هل الدين يقيّد الحريات
خضير العواد
2019-05-08 08:26
مفهوم الدين في اللغة مأخوذ من الفعل دان بمعنى أعتقد أو اعتنق وهو عبارة عن الطاعة الكاملة والانقياد بفكر أو مذهب معين والسير في ركابه وعلى هداه، أما مفهومه اصطلاحا فهو عبارة عن مجموعة من المبادئ والقيم يعتنقها مجتمع من المجتمعات اعتقادا قولا وعملا.
الحرية هي التحرر من القيود التي تكبل طاقات الانسان وإنتاجه سواء كانت قيود مادية ام معنوية حتى الوصول للغاية المرجوة وهي السعادة.
وتنقسم الحرية الى حرية لا تلتزم بضوابط وأخرى تلتزم بضوابط، فالأولى يرفضها العقل وتتنكر لها الشرائع السماوية والوضعية لأنها تؤدي الى هلاك الحرث والنسل ولا تجلب للإنسان إلا التعاسة في الدنيا والخزي في الآخرة، لأن الحرية التي لا تلتزم بالضوابط لا يمكن أن تحافظ على حياة الإنسان أو تكوين اسرة سعيدة متماسكة بالعلاقات العائلية الطيبة ومن ثم تكون مجتمع مترابط وسعيد، مثلا: عندما يريد شخص ما ان يشرب الخمر ويقود سيارته تحت عنوان (الحرية) فإن نتيجته الهلاك له ومن يقابله في الشارع نتيجة القيادة وهو فاقد للوعي، أو شخص ما يريد ان يقود سيارته بسرعة هائلة في شارع مزدحم تحت عنوان (الحرية) فهذا العمل يجلب الكوارث للشخص والمجتمع، وهل يحق للشخص ان يغش في البضاعة او العمل تحت عنوان (الحرية) فهذا العمل يؤدي الى الإضرار باقتصاد البلد بشكل عام، وقد شارفت الأسرة في الغرب على الاضمحلال نتيجة الحرية المفرطة في العلاقات الجنسية والعلاقات العائلية مابين افراد الأسرة الواحدة وغيرها من الأمثلة التي تبين مضار الحرية التي لا تلتزم بضوابط.
أما الحرية التي تلتزم بضوابط فهذه الحرية يقبلها العقل وتؤيدها الشرائع السماوية والوضعية لأنها تؤدي الى بناء مجتمع سعيد ومتماسك نتيجة المحافظة على سلامة وأمن وصحة وحياة الفرد او الاسرة ومن ثم المجتمع.
لهذا قام الإنسان بوضع قوانين تقنن التعاملات والأفعال والأعمال ما بين الإنسان وما يدور حوله من بيئة إن كانت هذه البيئة فيها حياة أم لا، فشرع القوانين التي تنظم الحياة الصناعية والاجتماعية والسياسية والمرورية والإعلام والحريات الشخصية وغيرها من القوانين الكثيرة التي تتفاخر بها البلدان المتقدمة والتي تمتاز بالحرية والديمقراطية في العالم.
هذه القوانين التي تعتبر المدافع الأكبر عن الحرية والخيمة التي تحتضنها والتي اصبحت اليوم مفخرة الإنسانية قد طرحها الدين منذ ألاف السنين ووضَّحها وشرحها ورّغَب عليها ولكن طغيان الإنسان وظلمه هو الذي ركنها الى جنب، فعانى الإنسان ما عانى وقدم التضحيات الكبيرة حتى وصل الى هذا المستوى من الوعي الذي التقى به العقل البشري مع تعاليم السماء بعد ان كان رافضاً لها فأخذ بتطبيقها بعد أن غلفها تحت عنوان القوانين الوضعية وهي في حقيقتها قوانين سماوية أخذها من الأديان أما بصورة مباشرة او غير مباشرة نتيجة تواجدها في العقل الباطني للإنسان المشرع الذي حصل عليها من التعاليم الدينية، ولكن بقى الإنسان يسبح في وحل تجاربه الخاطئة البعيدة عن تعاليم السماء من خلال تشريعه القوانين الخاطئة فقد أعطى الحق في أقامت العلاقات الجنسية وجعلها حق لا يرضخ الى ضوابط، فعندما ظهرت مخاطر هذا الحق الموهوم إن كانت صحية أو اجتماعية بدأ بتقنين وتنظيم هذه الحرية من خلال طرح دراسة الثقافة الجنسية في مدارس الدول الغربية، وخطورة هذا المشروع كمن يسكب البنزين على النار لكي يطفئها وهذا نتاج ابتعاد الإنسان عن تعاليم السماء الحكيمة.
وقد طرح الدين الإسلامي أروع القوانين والتشريعات التي تقوم بتنظيم ودعم الحريات بشكل عام، حتى أصبحت الحريات التي طرحتها الديمقراطيات الغربية ما هي إلا عُشر ما يملك الإسلام من حريات.
وهذه بعض النصوص المقدسة التي تظهر ذلك قال الله سبحانه وتعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون)...(1)
وهذا هو حق الحرية والتخلص من جميع الأغلال الشخصية والاجتماعية بمختلف أنواعها، قال أمير المؤمنين عليه السلام (جعل الله سبحانه وتعالى حقوق عباده مقدمة لحقوقه)....(2)، وقال أمير المؤمنين عليه السلام (افضل الجود إيصال الحقوق الى أهلها)...(3)، وقد أكد الله سبحانه وتعالى على حق الحياة (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)....(4)، التأكيد على الكسب الحلال والعمل لجميع طبقات المجتمع وفئاته من أضعفها الى الأنبياء والملوك فقد ذكر عن سيرة الأنبياء عليهم السلام أن الله أوحى الى داود (عليه السلام) (يا داود إنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا،، قال فبكى داود أربعين صباحا فأوحى الله الى الحديد (أن ألن لعبدي داود) فلان له الحديد فكان يعمل في كل يوم درعا)....(5)، حق توفير فرص العمل للمواطن وإذا لم يوجد عمل على بيت المال توفير المأكل والملبس له حتى مع غير المسلمين.
ويذكر ان أمير المؤمنين عليه السلام وجد شخصا اعمى في البصرة يتصدق من اموال الناس فأنكر أمير المؤمنين ذلك فقالوا له يا أمير المؤمنين نصراني فقال الإمام (استعملتموه حتى اذا كبر وعجز منعتموه ؟ أنفقوا عليه من بيت المال)...(6)، وأما حديث الرسول (صل الله عليه واله وسلم)(لا ضرر ولا ضرار)....(7) فقد ضمن عدم الضرر بكل أنواعه للأشخاص والمجتمع بشكل عام، ومن حق الفرد أن يعيش في مجتمعه حياة كريمة مرفوع الرأس لا تناله الألسن بالقذف والسباب حيث قال أمير المؤمنين (عليه السلام)(يعزر الرجل في الهجاء)....(8)، ومن حق المواطنين الشكوى والاعتراض والمعارضة على الحاكم، فقد شكت امرأة جور الوالي الى أمير المؤمنين عليه السلام فقال عليه السلام (اللهم أنت الشاهد علي وعليهم إني لم أمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك).....(9).
وغيرها كثير من القواعد الفقهية والنصوص الشرعية التي تضمن الحقوق والواجبات والتي تكون محامية ومدافعة عن الحريات الشخصية، لهذا فإن الدين الضامن الحقيقي للحريات الشخصية والمدافع عنها ويعمل على تحقيقها بشكل متساوي وعادل ما بين جميع المواطنين، وأما القوانين التي تدافع عن الحريات ما هي إلا رذاذ أمطار التعاليم السماوية الحكيمة، وكل ما يطرحه الإنسان أو الحكومات لضمان الحريات في حقيقته قد طرح من قبل السماء قبل فترات زمنية كبيرة، فالدين هو الشجرة وأغصانها الحريات الشخصية المتكاملة التي تجلب للفرد والمجتمع السعادة في الدارين.