عام على طوفان الاقصى.. مسارات التصعيد بين ايران واسرائيل

د. احمد عدنان الميالي

2024-10-13 04:15

صادف يوم الاثنين الماضي ٧/١٠/٢٠٢٤ مرور عام على عملية طوفان الاقصى التي نفذتها حركة حماس في تل ابيب، وعلى اثر ذلك بدأت الحرب بين الكيان الإسرائيلي وحماس والفصائل الاخرى في غزة. وتزامن ذلك مع تصعيد ملفت للحرب بين الكيان وجبهة المقاومة وفي وقت مقلق بالنسبة للمنطقة، فبعد عدة أشهر بدأ فيها وكأن الحرب في غزة تقترب من نهايتها.

 لكن الواقع الآن أن العمليات العسكرية الإسرائيلية عادت إلى التصعيد، حيث أصدرت إسرائيل أوامر بإخلاء الجزء الشمالي من قطاع غزة. وفي لبنان، شنت إسرائيل حملة جوية ضخمة اغتالت على اثرها امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، وتوغلاً برياً محدوداً في الأيام الماضية لجنوب لبنان، الأمر الذي دفع إيران الأسبوع الماضي إلى الرد وإطلاق وابل من الصواريخ على إسرائيل للمرة الثانية منذ أبريل/ نيسان الماضي، لتتحول هذه الحرب الى صراع استراتيجي في المنطقة بين اسرائيل وحركات المقاومة.

ومن المحتمل جدا ان يتسع نطاق الحرب لتشمل إيران وهذا يبدو وشيكاً، وقبل ذلك كان غير متوقع، فمن كان يظن أن القواعد العسكرية الإسرائيلية والمدن المحتلة ستتعرض للقصف بالصواريخ الباليستية الإيرانية؟ او أن تطأ اقدام القوات الإسرائيلية جنوب لبنان مرة أخرى؟ ومن كان يعتقد ان طائرات بدون طيار وصواريخ أسرع من الصوت تنطلق على تل أبيب من قبل حركة انصار الله في اليمن؟.

لقد دخلت منطقة الشرق الاوسط اثر ذلك في اضطرابات لا يعرف أين ولا متى ستنتهي، لكن الشيء المؤكد والوحيد هو أن الحديث عن اي مصالحة او سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين أصبح غير ممكن أكثر من أي وقت مضى، وان التصعيد والمواجهة مرتقبة بين الكيان وايران، ولقد كان من الواضح بسبب طبيعة هجوم حماس أن رد إسرائيل سيكون مكثفاً، ولكن حجم عملياتها في غزة، والكارثة الإنسانية التي أطلقتها تلك العمليات، كان بمثابة صدمة أولية كما إن شدة حملة القصف الإسرائيلية المفاجئة في لبنان في الشهر الماضي اتثبت أن رفض إسرائيل التسامح مع وجود حتى التهديدات الكامنة على حدودها أصبح الآن أمراً طبيعياً جديداً.

لقد تمكنت إسرائيل من متابعة اعتراضاتها العسكرية دون عوائق بسبب القلق بشأن الأضرار الجانبية التي قد تلحق بالمدنيين الفلسطينيين بسبب الدعم المحلي للحرب، لقد أدى هجوم حماس والحرب في غزة إلى تفاقم الانقسامات السياسية والمجتمعية القائمة في البلاد، ولكن من المدهش أن هذا لم يؤجج أي معارضة جوهرية للحرب، والتي عبر عنها فقط أولئك الذين يعتقدون أن السعي إلى إطلاق سراح الرهائن الذين تم أخذهم في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي يجب أن يكون الأولوية الرئيسية.

ومع ذلك، فقد كشفت العمليات الإسرائيلية في غزة أيضاً عن مدى صعوبة القضاء على حماس، وهو ما لا تزال إسرائيل تصر على أنه هدفها الاساس، ولكن ما دامت إسرائيل قد رفضت أيضاً احتمال مشاركة حماس في حكم غزة بعد الحرب، فإن هذا يعني -كما خشي كثيرون- أنه لا توجد خطة قابلة للتطبيق لحكم القطاع بعد الحرب، الذي تم تدميره بالكامل وسوف يحتاج إلى إعادة بنائه من الصفر.

وهذا ادى الى توسيع نطاق الحرب من قبل إسرائيل صوب حزب الله في جنوب لبنان، وتمكنت إسرائيل من اختراق حزب الله واستخباراته، وخاصة على مستوى القيادة، وكان بمثابة مفاجئة، والمفاجئة الاخرى هو تردد قيادة حزب الله في الرد بقوة أكبر بمجرد أن اتضح أن الحملة الجوية الإسرائيلية الأخيرة سوف تتجاوز التصميم المألوف للضربات المتبادلة التي ميزت الصراع طيلة معظم السنوات الماضية. ومن الواضح جداً مدى استعداد إسرائيل لملاحقة أهدافها العسكرية في غزة والآن في لبنان لكنها بدأت تبحث عن الهدف الاكبر وهو ايران.

وفي الوقت نفسه، أظهرت إيران في جولتين من الغارات هذا العام على أنها تمتلك الاستعداد والقدرة على الردع عبر ضرب الأراضي الإسرائيلية بشكل مباشر، وهي المفاجأة التي أخرجت (حرب الظل) طويلة الأمد بين الطرفين إلى العلن. ولكن إيران أظهرت أيضاً أنها لا تزال تكافح من أجل القيام بذلك بتأثير جوهري، ناهيك عن التأثير الكافي لردع إسرائيل عن الرد مرة اخرى والحفاظ على توازن قوى مقبول بينها في الصراع وعدم الدخول في مواجهة وجودية لها تبعات كارثية في المنطقة والعالم.

إن حقيقة اتساع رقعة الحرب والصراع الآن تتأكد من خلال فشل الولايات المتحدة في كبح جماح إسرائيل ودعمها، وهو ما يظل أحد المحركات الاساسية للصراع حتى الآن. لقد بدت واشنطن بالفعل غير راغبة أو غير قادرة على الحد من أكثر تجاوزات إسرائيل فظاعة في غزة، ويبدو الآن أنها غير قادرة على منع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من توسيع نطاق الحرب، والتي كانت منذ البداية الهدف الأساسي للرئيس الأمريكي جو بايدن. ومن غير المستغرب أن تكون الحرب قضية مثيرة للانقسام كما كان متوقعاً في الغرب، مع حركة مؤيدة للفلسطينيين أكثر وضوحاً بين التقدميين في الولايات المتحدة وانقسام تحالفات اليسار ويسار الوسط التي تستمر في دعم إسرائيل لأسباب تتعلق بالجيوسياسية الإقليمية والإرث التاريخي والعقائدي.

ربما تكون المفاجأة الأكبر هي التأثير المحدود الذي خلفته الحرب على علاقات إسرائيل بالمنطقة وخاصة تعثر مسارات التطبيع، ولا شك أن تصرفات إسرائيل في غزة بما في ذلك ما يُعتبر على نطاق واسع جرائم حرب، ناهيك عن اتهامات الإبادة الجماعية قد عزلت إسرائيل دولياً بشكل نسبي ولكن بشكل اوسع كانت العزلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى الرغم من أن الرأي العام مؤيد بقوة للفلسطينيين في هذه المناطق، لكن الحكومات العربية التي كانت تسعى إلى إقامة علاقات أوثق مع إسرائيل بقيت تراوح ازاء هذا الصراع اذ لم تُجبَر على التراجع عن دعم القضية الفلسطينية، ولم تتخذ مسار التصعيد ضد اسرائيل.

وهذا يشير إلى اتجاه عالمي أوسع نطاقا بعد عام من الحرب، فباستثناء الناشطين والمراقبين عن كثب وبالطبع الأشخاص المتضررين بشكل مباشر من العنف، يبدو أن الاستسلام العام للتكلفة الإنسانية للحرب بين إسرائيل وحماس قد بدأ، ويؤكد ذلك دخول ايران على الخط، فالقصف الإسرائيلي المحتمل للمنشآت النووية او النفطية الإيرانية يبقى قائما وهو أمر محفوف بالمخاطر بقدر ما هو محتمل على خلفية الهجوم الايراني الصاروخي على اسرائيل، لكن استهداف المواقع النووية الايرانية من بين جميع ردود الفعل الإسرائيلية المحتملة، سيكون هو الأكثر خطورة وتأثير، حيث ستكون له نتائج عكسية وتداعيات وخيمة.

فمن المتوقع ان تستهدف اسرائيل البنية التحتية النووية الإيرانية، وكل ماله صلة بالبرنامج النووي الإيراني، فطهران تمتلك سلسلة كاملة لإنتاج اليورانيوم المخصب، من مناجم ومواقع لتحويل الخام إلى مركز اليورانيوم في أردكان، والمركز الغازي الذي يزود منشأتي نطنز وفوردو وآراك بالطاقة، بالإضافة الى أجهزة الطرد المركزي، هناك أيضًا مراكز للبحث والاختبار وتصنيع المعدات وتخزين النفايات النووية.

اذ في المجمل، هنالك أحد عشر مجمعاً نوويا في جميع أنحاء ايران، دون احتساب تلك قيد الإنشاء وتلك المخصصة لإنتاج الكهرباء، وبالإضافة إلى هذه المواقع المعلنة، هناك مواقع سرية، وقد أجرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقات في العديد منها، وجميعها في مرمى الاهداف الاسرائيلية.

يتضح من كل ذلك ان هدف اسرائيل من التصعيد على غزة ولبنان، هو ايران وبرنامجها النووي وتفكيك جبهة المقاومة التي تقودها، فمنذ عام ١٩٨٢ كان الكيان الإسرائيلي وبرعاية امريكية يطمحون الى إعادة بناء او ترتيب منطقة الشرق الاوسط لكن كل المحاولات لغاية اندلاع عملية طوفان الاقصى أنتجت نتائج معاكسة لتلك المطلوبة، وليس هناك شك بحصول تحول وتغيير واضح على الواقع الاستراتيجي في المنطقة، بعد عام من هذه العملية وتداعياتها.

فمن الآن وصاعدا، بعد الرد الايراني يمكن لإسرائيل أن تستهدف المصالح الإيرانية، واستهداف حلفاء ايران وقتما تريد، ومضاعفة العمليات الإسرائيلية وتكثيفها يندرج في تعريف ما يطلق عليه نتنياهو بخطة الجبهات السبعة التي تقودها إيران ضد إسرائيل، وهي خطة تشمل الدول التي يتواجد فيها حلفاء ايران، وأيضا الجماعات المسلحة في الضفة الغربية، فالهجوم الايراني على إسرائيل سيسمح لنتنياهو بالاستقرار في وضع مريح كأمير حرب ينوي الانتقام لمواطنيه المصابين بصدمات نفسية من الرد الايراني.

وبالمقابل سيكون ايضا لإيران مجال للرد واستعادة عنصر الردع مرة اخرى، لما تمتلكه من قدرات ونفوذ للوصول الى بنك اهداف حيوية للمصالح الاسرائيلية والامريكية في المنطقة فضلاً عن تحكمها بممرات الملاحة البحرية في مضيق هرمز والتأثير على منطقة البحر الاحمر، لذلك ستكون واشنطن هي القوة الحاملة للميزان والمعادل لتصاعد حدة الصراع لان التصعيد ليس من مصلحتها لتضرر مصالحها ومصالح حلفاءها من اشعال حرب اقليمية موسعة في الشرق الاوسط، تسبب ارتفاع اسعار النفط وازمة طاقة، وضرب الاستقرار الاقليمي العربي في منطقة الخليج وتهديد قواعدها ومقارها بشكل مستمر.

لذلك فإن دور الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع والحرب الدائرة الان في المنطقة اقتصر على دور المتفرج، اذ في ظل استمرار الضربات الإسرائيلية على غزة وبيروت غاب التأثير الأمريكي على مسار الأحداث، خاصة أن واشنطن مستمرة في دعمها ومساعداتها العسكرية للكيان الاسرائيلي فهي لا تريد وقف اطلاق النار ولا توسعة هذ الحرب الى شاملة، وترغب ببقاء الحال كما هو عليه الضربات المحدودة، اي ان يقتصر الامر على استهداف محدود، بالاغتيالات وتفجير مواقع حساسة تقوم بها اسرائيل نيابة عنها، مع ذلك فإنها قد تفقد السيطرة الكاملة على أطراف الصراع، وقد يصبح صوتها غير مسموعاً خاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية وتداعيات الانقسام السياسي في الولايات المتحدة الامريكية، ما يعني ان احتمالات التصعيد والمواجهة واردة جداً وان ملامح عدم الاستقرار الاقليمي في منطقة الشرق الاوسط هي الاكثر حصولاً في المنظور القريب.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2024 Ⓒ

http://mcsr.net

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي