سَاسَةُ الغَرْبِ والتَّمَلُّقِ لِحُكَّامِ آلِ سُعُوْد
التَّنَازُلُ عَنّْ القِيَمِ لِتَحقِيْقِ المَصَالِح
محمد جواد سنبه
2015-02-18 12:03
الغاية تبرر الوسيلة، مبدأ أَرساهُ (نيقولاي مكيافلّي) (1469- 1527)، واصبح هذا المبدأ، العمود الفقري لسياسة دول الغرب، بصورة عامة. وهذا المبدأ الحاكم في سياسة الدول الغربية، جعلها تتخلى عن القيم المدنية، التي كافحت من اجل تحقيقها، الشعوب الغربية لعقود بل لقرون من الزمن. بدءً من القرون الوسطى، وحتى قيام الثّورة الفرنسية في عام 1789م.
فالثورة الفرنسيّة جسّدت، تطلُّعات نضال الشَّعب الفرنسي، في تأسيس نظام جمهوري، يحقق في المجتمع العدالة والحرية والمساواة، وحقّ ابداء الرأي، والتداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الانسان، واقرار مبدأ الشفافية في التعامل بين الحكومة والشعب، وغيرها من الحقوق المدنية. واقتبست بقيّة الشعوب الأوربية، مبادئ الثورة الفرنسية، لتجعلها عنواناً لنهضتها في تأسيس مجتمع مدني، يسوده النظام والقانون.
هذه النقلة التاريخية التي حققتها الثورة الفرنسية، أَوّقدت جذوة اجراء اصلاحات، في بقية الأَنظمة السياسية في اوربا وأمريكا. وبذلك انتقل الغرب الى أَعلى درجات السلّم الحضاري، والرقي البشري في مجال إقامة الأَنظمة الديمقراطيّة. ولأجل أَنّْ يكون السياسي الغربي، قريباً من تطلعات شعبه، أَصبحَ لزاماً عليه، التَّحدث أمام شعبه باستمرار، مؤكداً تمسكه بالقيم الديمقراطية، ومبادئ حقوق الانسان. وإِنَّ أَيَّ سياسي غربي، يحيد عن المسار الدِّيمقراطي، ويتلكّأ في تطبيق مبادئ حقوق الانسان، فإِنَّه لا محالة سيُرفض من قبل أَبناء شعبه.
حتّى أَنَّ الحملات الاستعمارية، التي كانت تقوم بها، بريطانيا العظمى في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، والنّصف الأَوَّل من القرن العشرين. فكانت تلك الحملات تُشنّ، تحت ذريعة (تحرير الشعوب). فمثلاً كان أَوَّل خطاب وجهه (الجنرال فردريك ستانلي مود)، للشَّعب العراقي في 11 آذار 1917 من بغداد، حيث قال: (إن جيوشنا لم تدخل مدنكم وأَراضيكم، بمنزلة قاهرين أَو أَعداء، بلّْ مُحررين). وفي ذلك رسالة الى العراقيين (لخداعهم)، مثلما هي رسالة للشعب البريطاني وللغرب، بأَنَّ بريطانيا تحمل أَهدافاً انسانيّة، عند احتلالها للعراق.
وعلى نفس هذه الخطى، سارت أَمريكا عند احتلالها للعراق في عام 2003. فأَصدرتّ الإدارة السياسيّة الأمريكيّة، قانوناً اسمته قانون (تحرير العراق)، الذي صادق عليه الكونكرس الأمريكي، في عام 1998. ولم تَغبّْ عن ذهنية المستعمر الأَمريكي، فكرة وضع غطاء قانوني لاحتلال العراق. كما لم تَغبّْ عن تلك الذهنية، تضمين هذا القانون مادة، يُذّْكَرُ فيها التمسك بإشاعة الديمقراطية، وحماية حقوق الانسان. فقد وردَ في المادة الثانية من القسم الخامس، من قانون تحرير العراق، مواصفات المجموعة التي تحكم العراق، فذكرت مايلي:
(أَن تكون متمسكة بالقيم الدّيمقراطية، وباحترام حقوق الإنسان، وبالعلاقات السلمية مع جيران العراق، وبالحفاظ على وحدة أَراضي العراق..).
هذه المراجعة التّاريخية، إِذا ما أَضفنا إِليّها مبدأ آخر، يتبنّاه السَّاسة الغرب، ويُصرحُ به السَّاسةُ الأمريكيّون، على وجه الخصوص، بأَنّْ (لايوجد لأَمريكا أَعداء على الدوام، ولا أَصدقاء على الدوام، لكنّْ يوجد لأَمريكا مصالح على الدوام). هذه الرؤية نجدها تتكامل، في المطابقة مع المبدأ المكيافلي (الغاية تبرر الوسيلة).
والمفارقة الملفتة للنظر، أَنَّ ساسة المعسّكر الغربي، نجدهم عملياً، يتنازلون عن تلك القيم، عندما يتعاملون مع حليفهم الهرم، نظام آل سعود. فلهذا النظام، سجل أَسود في مجال الحريات الشخصية، والمعايير الديمقراطية، وحقوق الانسان. فهو نظام له هندسة حكم خاصّْة، لا يشابهها أَيُّ نظامٍ دكتاتوري في العالم. فهو النظام الوحيد في العالم، الذي يختزل إِرادة أَكثر من عشرين مليون مواطن من شعب نجد والحجاز، في شخص الملك. وهو النظام الوحيد في العالم، الذي يسجل كل مساحة البلاد، أَرضاً وجوّاً وبحراً، بإِسم جدّ العائلة الحاكمة، وكأَنَّها مُمتلكاتٌ خاصة بالعائلة.
ومن غيّْر الخافِ على المطّْلعين، بأَنَّ لنظام آل سعود سجلاً مشحوناً، بالظلم والتَّعسف، ضدّ أَصحاب الرأي، من المثقفين والسّياسيّين، ودُعاة احترام الحريات، وحقوق الانسان. ونظام آل سعود، يضطهد المرأة ويهضم حقوقها، بشكل جاهلي مُقّْرف. ونتيجة لتعالي أَصوات الجماهير المطالبة، بنيّْل حريّاتها الأَساسيّة، وخروجهم الى الشوارع للمطالبة بحقوقهم، تَشِنُّ السلطات السعوديّة في كلّ مرّة، حملات قمعية ضدهم، وكان منها اعتقال الشيخ نمر النمر، والحكم عليه بالاعدام.
(.... وبحسب (هيومان رايتس ووتش)، يواجه المعتقلون في السعودية، بما في ذلك الأطفال، انتهاكات لحقوقهم في إجراءات التقاضي السليمة والمحاكمات العادلة، ويتعرضون للاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة. وكثيراً ما يُصدر القُضاة السعوديون، أَحكامًا بآلاف الجلدات. ويمكن للقضاة إصدار أوامر بالاحتجاز والاعتقال، تشمل الأطفال، بناءً على تقديراتهم الشخصية.)(انتهى). (المصدر/ نون سبوت).
وكانت الجمعيّة العامّة، للأُمم المتّحدة، قدّْ انتخبت السعوديّة، إلى جانب الصين وروسيا وكوبا في منتصف نوفمبر 2014، لعضوية مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإِنسان، رغم امتلاكها لأَسوأ السجلات على الإطلاق، في مجال حماية حقوق الإِنسان. لكن السلطات السعوديّة، رفضت ذلك. في خطوة منها، لمنع أي انتقاد، توجه لها منظمات حقوق الإِنسان، وشخصيات عالمية مهتمّة في هذا المجال.
قال (علي اليامي/مدير مركز الديمقراطية وحقوق الانسان): (ان لقرار الملك السعودي (عبد الله)، بمعاقبة كل من يقاتل خارج البلاد، انما هوامتداد لمرسوم ملكي سابق، يجرّم أَيّْ انتقاد للمُفتي أَو للأُمراء، أَو لهيئة كبار العلماء. موضحاً أَنَّ قانون التجريم الجديد، موجهاً ضد الاصلاحيين والنشطاء، المطالبين بدولة قانونية، وعدالة اجتماعية، واحترام لحقّ الاقلية، والمساواة بين أَبناء الشعب، ليس إلاّ.)(انتهى)(قناة العالم).
وأكثر من ذلك، فقدّْ أَصبح نظام آل سعود، بحكم التركيبة الخاصّة به، وتبنيّه لعقيدة دينيّة، تمتاز بالتَّطرف والغلوّ، من أول المنتجين لعناصر الارهاب. فالعالم يتذكّر أَنَّ أَحداث (11سبتمبر 2001)، التي عرف العالم، بأَنَّها أَوَّلُ عملية إِرهابية نوعيّة منظّمة، تم تنفيذها من قبل مجموعة إِرهابيّة، كان عدد السعوديين فيها (15) شخصاً، من أصل (19) شخصاً نفذّوا العمليّة. كما أَنَّ نظام آل سعود، يعتبر مصدراً رئيساً، من مصادر تمويل الارهاب في العالم.
(أَصدرت وزارة الخارجية الأمريكية (في اوائل شهر حزيران 2014)، تقريراً ذكرت فيه، أَن التبرعات الخاصة من دول الخليج، ظلّت المصدر الرئيس لتمويل الجماعات الإِرهابية، وكشفت الوثائق أَنَّ الدَّعم الشرعي لهذه الحركات، يتكون من (7) أَشكال، أَهمّها الدعم المالي، عن طريق الصدقات، والتّبرعات والزكاة، بعد إِثارة العاطفة والحماسة لدى (البعض من) المسلمين، يَسبقه في ذلك، دعم شرعي لتحسين صورة القتال المسلح، والتجنيد والدَّعوة له. وضمت الوثائق أسماء (28) شخصيّة سعوديّة داعمة لما يسمى (بالجهاد.)(انتهى). (موقع عراق القانون).
في الحَلَقة الثانية من هذا الموضوع، إِنّْ شاءَ اللهُ تعالى، سأَفتتح المقال بوثيقة جديدة، تُثبت تورُّط ملك آل سعود الجديد (سلمان بن عبد العزيز)، بتمويل الإِرهاب العالمي، منّذ الثمانينيّات من القرن الماضي. كما سأُغطي بالوثائق أَيضاً، التَّصريحات والبيانات الّتي قدّمها بعض السّاسة الغربيين، بمناسبة موت ملك آل سعود (عبد الله بن عبد العزيز)، وتولي أَخيه (سلمان بن عبد العزيز)، مقاليد أُمور شعب الحجاز والجزيرة، ضاربين بعرض الحائط، القيم الدّيمقراطية، الّتي لا ينْفكّون عن المناداة بها ليّل نهار، بينما يغضّون الطّرف عنها كليّاً، عندما يتعاملون من سلطة آل سعود. والله تعالى من وراء القصّد.