العراق ٢٠٢٤ والأزماتية المتلازمة
عباس الصباغ
2024-05-13 05:58
ان المتتبع لتاريخ العراق المعاصر يجد صفة اللا استقرار الثابتة تطغى عليه فمن موجات التداول اللاسلمي للسلطة والانقلابات الدموية الى التيارات السياسية المؤدلجة التي ساهمت في تشظّي الرأي العام وتفتيته، الى الاقتصاد الريعي الذي مازال يعيش على كف عفريت لأسعار النفط ومازال الاقتصاد العراقي يعاني من الريعية المتحكمة بمصيره منذ ان دخل النفط كمورد شبه رئيس في ميزانيات العراق المالية.
يضاف الى ذلك التحديات الامنية المتمثلة ببقاء فلول داعش وخلاياه النائمة ناهيك عن ايتام البعث المنحل، الى السُنن العشائرية الخاطئة كالدكَة العشائرية والفصلية فضلا عن انتشار ظاهرة المخدرات والعنف الاسري وتفشي الانتحار وجرائم القتل العمد، الى اقتران عمليته السياسية بالفساد والمحاصصة التوافقية الى تغوّل السلاح المنفلت والمليشيات الخارجة عن القانون وغير ذلك كثير ما يشكل متلازمات ازماتية لاينفك عنها المشهد العراقي عموما.
الازماتية المتلازمة للمشهد العراقي العام اضحت شبه ثابتة عليه فهو يغصّ بالأزمات المتلاحقة واحيانا المترادفة والمتوارثة، ومايكاد المشهد العراقي يتخلص من واحدة منها حتى يظهر في الافق شبح ازمة جديدة، ويوصف المشهد العراقي العام بالمشهد المأزوم او الذي لاتنفك اشباح الازماتية عنه، وجميع الازمات التي يمر بها العراق كالسياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية والبيئية وغيرها تشي بالمعنى الحرفي للازمة، التي هي بحسب الموسوعة الحرة:
(صدمة مفاجئة تكون في اغلب الاحيان غير سارة، وتتطّلب قيادة محنّكة ذات رؤية استراتيجية للأمور، ومعزّزة بفريق محترف وكفوء ويمتلك القدرة على التنبؤ بالأزمات قبل وقوعها، واعداد الخطط المناسبة والبرامج الناجعة لها لاحتوائها واستيعاب الصدمات التي تتركها، والتقليل من آثارها السلبية بعد وضع خارطة طريق للمعالجة لاحتوائها او تفكيكها باقلّ الخسائر وكل ازمة تستوجب التهيؤ المسبق لها وعدم انتظار المفاجأة الى درجة الكارثة).
فصارت الازماتية مرادفا موضوعيا للمشهد العراقي وليس لها موسم معين ابتداء من التأسيس الدولتي الاول (1921) والى الان، فلم يشهد العراق حياة سياسية مستقرة وهادئة بسبب توالي الاختلالات البنيوية للتأسيسات الدولتية الفاشلة والخاطئة والمرتجلة المتعاقبة والتي لعبت في رسم محدداتها الارادات والمصالح والتوافقات الدولية والإقليمية، والتي كان آخرها التغيير النيساني (2003) والذي اقترن بحمولات فاشلة اكثر من سابقاته من التأسيسات ورافقتها، او كانت نتائج عرضية لها، وهي كانت اهم المقاربات الازماتية التي اتسم بها المشهد العراقي الا وهو عدم الاستقرار في كل مناحي الحياة دفع ثمن اخطائها وخطاياها الفرد العراقي باهظا من ضياع فرص التنمية المستدامة والبشرية الهائلة.
ولكن اقول اليوم ضمن المعطيات الجديدة:
انا شخصيا اتوسم خيرا بحكومة السيد السوداني لأنها وكما يبدو حكومة افعال وليست اقوال، ولأنها ابتعدت عن الجدل البيزنطي الذي رافق جميع الحكومات المتعاقبة السابقة بتكرار ثيمة التسويف والتأجيل للوعود بصيغ السين وسوف، وهذه الحكومة تحاول قدر المستطاع ان ترمم فضاء الثقة المتلاشي بين المواطن وحكومته وتحاول استرجاع ثقة المواطن العراقي البسيط بعمليته السياسية والتي فقدها جراء الاستمرار على المقاربات السياسية والاقتصادية الخاطئة، والتي تمأسست عليها العملية السياسية التي قامت على انقاض ديكتاتورية شاملة احرقت الاخضر واليابس.
وبسبب تلك المقاربات الفاشلة بقي المشهد العراقي مشهدا مأزوما وتصاحبه عدة متلازمات سياسية واقتصادية واجتماعية فاشلة.. الخ، وعلى حكومة السيد السوداني ترميم العقد الاجتماعي المتهالك اولا، وقراءة المشهد العراقي قراءة جيدة وتجاوز تلك الازمات ليس عن طريق العصا السحرية بل بتنفيذ البرنامج الحكومي (الخدماتي) بحذافيره ثانيا وكما هو معلن أولا، والسير التدريجي لاقتصاد السوق والابتعاد عن الاقتصاد الاشتراكي والسياسات الشمولية الفاشلة السابقة/ وتفعيل بقية الموارد الاقتصادية وتعظيمها واعطاء القطاع الخاص دورا اكبر مع فتح باب الاستثمار وتهيئة الارضية القانونية المناسبة لذلك، اي فسح المجال امام الجمهور ليتحرك ثالثا.
فالتحديات المصيرية راسخة والحلول الجذرية للواقع الازماتي العراقي موجودة ايضا وفي رأيي البسيط ان تحقيق الاستقرار الاقتصادي بالابتعاد عن المنهج الريعي (الشمولي) وتحقيق الاستقرار السياسي بالابتعاد عن المناكفات السياسية وتجنب اسلوب التشارك التحاصصي حتى وان كان بالتدريج والسير بخطوات ثابتة في طريق الحكم الرشيد والمستقر بعد ان نجح في التعاطي مع اسلوب التداول السلمي للسلطة، وبهذه الخطوات ممكن ان نطلق على العراق انه دولة ناجحة في عراق ٢٠٢٤ او في المستقبل المنظور، فيخطو العراق سلم الدولة الناجحة وليس المريضة كما كان شائعا.