العدوان على اليمن
حكامنا إن تصدّوا للحمى اقتحموا!!
د. إبراهيم العاتي
2015-04-26 11:40
هكذا قال شاعر اليمن الراحل عبد الله البردوني وهو يشير الى الحكام العرب الذين يظهرون شجاعة فائقة حين يجتاحون اوطانهم ويبطشون بشعوبهم، لكنهم يفرون جبناً وذعراً أمام الدول الاستعمارية وربيبتها دولة الكيان الصهيوني إذا اعتدت عليهم، ويعملون المستحيل لإثبات حسن نواياهم. وهكذا عقدوا الاتفاقيات وتنازلوا عن الحقوق ووقفوا صفا واحدا ضد من يعادي اسرائيل من حركات المقاومة والدول الداعمة لها، لعل الكيان الصهيوني يقنع الامريكان بإبقائهم في الحكم عن طريق أذرعه السياسية المؤثرة في الكونغرس والإدارة الأمريكية، والمتمثلة في اللوبي الصهيوني والشركات الكبرى والمؤسسات المالية وغيرها.
وهل ننسى اتفاقية كامب ديفيد، اتفاقية العار، التي أعطت من التنازلات للعدو الصهيوني مالم يعطه حاكم مهزوم فكيف بمن يدعي أنه منتصر! لقد أعطاهم السادات سيناء منزوعة السلاح، ولا يحق للجيش المصري التواجد فيها باستثناء رجال الشرطة وبملابس مدنية، وعددهم لا يتجاوز بضع مئات، واذا ارادت مصر زيادة عددهم، ولو لأفراد يجب عليها أخذ موافقة الكينسيت الصهيوني، كما لا يحق لأحد الطرفين إلغاء الاتفاقية إلا بموافقة الطرف الآخر، يعني ان الاتفاقية مؤبدة!! وأخيراً وليس آخراً فإن الاتفاقية قضت بوجود قوات مراقبة أمريكية في مجملها في سيناء لمراقبة تطبيق الاتفاق، وهي قوات احتلال لا تملك الحكومة المصرية حق ازاحتها. أما الشق السياسي من الاتفاقية فحدث عن الخيانة ولا حرج، يكفي أن علم اسرائيل يرفرف على اعلى بناية في قاهرة المعز، حيث اختار الكيان الصهيوني، بشكل مقصود، ان تكون سفارته في الطابق الاخير فيها. وقد التزمت الحكومة المصرية، ومعها الجيش المصري بتنفيذ هذه الاتفاقية طيلة مايقرب من أربعين عاماً لم يطلق فيها رصاصة واحدة على اسرائيل، رغم حروبه العدوانية التي لم تتوقف ضد الشعب الفلسطيني واللبناني خاصة والشعوب العربية والاسلامية عامة، لكنه شارك، ياللأسف، في مهمات قمعية خاصة مأجورة كان آخرها المشاركة في التحالف العميل ضد الشعب اليمني وقواه الحية.
ولو فتشنا جيداً عن هدف كل الدول المشاركة في تحالف الشر هذا لوجدنا أنه لا يخرج عن الإطار الذي رسمته لها الدول الكبرى واسرائيل، ويتمثل في افتعال المعارك الجانبية مع الشعوب العربية والإسلامية، لإشغالها عن معركتها الحقيقية مع إسرائيل. وقد اتقنت السعودية هذا الدور منذ أمد بعيد. فحينما كانت مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر تنتهج سياسة وطنية مناهضة للاستعمار وعملائه في المنطقة، ومساندة لحركات التحرير في العالم العربي والعالم وقفت منها السعودية موقفا عدائياً متحالفة مع شاه ايران الذي لم يكن وقتها –في نظر السعودية- فارسياً ولا مجوسيا ولا رافضياً، بل كان عروبيا على مذهب اهل السنة، لأنه افتتح سفارة لاسرائيل في طهران، وكانت ايران يومها عضوا في حلف بغداد الاستعماري الذي تأسس في الخمسينيات للوقوف بوجه حركات التحرر الوطني في العالم الثالث!!
ولعل مراجعة بسيطة لدور السعودية السياسي منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تثبت انه يخدم مشاريع اسرائيل وحلفائها في المنطقة، من اثارتها للحرب العراقية الايرانية، الى تسعيرها لنيران الفتنة المذهبية، الى وقوفها في جبهة واحدة مع اسرائيل ضد محور المقاومة، الى حربها المجنونة ضد الشعب اليمني العربي الاصيل الذي افقرته السعودية باستنزاف طاقاته في الحروب الداخلية التي يشنها عملاؤها في القاعدة وحزب الاصلاح وداعش، وحينما عجز هؤلاء عن اداء الدور المطلوب تدخلت هي في حرب قلدت فيها اسرائيل في حرب تموز 2006 وذلك باستخدام سلاح الجو لقصف المناطق المأهولة والمدنيين العزل والبنى التحتية، والقنوات التلفزيونية التي استشهد عدد من مذيعيها، دون ان يطرف للإعلام العربي المأجور جفن او يؤنبه ضمير، بعد ان باع ضميره للشيطان... كل ذلك تم بوحشية ماثلت، وربما فاقت، وحشية العدو الصهيوني، بهدف الضغط على المقاتلين وكسر ارادتهم، لكن لم يتحقق لها ما أرادت، فأعلنت وقف العدوان.
والسؤال الذي يدور في ذهن كل عربي مخلص: إن ظهور الطيران السعودي بهذه الكثافة التي (يتمرجل) فيها على أهل اليمن الأحرار، سابقة لم نرها في معارك العرب مع الصهاينة منذ ان بدأ الصراع معهم قبل اكثر من ستين عاما وحتى اليوم، فأين كان هذا الطيران حينما احتلت بيروت عام 82، واين كان حينما احرقت اسرائيل غزة مرات عديدة، وهي مازالت محاصرة حتى اليوم، واين كان في حرب تموز، حينما كانت توجه السعودية وتوابعها اللوم للضحية (المقاومة) وتترك الجلاد (اسرائيل)؟!.. والجواب عند شاعر الثورة اليمنية الراحل عبد الله البردوني رحمه الله، حين قال قبل أربعين عاماً:
حكامنا إن تصدّوا للحمى اقتحموا........وإن تصدّى لها المستعمر انسحبوا
هم يفرشون لجيش الغزو أعينهم........ويدّعون وثوباً قبل أن يثِبوا
الحاكمون و(واشنطن) حكومتهم........واللامعون وما شعّوا وما غربوا
وواضح أنه كان يقصد مملكة الشر التي تعبث بأمن اليمن ومصير أبنائه منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا!