تلون تصبح محللا سياسيا!
مصطفى ملا هذال
2022-02-22 06:54
لتكون محللا سياسيا وتظهر بصورة مكثفة على شاشات التلفاز، ما عليك سوى التحلي ببعض الصفات، اولها هو التلون والميل مع الريح حيث تميل، أي محاباة القناة التي تظهر عليها او مجاملتها ولو بصورة مؤقتة؛ لضمان الاستضافة مرة أخرى، ولمعان نجمك بين المحللين الآخرين الذين دخلوا عالم التحليل من الروازين، وليس بالطرق العلمية.
التحليل السياسي علم قائم بذاته، له قواعده خاصة تحكمه، ولا يمكن الخروج عليها لمجرد الظهور على شاشة تعود للحزب الفلاني او الجهة الفلانية، والتي من الممكن ان تعود على المحلل المقصود بالفائدة المالية او غيرها، فالتحليل امانة يجب المحافظة عليها وعدم تغيب جزء من الحقيقة او الإضافة عليها بما يخدم الجهة المحلل لأجلها، فيما لو كان الكلام مبني على أساس معلومة دقيقة.
في دولة مثل العراق وقت ابتليت بالأحداث المكررة على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني، انبثقت بيئة لنمو مثل هذه الظواهر، اذ فسحت هذه البيئة المجال امام اغلب الافراد للحديث بالشؤون المختلفة، اذ تجد الصغير يتحدث مع الكبير بنفس الموضوع، وهنا أصبحت الاهتمامات متشابهة، تتمحور حول التفكيك السياسي للوضع القائم.
وما يوازي ذلك ظهور كم هائل من المحللين السياسيين يتبارون في الساحة الإعلامية كل منهم يقدم مجموعة من الأفكار في كثير من الأحيان بالية ومستهلكة من قبل الجميع، ويعود ذلك الى تدني ثقافة المحلل في الشأن المتخصص فيه، وقد يمتد هذا الجهل الى الشأن العام، وبالنتيجة يرى رؤاه الشخصية عين الصواب، ولا تقبل الخطأ مطلقا.
ويتبع هذا تصور بانه أصبح المحلل الأهم والأول في البلد بمجرد تمكن من حفظ بعض الجمل المتداولة على السن الجميع، فهي موجودة اين ما تيمم وجهك على الإذاعات والنشرات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي وكذلك الصحف، وهو في الحقيقة لا يختلف عن عامة الناس الذين يتبادلون أطراف الحديث في الأماكن العامة وغيرها.
فمن ساعد على بروز الشخصيات المحللة هو كثرة القنوات الفضائية، وخصوصا بعد تغيير النظام، فصار عدد وسائل الإعلام يضاهي عدد الأحزاب والحركات السياسية وجميع هذه الجهات تريد إيصال وجهة نظرها للجمهور العام، فكانت الحاجة الى اشخاص يمتهنون التحليل السياسي، ويؤدون الوظيفة بالشكل المطلوب ووفق ما مخطط له من قبل المُضيف.
وحين نقول ذلك لا يعني ان الساحة التحليلية خالية من شخصيات لديها أفكار مشرقة، وتحليلات نيرة، ترشدنا الى الطريق الصواب، وترسم منهجية واضحة للتعامل مع الاحداث القادمة والمتغيرات المتوقعة، وبالفعل تصل بعض القضايا العصية الى إنفراجة مقبولة بفضل الاعتماد على التحليل العلمي المنطبق والمترابط مع الواقع وليس بعيدا عنه.
ووسط هذا خلط الأوراق الموجود يصبح المتلقي هو المتضرر الوحيد، فكثرة التحليلات تضيع الحقائق على شريحة واسعة من الافراد، في الوقت الذي لا يوجد فيه من يبحث ويدقق في المعلومة التي يتلاقها، في ظل زحمة الاحداث اليومية وانشغال الافراد بشؤونهم العامة، فالكثير تثق ببعض الأشخاص وما يصدر عنهم وكأنه حديث مقدس لا يقبل الشك او التأويل.
الشيء الخطير الذي يرافق التحليل الخاطئ هو التفوه ببعض التصريحات والأحاديث التي تلهب الشارع وتخلق الاحتقان الطائفي وتثير النزاعات بين المكونات، اذ يوجد من بين المحللين من يحاول تأجيج الرأي العام دون وعي، وفي بعض الأحيان تكون الكلمات محسوبة ومدروسة ليس بصورة تلقائية.
وليس وحده يتحمل هذه المسؤولية، بل تشاطره في ذلك وسائل الإعلام التي لا تكلف نفسها في البحث عن الشخصيات التي تحمل قدرا من المسؤولية الأخلاقية والعلمية في اختيار الأشخاص المتخصصين والخبرة في توجيه الرأي العام الشعبي والسياسي حول قضية معينة.
العصر الذي نعيش فيه ربما يكون أكثر العصور بحاجة الى أصحاب الاختصاص بجميع المجالات وليس التحليل فقط، ومن غير الصحيح ان يحاول الشخص التصدي لجميع الأمور دون معرفة، فمن يريد ان ينجح بمسعاه، عليه اختيار المجال المناسب مع إمكاناته الفردية، وفي المحصلة النهائية نصل الى نتيجة حتمية وهي تطور المجتمعات وفق الأسس العلمية ولا داعي للتلون لتكون محلل تتقافز بين القنوات والمحطات الإعلامية