضى، فالباعة فرشوا بضائعهم على الأرصفة بطريقة بدائية، وأمامهم معروضاتهم من الخردة والادوات العتيقة والملابس المستعملة، فجعلوا المكان أشبه بسوق هرج مفتوح. 

هنا يحضر سؤال في ذهن كل مواطن يمرّ من هذه المنطقة؛ ماذا لو جاء سائح أو مسؤول اجنبي ورأى هذا المشهد غير اللائق ببغداد، فماذا سيقول عنّا؟ أو لنفترض أن مهرجانًا ثقافيًا أو فنيًا سيقام في المنطقة، فهل ستقوم الجهات المعنية بالاعتناء بالمكان حتى انتهاء المهرجان، ثم يعود كل شيء إلى فوضاه؟ بغداد تستحق ان تكون نظيفة وجميلة دائما، وليس في المناسبات فقط!

ذات صلة

البشائر النبوية لمقيمي الشعائر الحسينيةمركز المستقبل ناقش.. دور الشعبوية الانتخابية في تغييب الوعي وضياع المستقبلمن المستبد؟ الشعوب أم الأنظمة؟عندما ينتصر الرأي العام للوطنالذكاء العاطفي مقابل الذكاء العقلي