الوعي الحسيني: طاقة متجددة للمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد

مصطفى ملا هذال

2025-07-05 01:16

كل حركة في الكون تحتاج إلى عامل يساعد على ديمومتها واستمرار دورة حياتها، بما في ذلك الحركة الإصلاحية، فهي عادةً ما تحتاج القوة التي تستمد منها وجودها. وهنا يأتي دور الوعي الحسيني بوصفه الطاقة المتجددة مع مرور الوقت للمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد.

وتجسيدًا لمقولة "هيهات منا الذلة" أصبح الوعي الحسيني مدرسة لتعليم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وأحرار العالم أجمع، كيفية الوقوف بوجه الظلم، ورفض الفساد والطغيان الذي عمَّ المجتمعات الإنسانية ولا يزال ينخر جسد البنية الاجتماعية من قبل المتغطرسين في السلطة.

ما علاقة الوعي الحسيني بالإصلاح؟

جميع الحركات الإصلاحية تضع مبادئ النهضة الحسينية مرتكزًا أساسيًا لها، وهو ما يجعل نهاياتها إيجابية وملهمة للملايين المتعطشين لقوة تردع المظاهر غير الأخلاقية التي اتسعت وأخذت بالانتشار في العقود الأخيرة وتحديدًا في المجال السياسي الذي أثرت مخرجاته على جميع المجالات الحياتية.

فانسحاب هذا التأثير على الحياة العامة يأتي من كون العمل السياسي وكل ما يشوبه من شبهات يؤثر بصورة أو بأخرى على مفاصل حياة الأفراد، ولهذا يُعد الوعي المأخوذ من مبادئ النهضة الحسينية بمثابة السد المنيع بوجه الانحرافات السلوكية التي كثيرًا ما تؤدي إلى خيبات ونتائج كارثية.

فشعار "إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي" كان إعلانًا صريحًا من الإمام الحسين (عليه السلام) عن الهدف الأسمى لثورته، وهو الإصلاح الحقيقي والفعلي، إذ خلق هذا الشعار وعيًا لم يكن لحظيًا أو محدودًا على زمن بعينه، بل تحول إلى ثقافة مستمرة تتوارثها الأجيال، تدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتربط الإصلاح بالسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية.

ولولا خروج الإمام الحسين (عليه السلام) بوجه الفساد ومحاربة يزيد وغطرسته، لم نجد من يتصدى للفساد والدعوة الدائمة للإصلاح بجميع أشكاله في الوقت الحاضر، فالفساد بكل أصنافه يُعد خطرًا يهدد كيان الدولة والمجتمع، والحسين (عليه السلام) تصدى لفساد السلطة الأموية التي سعت لتكريس حكمها القائم على الاستبداد والتمييز الطبقي ونهب الثروات.

وهنا يتجلى جوهر الوعي الحسيني في الربط بين فساد السلطة وضرورة الثورة عليه، فالإمام (عليه السلام) لم يواجه فقط الحاكم الظالم، بل واجه منظومة فساد متكاملة، وهو ما يُلهم اليوم الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان بضرورة مقاومة الفساد البنيوي الذي يُعيد إنتاج الأزمات في المجتمعات.

اليوم وليس في العراق فحسب ومع تصاعد الأزمات في دول المنطقة، عاد الخطاب الحسيني ليكون جزءًا من حركة الوعي المجتمعي ضد الفساد الإداري والسياسي، وخير الأدلة ما حدث في مظاهرات تشرين 2019 وما تلاها، رفع المتظاهرون شعارات مستلهمة من الثورة الحسينية، للتأكيد على أن الشعب يرفض الظلم والنهب، ويطالب بحقوقه المشروعة.

إلى جانب ذلك وظف الكثير من رجال الدين والمثقفين هذا الوعي في خطبهم وكتاباتهم، معتبرين أن السكوت عن الفساد خيانة لمبادئ الحسين (عليه السلام)، لكن هنالك جملة من التحديات تمنع توظيف الوعي الحسيني، أبرزها محاولة بعض الأطراف السياسية استغلال الشعارات الحسينية لأغراض انتخابية أو فئوية، ما قد يؤدي إلى تشويه روحية الثورة وتحويلها إلى أداة صراع بدلًا من كونها حافزًا للوحدة والإصلاح.

يؤكد التاريخ والواقع أن الوعي الحسيني ليس مجرد ذكرى تاريخية أو طقس ديني، بل هو مشروع إصلاحي متجدد يمد المجتمع بطاقة أخلاقية ومعنوية لمقاومة الفساد والدعوة للعدالة، وكلما تجدد هذا الوعي في نفوس الناس، اقتربنا أكثر من مجتمع حر عادل يليق بتضحيات سيد الشهداء وأهدافه.

ذات صلة

التربية الحسينية وبناء الشخصيةعاشوراء ثورة سلميةعاشوراء ودروس رفض التطبيع مع الدكتاتورالمرأة كفاعل قانوني في ثورة عاشوراء: زينب بنت علي (عليها السلام) نموذجًاسيدة الجنوب الاولى ومحراب الحسين: دموع لا تموت..