أين نحن في ساحة الحرب بين ايران واسرائيل؟

محمد علي جواد تقي

2024-10-08 04:51

من الصعب النوم هانئاً هذه الليالي في العراق وسماؤه مسرحاً للصواريخ البعيدة المدى المنطلقة من ايران مع احتمال الرد الاسرائيلي على هذه الصواريخ.

لا نخوض في تفاصيل الصراع الدائر بسبب التقاطعات السياسية والمخابراتية والأمنية، فالحديث عنها كثير، مع ظلال كثيفة من التعبئة النفسية في وسائل الاعلام لحشد الرأي العام بقوة عاطفية يُرجى ان تصنع موقفاً يفيد هذا الطرف او ذاك، لاسيما وأن الصراع غلبت عليه "الشخصانية"، وهو ما يعقّد عملية اتخاذ الموقف المطلوب وبشكل سريع مما يجري في المنطقة بشكل عام.

واذا توقفنا عند مشهد "ليّ الذراع" على أنه محور الصراع في المنطقة، فلا اعتقد نصل الى نتيجة تفيد الأمن والاستقرار، وتكشف عن معادلة الحق والباطل، فنبقى في الدوامة المفرغة التي أمضى فيها جيلين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر دونما طائل، فالحرب سجال؛ يومٌ لك ويومٌ عليك، بينما نحن بحاجة الى تحديد عقيدة هذه الحرب وغاياتها النهائية، حتى يتبلور لدينا الموقف إزائها، فإيران منذ تشكيل جمهوريتها الاسلامية عام 1979 تبنّت الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في العيش في تحرير أراضيه المغتصبة وتقرير مصيره بنفسه، وهو ما تضمنه الدستور الايراني في فقرة له بالدفاع عن حقوق الشعوب المضطهدة في نضالها لاستعادة حقوقها المشروعة.

أما اسرائيل فان لها خطابين متناقضين ممتدان على طول تاريخها السياسي الحديث، فهي تبدي رغبتها بالسلام مع محيطها الاقليمي، وتدعو الى اتفاقيات ومعاهدات سلام وشراكات اقتصادية ومشاريع تنموية مشتركة، بينما على الأرض عملياً تظهر بوجه المحتل والغاصب ذو الرؤية التوسعية بكل ما تحمله هذه السمة من مشاعر الخوف والقلق من المحيط الاقليمي، وقد حاول المفكرون فيها حلّ هذه العقدة النفسية بمساعدة من اغتصبوا اراضيهم! كما فعل شمعون بيريس، الشخصية العسكرية والسياسية المخضرمة، في كتاب له بعنوان: "الشرق الأوسط الجديد"، ألفه وهو مفعم بالسرور والارتياح بعد التوصل الى اتفاق سلام مع منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة النرويجية أوسلو عام 1993، وكان هو أحد ابطالها، و جوهر فكرته في هذا الكتاب، أننا كيهود في ارض فلسطين نوافق على التخلّى عن منهج القوة والحرب والقتل، مقابل أن يمنحنا المحيط الاقليمي الاعتراف الكامل بالوجود لنبدأ سويةً مرحلة جديدة من العيش المشترك في ظل مشاريع اقتصادية وتنموية تفيد الجميع! "فنحن شعب ذو حزم، وما من قوة على وجه البسيطة تستطيع ان تحملنا على مغادرة هذه الارض بعد خمسين جيلاً من العيش في الشتات؛ خمسين جيلاً من الاضطهاد والعذاب والابادة، لن نتزحزح من المكان الوحيد في هذه الدنيا".

هذا المنهج السياسي والنمط من التفكير الفريد من نوعه في العالم لم يستقم على الأرض لولا الدعم السياسي والعسكري المباشرين من اميركا بشكل خاص، ومن اوربا و "الاتحاد السوفيتي" بشكل عام، فالمعروف أن الاخير سبق الجميع بالاعتراف بدولة اسرائيل، وذلك لاسباب و دوافع لسنا بوارد الخوض فيها، مما يعني أننا أمام كيان عسكري بحت يمثل الخندق المتقدم للغرب في مواجهة أي مخاطر تهدد مصالحه في منطقة الشرق الأوسط، فلا يسمحوا بأي حال من الاحوال بأي تفوق عسكري عربي او إسلامي على هذا الكيان.

وقد فرض هذا الكيان طيلة سبعين عاماً منطق القوة والقتل وإراقة الدماء على دول المنطقة، فقد حصر الخيار الوحيد للتفاهم معه في الرصاص والقنبلة، واليوم يريد ان يصنع السلام من خلال الحرب كما تعلم من الفكر الغربي الحديث، لكن هذا ليس كل شيء، لأن لدينا سلاحاً ليس تقليدياً ينطلق ثم ينفجر، ثم تزول آثاره بعد حين، فهو سلاحاً صامتاً طالما يخشاه العدو، قوامه الوعي الجماهيري بالمسؤولية إزاء عدو مشترك، والتفكير الدائم بأن وجوده غير شرعي، مما يستوجب اتخاذ كل الاجراءات والخطوات لمواجهته، ليس عسكرياً فقط، وإنما بالعلم والثقافة والتماسك بين المجتمع والدولة، وهذا ما يخشاه أكثر من الصواريخ البعيدة المدى، لأن الصاروخ جسم واحد يمكن رصده والتصدي له، بينما جماهير عارمة ذات عقول وإرادة وعزيمة تحمل قدرات متنوعة غير محدودة، وغير محسوبة من المستحيل التصدّي لها.

وعندما يستحيل على الكيان الصهيوني النوم ليلة واحدة دون قلق على غده، ودون التفكير باختراق محيطه الاقليمي بمختلف الاشكال للاطمئنان على استسلامه للأمر الواقع، فان الحاجة تتأكد لهذا الاسلوب والخيار –من ضمن خيارات- يقول بيريس: "الذين لا يستطيعون تكييف انفسهم وتفكيرهم مع الحقائق الجديدة لن يتمكنوا من تأمين مستقبل آمن لبلادهم"، إنه تهديد واضح جاء ضمن سلسلة افكار سلمية وتنموية معسولة في كتابه، لكن من المستحيل فرض حرب مفتوحة مع العراق تحديداً، وإن تبرّم البعض وأظهر مخاوفه من إطلاق فصائل شيعية مسلحة صواريخ على الاراضي المحتلة، فالكيان الصهيوني ربما يرد على مصدر النيران وحسب، لكن لا يتجرأ بتعريض الحياة الاجتماعية والاقتصادية في العراق للخطر لأنه مدرك تماماً لحدّة التوثّب لدى العراقيين اذا ما داهمهم خطراً خارجياً كما حصل مع تنظيم داعش عام 2014.

إن قدراتنا العسكرية محدودة، وفرص التفوق ضئيلة في الوقت الحاضر، ولكن؛ مساحات التنمية واسعة لخلق وعي وثقافة في القاعدة الجماهيرية من شأنها ان تترك بصمتها على القرار السياسي، وهذا ينطبق على العراق كما ينطبق على سائر دول المنطقة لتحقيق مواجهة ناجحة وظافرة. 

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي