العراق ويومِ الشَّبابِ العالَمي

نـــــزار حيدر

2024-08-17 05:51

١/ بناءُ الشَّبابِ هو ضَمانٌ للمُستقبَلِ، والعكسُ هوَ الصَّحيح، فدَمارهُم هوَ ضياعٌ للمُستقبلِ.

 تعرِفُ ذلكَ من خلالِ حِوارِكَ مع شابٍّ فأَنتَ لا تسمعُ منهُ حديثاً عن الماضي وإِنَّما يصبُّ كُلَّ اهتمامهِ على المُستقبلِ، الرُّؤية وأُمنياتهِ وطمُوحاتهِ وما يسعى لأَن يكونَ فيهِ وكيفَ؟! على العكسِ من الكهلِ فإِذا أَصغيتَ إِليهِ فستجدُ أَنَّ اهتماماتهِ تنصبُّ عن الماضي سواءً الذي صنعهُ هو بنفسهِ أَو صنعهُ الآخرُونَ، فالكهُولُ يُحدِّثونكَ عنِ الماضي والشَّبابُ يُحدِّثونكَ عنِ المُستقبلِ، ولذلكَ فإِنَّ الأُمم المُتحضِّرة تُنفِق أَغلب ما عندَها من إِمكانيَّات ومصادِر طاقة وقدُرات على الشَّبابِ لتضمِنَ بناءهُم، وعلى مُختلفِ الأَصعدةِ، بِناءً سليماً وصحيحاً.

 كما أَنَّها تُساعدهُم للدُّخولِ للمُستقبلِ من خلالِ منحهِم الفُرص واستكشافِ طاقاتهِم الخلَّاقة وتسهيلِ الأَسبابِ والأَدواتِ لهُم.

 إِنَّها تستثمِرُ في الشَّبابِ لتجني في المُستقبلِ.

 ٢/ للأَسفِ الشَّديد فإِنَّ وزارة الشَّباب المعنيَّة بهذهِ الشَّريحة، وهُم الأَغلبيَّة في المُجتمعِ العراقي، تُعَدُّ من أَفشلِ الوِزاراتِ في كُلِّ الحكُوماتِ التي تعاقبَت على السُّلطةِ في بغداد بعد التَّغيير عام ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن.

 لقد سمعتُ مرَّةً من أَحدِ الفُقهاء المراجِع قولهُ؛ إِنَّ وِزارةَ الشَّبابِ يجب أَن تكونَ على رأسِ الوزاراتِ السياديَّةِ، لأَنَّها تتحكَّمُ برأسِ مالِنا الحقيقي وبالتَّالي بمُستقبلِ البلادِ كونَها مسؤُولةٌ عن بناءِ رجالِ المستقبلِ وقادتهِ.

 للأَسفِ فلقَد ظلَّت الوِزارة هامشيَّة بالمُحاصصةِ تعاقبَ عليها وُزراء فاشِلونَ أُميُّونَ بمهامِّ الوزارةِ وواجباتِها الدستوريَّة والقانونيَّة ولذلكَ لم يقدِّمُوا شيئاً لهذهِ الشَّريحة وبالتَّالي ضيَّعت الوِزارات مُستقبلِ البِلادِ.

 ٣/ بتتبُّعٍ بسيطٍ لمُنحنَياتِ التَّسافُلِ والسُّقوطِ والتَّراجُعِ لما آلَ إِليهِ واقعُ العِراق خلالَ العَقدَينِ الأَخيرَينِ، فسنكتَشِفُ [٣] حقائِق خطيرَة؛

 ١/ إِنَّ النِّسبة الأَعلى من الضَّحايا هُم الشَّباب ومنَ الجِنسَينِ.

 ٢/ والتَّراجعُ لا يقتصِرُ على مُستوى دونَ آخر، وإِنَّما على مُختلفِ المُستوياتِ:

 - المُخدَّرات

 - الأُميَّة والتسيُّب المَدرسي

 - البَطالة وانعدام الفُرص أَمام الخرِّيجينَ على وجهِ التَّحديد

 - الجَريمة المُنظَّمة

 - التَّوظيف والإِستهلاك ما يُنتجُ البَطالة المُقنَّعة وقتل الكفاءات الخلَّاقة

 - الفساد الأَخلاقي كالشُّذوذِ الجنسي والإِنتحار والسَّرقات والتفكُّك المُجتمعي

 - الطَّلاق والتفكُّك الأُسري

 - الإِنتماءُ إِلى الجماعاتِ الفكريَّةِ المُنحرِفَةِ والشاذَّةِ وعلى رأسِها ومن أَخطرِها التي تُشجِّع عناصرَها على الإِنتحارِ أَو قتلِ بعضهِم البعض الآخر.

 ٣/ إِنَّ مُنحنَيات النِّسب في تصاعُدٍ مُستمرٍّ وهي لم تشهَد تحسُّناً يُذكرُ للأَسفِ الشَّديدِ، وهوَ دليلٌ قاطِعٌ على فشلِ البرامجِ المعنيَّة ودليلٌ على تورُّطِ عصاباتٍ محميَّةٍ ومسنودةٍ في الدَّولةِ ودليلٌ على إِنشغالِ الدَّولةِ ذاتِها وزعاماتِها بالتَّوافهِ من الأُمورِ وتركِ الأَساسيَّاتِ.

 كلُّ ذلكَ، والمُثبَّت بالأَرقامِ والإِحصائيَّاتِ المنشورةِ في المواقعِ الرسميَّةِ لمُؤَسَّساتِ الدَّولة والمُنظَّماتِ والهيئاتِ الدوليَّة، دليلٌ واضحٌ على فشلِ الدَّولة العراقيَّة في احتضانِ هذهِ الشَّريحة وبالتَّالي تضييعِها للمُستقبلِ الذي لا يُمكنُ أَن نتخيَّلهُ نامِياً وناهِضاً من دونِ الشَّبابِ.

 ولعلَّ في تقريرِ الأُمم المتَّحدة الذي صدرَ في [٢٠٢٤/٧/٢٢] المُنصرم والذي حذَّر من أَن يتحوَّل العراق إِلى مُحورٍ إِقليميٍّ لتهريبِ المُخدَّراتِ هوَ واحدٌ من هذهِ الأَرقامِ والتَّقاريرِ المُرعبةِ المُشارِ إِليها آنفاً.

 فقد ذكرَ التَّقريرُ المَعنيُّ بالمُخدَّراتِ والجريمةِ أَنَّ [العِراق شهدَ طفرةً هائِلةً في الإِتِّجارِ بالمُخدَّراتِ واستهلاكِها خلالَ السَّنوات الخَمس الماضِية لا سيَّما حبوبُ الكِبتاغون المُخدِّرة والمِيثامفيتامِين].

 وأَضافَ [أَنَّ السُّلطات العراقيَّة صادرَت في العامِ [٢٠٢٣] رقماً قياسيّاً بلغَ [٢٤] مليُون قُرص كبتاغون، يفوقُ وزنَها [٤,١] أَطنان، وتُقدَّر قيمتَها ما بين [٨٤] مليُون دُولار و [١٤٤] مليُوناً].

 وأَشارَ التَّقرير إِلى أَنَّ [مضبُوطات الكِبتاغون زادَت بنحوِ ثلاثةِ أَضعافٍ بينَ العامَينِ [٢٠٢٢ و ٢٠٢٣] لافِتاً إِلى أَنَّ [المضبُوطات في العامِ الماضي هيَ أَعلى بمقدارِ [٣٤] مرَّة من تلكَ في عام ٢٠١٩].

وحذَّرَ تقريرُ الأُمم المُتَّحدة مِن أَنَّ [العراق مُعرَّضٌ لأَن يصبحَ مُحوراً مُتزايدَ الأَهميَّة بالنِّسبةِ لمنظُومةِ تهريبِ المُخدَّرات عِبرَ الشَّرق الأَوسط والأَدنى حيثُ يقع العِراق في نُقطةِ تقاطُعِ مُنظَّمةٍ عالميَّةٍ مُعقَّدةٍ لتهريبِ المُخدَّراتِ] لافتاً إِلى أَنَّهُ [رافقَ ارتفاعَ عمليَّاتِ نقلِ المُخدَّراتِ عِبرَ العراقِ والدُّول المُجاورة زيادةٌ في الإِستهلاكِ المحلِّي في جميعِ أَنحاءِ البلادِ].

 ٤/ للأَسفِ الشَّديد فلقد كانَ مِن الأَولى والأَنسبِ أَن نحتفي في يومِ الشَّبابِ العالمي بشبابِنا وإِنجازاتهِم الخلَّاقةِ وحياتهِم النُّموذجيَّة بصُورةٍ أَفضل وبرُؤيةٍ أَكثر إِيجابيَّة وبأَمل أَكبر إِلَّا أَنَّ الواقع لا يسمَحُ لنا بذلكَ إِلَّا إِذا قرَّرنا أَن نضحكَ على أَنفسِنا ونتغاضى عن كُلِّ الحقائقِ فنستغفِل شبابنا ونُضلِّلهُم.

 فما زالَ شبابنا لا ينعمُونَ بمقوِّماتِ الحياةِ الكريمةِ وفُرصِ النُّهوضِ والتقدُّمِ والتطوُّرِ والسَّعي نحوَ مُستقبلٍ أَفضلٍ، فهُم لا يتمتَّعونَ بفُرصٍ دراسيَّةٍ وتربويَّةٍ وبحثيَّةٍ وتدريبيَّةٍ جيِّدةٍ كما أَنَّهم لا يعيشُونَ في بيئةٍ نظيفةٍ وصالِحةٍ للحياةِ، فضلاً عن أَنَّهم لا ينعمُونَ بفُرصٍ صحيَّةٍ ونفسيَّةٍ مُناسِبة.

 إِنَّهُم يعيشُونَ في بيئةٍ إِستهلاكيَّةٍ غايةُ أَملها وأُمنياتِها أَن تحصلَ على وظيفةٍ، وهي البيئةُ التي تقتُل الإِبداع الذي هوَ عَماد النُّهوض الحضاري.

 ٥/ وفي اليومِ العالمي للشَّبابِ ينبغي أَن ندُقَّ ناقُوسَ الخطَر لهذا الموضُوع، فاحتضانُ الشَّبابِ وتمكينهِم وتهيئتهِم مسؤُوليَّة الدَّولة والمُجتمع معاً فهي مسؤُوليَّة تشارُكيَّة لا تسقُط عن أَحدٍ لأَيِّ سببٍ من الأَسبابِ، فالذي يحرَص على مُستقبلِ البلادِ عليهِ منذُ اللَّحظة أَن يستثمِرَ في الشَّبابِ فيحرصَ عليهِم قبل ضَياعهِم فيضيعُ المُستقبلِ.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي