الحسين.. ثورة من أجل السلم العالمي

جميل عودة ابراهيم

2024-07-15 05:08

محرم وصفر من كل عام هجري هما شهرا الامام الحسين عليه السلام، والحسين بن علي أبن ابي طالب هو رجل سلم وسلام، والذي يحب السلام لكل الناس ويدعو إلى التغيير والاصلاح والخير. لذا فهو يقول: «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله «ص».

فكيف يمكن أن ننطلق من الامام الحسين (عليه السلام) لنحقق السلم العالمي؟ وهل يمكن أن يتحقق السلام بدون ثمن؟ ثم كيف يمكن للسلام وسبيل اللاعنف أن يفرض نفسه على من لا يؤمن بالسلام، ويستعمل كل القوى التي توجب السيطرة والدمار؟

أما الاول: وهو كيف ننطلق من الحسين لنحقق السلم العالمي؟

فان علينا أن نفهم معنى السلم الذي تبناه الحسين عليه السلام وأصحابه وآليات تحقيقه. فهناك من الناس من يحب السلام، ولكنه سلام الذات والاستسلام والعزلة، ولا يفكر بإحداث تغييرات في البنى والقوى والعناصر الفاسد في البيئة والمجتمع. ومواقفه من الاحداث الاجتماعية والسياسية الكبرى تكاد تكون مواقف سلبية لا تتعدى الدفاع عن الذات من أخطار الانحراف.

وهناك من يدعي أنه يحب السلام ويريد تحقيقه في مجتمعه والمجتمع العالمي، ولكنه يرى أن السلام لا يتحقق في المجتمعات المحلية والدولية إلا من خلال تصنيع وامتلاك الأسلحة وخاصة المدمرة والفتاكة كالقنابل الذرية والهيدروجينية والجرثومية وغيرها، ويعتبر السلاح المتطور كمّاً وكيفاً هو الضمان لتطبيق السلام العالمي. ليس هذا فحسب، بل نرى من يسفك الدماء ويقتل الأبرياء ويبيد الشعوب وهو يرفع شعارات السلم والسلام!!.

والامام الحسين (عليه السلام) هو المنهج الثالث الداعي للسلام، ولكنه ليس سلام الذل والخنوع والخضوع وقبول الباطل فـ"هيهات منا الذلة" وليس سلام القوة والسلاح والقتل والابادة الجماعية كما تفعل الدول الكبرى -اليوم- بدعوى محاربة الارهاب. وذلك لان مدرسة الحسين مدرسة تقف من العنف والعدوان والتعسف والإرهاب موقف المضاد، فكرة وسلوكاً، فقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يدعو الناس إلى الإيمان بالإسلام بأسلوب المسالمة واللاعنف، يقول سبحانه وتعالى: (وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ لاَمَنَ مَن فِي الأرْضِ كُلّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّىَ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) سورة يونس: 99. وقال تعالى: "فَذَكّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَكّرٌ " لّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ" سورة الغاشية: 21-22. 

وأما الثاني: وهو هل يمكن أن يتحقق السلام بدون ثمن؟

إن الذين يعتقدون أن السلام هو العزلة والانغلاق والتقوقع فهم –ربما- لا يدفعون الثمن مباشرة، ولكن ابنائهم ومجتمعاتهم وأوطانهم سوف يدفعون اثمانا باهظة؛ لان مظاهر الفساد والافساد تبلغ اوجها، وتذهب القيم والمبادئ والاصول ادراج الرياح، ويضيع العدل والحق ولا يسلم أحد من الانحراف، إلا الذين ينذرون أنفسهم من أجل اصلاح المسيرة وتقويمها.

 وأما الذين يقولون إن السلام يتحقق بالبندقية، فانهم مستعدون لدفع الثمن الباهظ من أموال وأنفس أنصارهم، ومن دماء وأرواح أعدائهم. ولا يهمهم إلا أنفسهم وذواتهم ومشاريعهم الموسومة بالسلام!!

وأما منهج الامام الحسين عليه السلام في السلام والاصلاح فهو أيضا لا يكون بلا ثمن، ولكن هذا الثمن الذي يدفعه الحسين لا يكون على حساب الاخرين بالقتل والترهيب، بل هو ثمن يدفعه ويؤديه دعاة السلام أنفسهم، والذين يؤيدونهم ويناصرونهم، ولو كان ذلك الثمن أموالهم وأرواحهم وابنائهم.

 ومنهج الحسين أشد حرصا على منع سفك الدماء ليس في صفوف الانصار والموالين، وإنما في صفوف الاعداء والمبغضين، فالحسين (عليه السلام) كان يدعو جيش السلطة وقادته أن يعدلوا عن قتله وقتل عياله وانصاره ليس خوفا أو طمعها في شفاعتهم، ولكن خوفا عليهم من العار ودخول النار. إنه عليه السلام كان يعلم أن القوم لو قتلوه سوف لا يعيشون كثيرا من بعده، وأن الله سوف يعاقبهم بسبب قتلهم لسبط النبي وانصاره.

هذا هو سلام الحسين هو يريد الاصلاح ويطلبه ولا يُحيد عنه، ولكنه يحرص أن يكون هذا الاصلاح ثورة بيضاء، وإذا كان لابد من التضحية فليكن هو وعياله وانصاره أول المضحين!!.

 وأما الثالث: وهو كيف يمكن للسلام وسبيل اللاعنف أن يفرض نفسه على من لا يؤمن بالسلام، ويستعمل كل القوى التي توجب السيطرة والدمار؟

 هناك اتجاهان يتصارعان من أجل التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي وهما مستمران مدى الحياة، اتجاه يؤمن بان التغيير لا يكون تغييرا حقيقيا إلا بالقوة ايا كانت، وهو لا يتوانى عن استخدام سلاح العسكر في وجه من يقف في وجه، وهذا الاتجاه يبرر كل ما يقوم به من اعمال وحشية كالقتل والتهجير والسجن والتعذيب ومصادرة الحريات ويزعم بان هدفه تحقيق الاستقرار والامن وسيادة القانون... 

 وهذا الاتجاه عادة يحقق اهدافه بشكل سريع لان سلطة الخوف تقهر البشر وتذلهم وتحبس انفاسهم... ولكنه في الوقت ذاته هو قابل للنزول والزوال بالسرعة التي صعد بها ووجوده مرهون بالمحافظة على أدوات القوة والقهر التي تظل بيده ولكن ما ان فقدها فانه سيفقد كل شيء. فسلطة بني أمية كانت قوية وقت قتل الامام الحسين (عليه السلام) لأنها كانت تملك السلطة والمال والقوة والسجن... ولكن ما ان فقدتها بُعيد قتل الحسين حتى أخذت تضمحل شيئا فشيئا وزالت باستحواذ بني عباس على السلطة.

وأما الاتجاه الثاني فانه يؤمن بان التغيير والاصلاح مطلوب ومستمر.. ولكن لا تغيير ولا اصلاح بالقوة والسيف، لان مثل هذا الاصلاح هو إصلاح سطحي وقشري وليس اصلاحا حقيقيا وجوهريا. الاصلاح المفروض بالقوة هو اصلاح لا يعيش كثيرا، أما الاصلاح بالحوار والجدال بالتي هي أحسن والاقناع والايمان هو الاصلاح الذي يعيش كثيرا ويستمر لأنه يتعلق بالنفوس والقلوب لا بالأجساد والابدان.

 فثورة الحسين ثورة القلوب والعقول، وبالتالي، فرغم مضي أكثر من ألف سنة عليها إلا أن اتباعها وانصارها يتكاثرون يوما بعد يوم، وهي تنتشر وتعم العباد والبلاد ابتداء من العراق حتى الهند، واليابان والصين، وأوربا وامريكا.

وهذا يعني أن علينا أن نرفض كل أشكال العنف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأسري وحتى في الحرب، وذلك اعتماداً على أن المسالمة نظرية متكاملة، ومنهج سلوك متواصل، وخيار حضاري. 

والطريق إلى السلم والسلام القائم على الحق والعدل والإنسانية هو امتلاك القوة في مقابل الضعف، لا القوة بمعنى العنف، لان العنف والعنف المضاد حلقات متسلسلة لا تنتهي، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (من عامل بالعنف ندم).

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

** نشر في شبكة النبأ المعلوماتية- شباط 2008 / صفر 1429

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي