القيادة النبوية منهجية عالمية للارتقاء
فادي محمد الدحدوح
2022-06-20 07:24
أثار مفهوم الشخصية عدداً من الباحثين الذين حاولوا تفسير لماذا يكون بعض الأشخاص أكثر قدرة من الآخرين على ممارسة القيادة بشكل مؤثر، وذهب بعضهم إلى المساواة بين القيادة وقوة الشخصية، واتفق معهم جملة من الباحثين في تعريف القائد بأنه ذلك الشخص الذي تتوافر فيه أكبر عدد من السمات الشخصية، واعتبر بعض العلماء القيادة كمجموعة من السمات التي تمكن الفرد من جعل الآخرين يقومون بإنجاز مهمة ما، فنظرية الشخصية تنظر إلى القيادة كتأثير من جانب واحد بمعنى أن القائد هو الذي يمتلك مجموعة من الصفات تميزه عن غيره.
فيما القيادة كممارسة للتأثير تتمثل في أنها نشاط يهدف للتأثير في الناس يدفعهم للتعاون من أجل تحقيق الأهداف المرسومة بدقة ووضوح تام. وعليه يمكن تعريف القائد في هذا الجانب بأنه الشخص الذي يمارس أعمالاً ذات تأثير إيجابي على الاخرين ويكون أكثر أهمية من تأثير أي عضو آخر من أعضاء الفريق.
أما القيادة كفن وسلوك فيرى بعض الباحثين على أنها أفعال خاصة يكون فيها القائد منشغلاً بتوجيه وتنسيق عمل أعضاء جماعته، ويمكن أن يتضمن ذلك أعمالاً مثل هيكلة علاقات العمل، والثناء عليهم وتوجيههم، وإظهار العناية براحتهم ومشاعرهم، وهنا تعرف القيادة بأنها سلوك الشخص عندما يكون منشغلاً في توجيه أنشطة الجماعة.
والقيادة من منظور الإقناع ركز عليها عدد من الباحثين وخلصوا للقول أنها القدرة على تقرير ما يجب فعله ثم إقناع الآخرين بفعله، ويبرز القائد هنا من خلال كونه الشخص الذي له القدرة على إقناع أشخاص آخرين بأن يفعلوا ما يحقق الأهداف المشتركة وأن يحبوا فعل ذلك بقناعة تامة.
ويمكننا القول أنه في أي موقف يحاول شخص ما أن يؤثر في سلوك شخص آخر أو مجموعة من الناس فهنا توجد القيادة، سواء كان ذلك في مجال الأعمال أو التعليم أو السياسة أو في الأسرة، فالقيادة المؤثرة هي القوة الحيوية الأساسية التي تحفز الأفراد وتنظمهم وتدفعهم من أجل تحقيق الأهداف، ومن خلالها تحدد الاتجاه بوضح والأهداف بعناية والاستراتيجية بدقة، وتشحذ الهمم وتلهب المشاعر وتدفع العاملين من أجل إحداث تغييرات رائعة، مما يجعلها تعمل في النهاية على الارتقاء برؤية الإنسان والنهوض بمستوى الأداء لديه إلى حدود أبعد، وبناء شخصيته إلى ما هو أبعد من حدودها الطبيعية.
وفي الوقت الذي تتعاظم فيه الأزمات والكوارث الفردية والجماعية والدولية، يزداد الاهتمام والبحث عن الحل الأمثل لإحداث تغيير جذري وتحسين الواقع المؤلم، والعمل على إحداث مستويات عالية من التغيير المنشود في الحياة، بعد تعثر المنهاج والرؤية وقصورها، ولا شك بأن الحل الأمثل والحاجة المبتغاة وجود القادة العظماء الذين يرتضون قدرهم ويسلكون طريق العلم والمعرفة والبصيرة والرؤية العالمية، محملين بالسلطة الأخلاقية، وقد أحدث الإسلام في هذا الطريق تغييرا نوعيا وكميا في حياة البشرية بما أسسه من منهج رباني تغيرت به نفوس معتنقيه أولا فأحدث ذلك تغييرا في مجتمعاتهم حتى وصل التغيير إلى آفاق المعمورة فتغير وجه الدنيا، وأضاء الإسلام سماء الإنسانية بنجوم آيات الكتاب والسنة لتهتدي بها في ظلمات الحياة إلى ما يسعدها.
إن مبادئ وأنظمة الفكر الإداري الإسلامي قائمة على عقيدة ثابتة لا تتغير، وقابلة للتطبيق في أي زمان ومكان، عكس المبادئ والنظريات التي طرحها الفكر الإداري الغربي، التي تختلف باختلاف قوانينه، بينما الفكر الإداري في الإسلام منهج حياة، وهو خير أداة للنهوض بالمجتمعات إذا أحسن تطبيقه، ونظرة معمقة وبحثية للتنظيم القيادي والإداري الذي وضعه الرسول صلي الله عليه وسلم للمجتمع نجد أنه نظاماً كفؤا وفعالا، طبقت فيه وظائف الإدارة بشكل فعال ومؤثر، ونظم الهيكل الإداري للدولة والتوجيه والرقابة بطريقة بالغة النجاح من المنظور القديم والحديث.
إن دراسة معمقة كذلك للقادة في كافة والبيئات واختلاف تأثيرهم ونمط شخصيتهم، لم تصل البشرية ولن تجد إنساناً قائدا بلغ أعلى درجات الكمال البشري غير محمد صلى الله عليه وسلم، فشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم القيادية مثالية لم ولن توجد على ظهر هذه البسيطة مثلها، فهي شخصية كاملة في كافة نواحي بنائها وكل ظواهر عطائها البشري وكل عوامل بقائها، فقد كان نموذجاً رائعا في معاملته لأهله وفي قيادته في أسرته وقيادة المجتمع، نموذجاً في المعاملة، والمعاشرة، والرفق، واللين، والحب، والتوجيه، وقيادة الدولة وشئون الرعية، كما اتسمت شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم القيادية في القدرة على التأثير الفاعل والقيادة الناجحة والاستمرار بالدعوة تبليغاً وإقناعاً، فكان نعم القائد ونعم المعلم ونعم المربي.
بذلك نستطيع أن نقيم مدرسة القيادة والإدارة ومنهجية الارتقاء بالإنسان في كافة المجتمعات وتحقيق العدل والخيرية للعالم أجمع، مدرسة نبوية إدارية تجمع بين تحقيق الكفاية والعلمية، وسمو الأخلاق، ونظافة الممارسات، ترتكز على القيم الإنسانية الراقية، وتتفق مع الحاجات البشرية السامية، والاهتمام بشؤون النشاط البشري من حسن إدارة شؤون المجتمع وخدمته، من أجل تحقيق ما يرمي إليه من أهداف، وما تتطلبه هذه العمليات من تخطيط وتحديد الأهداف وتقدير للاحتياجات، وتوفير الإمكانيات، ومن تنسيق ورقابة وقيادة فاعلة مؤثرة حكيمة ببروز المواهب والمهارات القيادية في الأفراد.