حكومة الكاظمي في مواجهة الاقالة
د. حسين أحمد السرحان
2020-09-01 07:22
تداولت وسائل اعلام وتصريحات عن نية "القوى السياسية الشيعية" وحلفائها من القوى السنية جمع اراء مؤيدة لسحب الثقة عن حكومة السيد الكاظمي في مجلس النواب اثناء زيارته الى واشنطن. وظهرت مطالبات بتوضيح نتائج الزيارة بعد عودته الى بغداد. وظهرت دعوات نيابية لعقد مجلس النواب جلسة استجواب لرئيس الوزراء حول انسحاب القوات الاجنبية. ومؤكد ان جلسة الاستجواب تقرب الحكومة من الاقالة أكثر.
كثير من المستجدات في الشأن السياسي كانت دافع "للقوى السياسية الشيعية" ان تخطط لسحب الثقة عن الحكومة. فنظرة تلك القوى للحكومة على انها مؤيدة لواشنطن ودورها في العراق او على الاقل محايدة هي الطاغية على تقييم تلك القوى لحكومة الكاظمي، وتسترشد بتأكيد السيد الكاظمي ووزير الخارجية فؤاد حسين على حرص العراق على توطيد علاقاته مع الولايات المتحدة كحليف استراتيجي، ومذكرات التفاهم والعقود التي تم توقيعها خلال الزيارة مع شركات اميركية في مجالات النفط والغاز والكهرباء.
وهذا الامر في نظر تلك "القوى" التفاف على ارادتها التي ترجمتها في التصويت على توصية للحكومة العراقية السابقة لإخراج القوات الاجنبية من العراق. فضلا عن ان تلك "القوى" تنظر الى ان تطوير العلاقات العراقية–الاميركية يقف بالضد من مصالح إيران الداعمة والمهيمنة على تلك القوى. ولذلك لابد من العمل على تنحية الحكومة لغرض اجهاض الاتفاقات التي وقعتها في واشنطن.
على الصعيد الداخلي، شكلت التغييرات الادارية والقيادية التي اجرتها حكومة الكاظمي مصدر تخوف بالنسبة للقوى السياسية المهيمنة على الدولة ومؤسساتها. فهذه التغيرات الادارية ابعدت قيادات ادارية موالية للأحزاب منذ سنوات، وانهت سطوة عدد من الاحزاب على الكثير من المؤسسات المهمة والمؤثرة في القرار السياسي والامني والاقتصادي في البلاد.
داخليا ايضا، التصعيد الذي شهدته ساحات الاحتجاج وما رافقه من تصريحات ومواقف بالضد من الحركة الاحتجاجية، وهجومات واغتيالات لناشطين في البصرة وذي قار والتي اعقبها غضب من الحركة الاحتجاجية تمثل بحرق وتدمير مقرات احزاب وفصائل كبيرة، كانت ايضا دافع لتلك القوى لتوجيه وسائل اعلامها لشن حملة نقد واسعة للحكومة واتهامها بأنها غير قادرة على فرض القانون. وهذا ما بث الخوف في تلك القوى، والشعور بان وجودها في خطر في مناطق تعدها عمق جماهيري وانتخابي لها. وكذلك موقف السيد الكاظمي مما جرى بعد عودته من واشنطن والتوجه مباشرة الى البصرة، والتأكيد على محاسبة قتلة المتظاهرين والناشطين.
ولذلك سارعت تلك "القوى " لعقد اجتماع في منزل هادي العامري رئيس تحالف الفتح مع السيد الكاظمي يوم الاربعاء 25 آب. وكشف رئيس كتلة الفتح النيابية محمد الغبان عن إن "قادة القوى السياسية بحثوا مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ما يجرى من أحداث وتصعيد في المحافظات الجنوبية". وأضاف أن "قادة الكتل أكدوا أهمية فرض الأمن والاستقرار وعدم السماح للمخربين أن يعبثوا بأمن البلاد وأن مهمة إعادة هيبة الدولة وسيادة القانون هي من أهم مسؤوليات حكومة الكاظمي التي ينتظر أن تهيئ لأجواء سليمة وآمنة لإجراء انتخابات مبكرة في حزيران القادم". وليس بالغريب ان تلك القوى اهتمت بمقراتها ونفوذها في مناطقها أكثر مما تهتم بالمصالح الوطنية للعراق.
التطورات الاقليمية لم تكن بمنأى عن ان تكون سبب غير مباشر للوقوف بالضد من حكومة الكاظمي. فمواقف تلك القوى الاعلامية المنددة من اعلان الاتفاق الاسرائيلي–الاماراتي، رافقها موقف حكومي تضمن "أن القرار اماراتي خاص ولا ينبغي التدخل فيه". الامر الذي شكل صدمة للقوى المتحالفة مع إيران.
كذلك شككت وسائل اعلام ايرانية بالاجتماع الثلاثي الذي عقد مؤخرا في عمان وضم العراق والاردن ومصر، وعدته اجتماع مفاجئ نظم له بعد عودة الكاظمي من واشنطن. وهاجمت صحف الايرانية الكاظمي عبر بيانات مستمرة لوكلائها في العراق ضد الحكومة. كما ان بث الحياة في العلاقات العراقية–السعودية عبر زيارة وزير الخارجية السعودي الى بغداد يوم 27 آب والاستعدادات لزيارة السيد الكاظمي المرتقبة الى المملكة العربية السعودية. كل ذلك، تضعه القوى السياسية المؤيدة للسياسات الايرانية في خانة العمل بعيداً عن المحور الايراني، اذ تعد إيران ان التوجهات الجديدة للعراق وتقربه من محيطه العربي يشكل خطرا على مصالحها في العراق.
ملخص القول، تبقى استدامة المكاسب التي تتحقق عبر الهيمنة على الدولة هي بوصلة هذه "القوى"، ويبقى الطريق الوحيد للإفلات من الحساب والمسألة لاسيما بعد تعهد الكاظمي بتشكيل لجنة لتتبع ملفات الفساد في واشنطن لتتمكن حكومته من الحصول على الدعم لمواجهة الازمة المالية ومواجهة جائحة كورونا. ويبدو ان الادارة الاميركية تنتظر افعال على الارض لتضع العراق في خانة الحلفاء الموثوق بهم، وهذا مُدرك من قبل حكومة الكاظمي.
يبقى السؤال هو كيف يمكن للكاظمي مواجهة هذا التحشيد السياسي المناوئ لحكومته؟
إذا ما تأكدت تلك من ضرورة اقالة الحكومة، فإنها ستعمل على الحصول على تأييد كتل نيابية اخرى لمواجهة الحكومة داخل مجلس النواب. وقد عملت قبل مدة على ذلك وشرعت بتحقيق المصالحة بين محمد الحلبوسي وخميس الخنجر للعمل على جمع شملهما لضمان انضمام الخنجر لمواقف تحالف الفتح من الحكومة.
ومن جانب آخر، ربما ستتواصل القوى النيابية الشيعية المضادة للحكومة مع الاحزاب الكردية تحت عنوان التحالف الشيعي – الكردي، للانضمام الى الجبهة المضادة للحكومة. وفي الوقت الذي تعاني فيه سلطات الاقليمي من حركة احتجاجات للمطالبة بحل ازمة الرواتب، وتكرار القصف التركي لمناطق في الاقليم قريبة من الحدود مع تركيا، فهي (اي سلطات الاقليم) تنتظر الحل من بغداد من دون ان تلتزم بتسليم ايراداتها الى الحكومة الاتحادية ومن دون السماح لدخول القوات الاتحادية الى الاقليم.
وربما هذا الامر سيفتح شهية "القوى السياسية الشيعية" الرافضة لسياسات الكاظمي، للتواصل مع الاحزاب الكردية الرئيسة واعطائها ضمانات بحل ازمات الاقليم، ولاسيما ازمة الرواتب، بعد سحب الثقة عن الحكومة الحالية. ولهذا بإمكان السيد الكاظمي وحكومته قطع الطريق على تلك القوى، والتواصل المؤسساتي مع الاقليم لبدء طاولة حوار واسعة تتضمن كل محاور الخلاف بين بغداد واربيل، واستثمار نقطتين قوة: الاولى: وجود فؤاد حسين في الحكومة الاتحادية وزيرا للخارجية، وكقيادي مؤثر في الحزب الديمقراطي الكردستاني، والثانية: استثمار التأثير الاميركي على سلطات الاقليم التي تتمتع بوحدة موقف من العلاقات مع الولايات المتحدة.
لا يمكن ان نغفل الشارع العراقي كنقطة ارتكاز لإجهاض اي تحركات مضادة للحكومة وتسعى لسحب الثقة عنها. وهنا تبرز الحاجة الى اطلاع الجمهور على التطورات السياسية، ومواقف تلك القوى من سياسيات الحكومة، والعمل بجدية لمواجهة قتلة المتظاهرين، وفرض القانون وحماية الحركة الاحتجاجية المريدة والهادفة لتحقيق المصالح الوطنية. واثبتت الاحداث ان الشارع والحركة الاحتجاجية هي الوحيدة القادرة على احراج تلك القوى واجبارها على التراجع عن مسعاها في اقالة الحكومة العراقية.