لماذا يُغيب النقل العام؟
مصطفى ملا هذال
2024-02-07 03:54
أكثر من سنتين مضت على إعلان حكومة كربلاء المحلية عن انطلاق المرحلة الأولى لتشغيل حافلات النقل العام بحضور محافظ المدينة ومدير عام نقل المسافرين وغيرهم من المسؤولين المحليين، وهنا يتساءل الجميع لماذا غُيبت المراحل الأخرى؟
في ذلك اليوم غمرت الفرحة اغلب أهالي المدينة، وصار الحديث مُركزا على كيفية معرفة وقت انطلاق هذه الحافلات العشرة التي دشنت خط النقل العام، ومسارها وكيفية الاستفادة منها بعيدا عن الازدحامات والأجور المرتفعة بالنسبة لسيارات الأجرة الخاصة.
بعد ساعات من انطلاق المشروع اخذت العامة ترى السيارات الحمراء وهي تتجول في أروقة المدينة، وكأنها تعلن عن الدخول بمرحلة جديدة من مراحل نقل الافراد، على غرار ما معمول فيه بالعاصمة بغداد وكذلك اغلب المدن في الدول المجاورة وعواصمها، وفي ذلك أشياء إيجابية لا يمكن حصرها.
من الأشياء الإيجابية من هذا الانطلاق هو تقليل الزخم الحاصل في الطرقات وخاصة أوقات الدوام وانتهاءه، وما تشهده هذه الأوقات من ازدحام يومي يؤخر اغلب الموظفين والطلبة عن الوصول بالوقت المناسب، الا من يخرج في ساعات الصباح الأولى.
في عام 2021 نزلت الى الشارع الكربلائي عشرة باصات واكد الخطابي في وقتها على انها المرحلة الأولى وستكون هنالك وجبات أخرى من الباصات حتى تصل الى مئة باص، تعمل جميعها على تقديم الخدمة العامة وبمختلف الاحياء السكنية لا سيما تلك التي لا يوجد خط نقل عام فيها كا التي وزعت مؤخرا وتبعد عن مركز المدينة بضع كيلومترات.
البنية التحتية لكربلاء في الوقت الحاضر تمر بحالة صحية أفضل من غيرها من المدن، الشوارع واسعة ومتهيئة لتتحمل سير الباصات الكبيرة، فضلا عن وجود إمكانية لوقوفها وحركتها بانسيابية كبيرة لا تؤثر على الحركة العامة للمواطنين، بل سيؤدي وبصورة مباشرة الى تخفيف القلق لدى الافراد المتعلق بهذا المجال، أي الوصول مبكرا الى محل العمل.
توفير عجلات النقل العام اوجد تخوف لدى أصحاب النقل الخاص، من ناحية انه قد يؤثر على ارزاقهم، ولا يجدون من يستأجرهم كما في السابق، بينما النقل العام لا يمكن ان يؤثر على النقل الخاص خاصة وانه يعد خدمة اساسية في كل بلدان العالم التي سبقتنا بهذه التجربة، لاسيما وانه ينطلق ضمن خطوط واماكن توقف مخصصة.
هذه الخشية غير مبررة من قبل سائقي النقل الخاص، لأسباب كثيرة، أبرزها ان العدد الموجود لا يمكن ان يغطي الحاجة الفعلية للمدينة، ومن المستحيل ان يشمل مناطق المحافظة كافة، لذا تبقى الحاجة للنقل الخاص قائمة ولا يمكن الغاء هذه الخدمة، فالحديث عن التأثير يبدو مبكرا جدا.
وزارة النقل والحكومة المحلية في كربلاء اخفقتا في تعميم هذه التجربة وتوسعتها بالشكل الذي يتلاءم وطبيعة المدينة وبناها التحتية، فالباصات العشرة كان المؤمل ان تتضاعف لكنها اختفت بشكل كامل من الطرقات واختفى معها الامل في ان تكرر هذه التجربة في المدن العراقية الأخرى.
النقل الجماعي يعد من المظاهر الحديثة والأساليب الحضارية التي تشير الى تقدم البلد واقترابه من البلدان المتطورة في جميع المجالات لاسيما النقل الذي يعد من الركائز الأساسية في مدينة تتمتع بخصوصية قدسية تختلف عن غيرها من المدن، يدخلها ملايين الزائرين سنويا.
تجربة النقل العام وبما تحمله من مسحة حضارية تعد من التجارب المهمة والايجابية التي من الممكن والمفترض تعميمها على باقي المدن خدمة لشرائح المجتمع من الطلبة والمتقاعدين والمعوزين الذين ينظرون لمن يخفف عنهم ويساعدهم من اجل الوقوف بوجه الظروف الحياتية العصيبة.