لو عاد الحسين اليوم... هل كنا سنلبي نداءه؟

أوس ستار الغانمي

2025-08-02 02:44

في خضمّ الأزمات التي تعصف بالعالم الإسلامي، والتحديات التي تواجه الإنسان المعاصر في جميع المستويات، من الأخلاق إلى السياسة، من الفقر إلى الفساد، من الاحتلال إلى الاستبداد، يبرز السؤال العميق: لو كان الإمام الحسين (عليه السلام) حيًا بيننا اليوم، كيف كان سيقود الأمة؟

هذا السؤال ليس مجرّد تأمل تاريخي أو خيال شعري، بل هو استدعاء روحي وعقلي لنموذج القيادة الإلهية التي تجسدت في شخصية سيد الشهداء، الإمام الحسين بن علي (ع)، حفيد النبي الأعظم (ص)، وريث النبوة، وسليل الإمامة. فقيادته لم تكن لحظة عابرة في التاريخ، بل كانت مشروعًا إصلاحيًا خالدًا، يمتد أثره إلى يوم القيامة.

قيادة الحسين (ع) ليست للقرن الأول فقط

من الظلم أن نحصر نهضة الإمام الحسين (ع) في معركة كربلاء وحدها. لقد كانت كربلاء تتويجًا لمسار من الوعي، التبليغ، والتحرك الرسالي. فلو قُدّر للإمام الحسين أن يعيش في زماننا، لما تغيّرت روحه، ولا مبادئه، ولا أهدافه، بل لتكيّفت وسائله وأدواته بما يناسب الزمان والمكان، لأن نهضته لم تكن ردّ فعل على واقع سياسي خاص، بل كانت موقفًا أزليًا من الظلم والانحراف، وقول "لا" أمام كل "نعم" زائفة.

الإمام الحسين (ع) قائد الإصلاح الشامل

قال الإمام (ع) في نهضته: "إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي." هذه العبارة تختصر مشروعه القيادي. فلو كان بيننا اليوم، لكان مشروعه إصلاحيًا شاملًا يتناول عدة محاور:

1. إصلاح العقيدة والدين: الإمام الحسين (ع) كان يرى أن أخطر أنواع الانحراف هو ذاك الذي يلبس لباس الدين. واليوم، وقد تشوه الدين في كثير من المواطن، واختلطت العادات بالتعاليم، والنصوص بالتحريفات، والروح بالمظاهر، فإن الحسين (ع) كان سيبدأ من هنا. كان سيعيد الناس إلى "دين محمد (ص) الأصيل"، إلى التوحيد الخالص، والعبادة الصادقة، والتقوى العملية، لا الطقوسية فقط.

كان سيجابه الجهل بالدين، والتطرف باسمه، والدين المؤمم سياسيًا أو القائم على التكفير أو التحجر، وينشر فهمًا حيًا، عقلانيًا، متسامحًا، ثوريًا للإسلام.

2. مقاومة الظلم والاستكبار: كما وقف بوجه يزيد، الطاغية الذي زوّر الدين وحوّله إلى أداة للسلطة، فإن الإمام الحسين (ع) اليوم كان سيقف ضد كل طاغية، سواء لبس البدلة العسكرية أو العمامة المزيفة أو البدلة الرسمية الغربية.

كان سيواجه الأنظمة الفاسدة، الطغاة، المحتلين، الظالمين، وسيدعو الشعوب إلى الرفض الواعي، والصمود الشجاع. لم يكن ليهادن المستعمرين ولا المطبعين مع أعداء الأمة، ولا المستغلين لثروات المسلمين.

كان الحسين سيقف اليوم في فلسطين، في اليمن، في العراق، في البحرين، في كل أرض فيها مظلوم، ويصرخ كما صرخ في كربلاء: "هيهات منا الذلة."

3. تمكين الفقراء والمستضعفين: الإمام الحسين (ع) كان مع المستضعفين لا مع المتخمين. كان يرى في العدالة الاجتماعية أساسًا للدولة الإسلامية. ولو كان حيًا اليوم، لما سكت عن الفقر الذي ينهش مجتمعاتنا، ولا عن الفساد الذي يأكل أموال الناس، ولا عن الطبقية المتجذرة.

لكان قائدًا للعدالة الاقتصادية، ورافعًا لشعار: "لا يُشبِع الغني حتى يَشبع الفقير."

4. بناء الوعي السياسي والثقافي: الحسين (ع) لم يكن يقود الجهلاء، بل كان يربي الواعين. نهضته كانت مشروعًا لتنوير الأمة، وتحفيزها على التفكير الحر، ونقد السلطة، وتحمّل المسؤولية.

في عصر التجهيل الإعلامي، والأخبار الكاذبة، وشراء الذمم، كان الإمام الحسين اليوم سيقود ثورة وعي، عبر التعليم، الثقافة، الإعلام النزيه، الخطاب المبدئي.

كان سيخاطب العقول كما يخاطب القلوب، ويحثّ الأمة على أن تكون شريكة في القرار، لا ضحية له.

الحسين... قائد لا يُعزل عن الزمان

الإمام الحسين (ع) لا ينتمي إلى الماضي، بل إلى كل لحظة ظلم في كل زمان. وجوده حيّ في القيم التي يرفضها الظالمون، ويحيا بها الأحرار.

فلو كان بيننا اليوم، لما جلس في القصور، بل نزل إلى الشوارع، مع الناس، يحمل راية الإصلاح، ويدعو إلى إحياء الإسلام الحقيقي، ويزرع فينا الشجاعة لنقول: لا.

ليس شرطًا أن يعود الإمام الحسين (ع) جسديًا، فالحسين فينا إن كنا نحن حسينيين. السؤال ليس فقط: "لو كان الإمام الحسين حيًا اليوم، كيف كان سيقود الأمة؟" بل أيضًا: "هل نحن أهلٌ لأن نتّبعه لو ظهر بيننا؟"

الجواب يتوقف على مدى استعدادنا لنحمل مشروعه، ونعيش قيمه، ونواجه التحديات كما واجهها، دون خوف، دون مساومة، وبحب عظيم لله، للحق، وللإنسان.

فالحسين باقٍ، لأنه صوت الله في وجه الطغاة، ونبض الأحرار في كل عصر.

ذات صلة

في ذكراه الأليمة: الإمام الحسن وإرهاصات كربلاءحق المواطن العراقي في المياهقوة التَّعلِيمُالأمانة الوظيفية مبدأ لا يقبل التفريط في الشريعة والتشريعالسلاح المنفلت والدولة العراقية