المنبر الحسيني في عاشوراء: المعرفة من اجل التغيير
مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
2015-10-14 11:44
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
قال الامام الشهيد الحسين بن علي عليه السلام:
(ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه؟ فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا)
المجتمعات على تعدد جغرافيتها واختلاف السنتها، تنشدّ الى المنبر الحسيني والى الخطيب الذي يعتلي هذا المنبر، وهي تفعل ذلك طيلة أيام السنة وخاصة في مناسبات الولادة والوفيات لائمة اهل البيت عليهم السلام، لكنها في شهري محرم وصفر، تحضر بأعداد كبيرة تحت تلك المنابر المقدسة.
هذا الحضور الحاشد والذي يتكرر في كل عام، قادر على ان يقدم الكثير من المعرفة لأجل التغيير، تغيير واقع تلك المجتمعات، عبر مجالس العزاء التي يمكن ان تكون ومن خلال خطبائها قادرة على تقديم تلك المعرفة.
كيف يمكن للمعرفة ان تغير؟
من خلال فهم متجدد للنهضة الحسينية، فهما عميقا، يجعلنا قادرين على ان ندخل في كل قضايا العصر.
ماهي تلك القضايا التي يمكن ان يطرحها المنبر الحسيني من خلال (تثوير الأفكار واثارة دفائن العقول)؟
جملة من المفاهيم التي اكدت عليها كلمات الامام الحسين (عليه السلام) منذ لحظة انطلاق نهضته وحتى استشهاده، من قبيل الحق والعدالة والحرية والكرامة، وفي افعالها التي ترفض الظلم، والقهر، والجوع، والحرمان، والتطرف، والعنف، والإرهاب، والفساد، والاستبداد، وغير ذلك الكثير من مدلهمات الخطوب التي تحيط بالإنسان (ليس المسلم وحده).
ماهي القضايا التي يفترض بالخطباء ان يركزوا حديثهم عنها؟
في الجانب السياسي يمكن طرح بعض العناوين:
1- الإصلاح: ويشمل ذلك الحديث عن اصلاح الحكومة (تبعا لدولة الخطيب) في علاقتها مع شعبها، والاستماع الى آرائهم التي يطرحوها في منتدياتهم او تظاهراتهم، او من خلال وسائل الإعلام التي تنقل تلك المطالب.
2- تمكين المعارضة السياسية السلمية من التعبير عن معارضتها وفسح المجال لها وعدم قمعها او اقصائها، لان ذلك سيولد ردات فعل غير محسوبة من قبل تلك المعارضات، وبدلا من ان تنشد اصلاح النظام ربما تطالب بهدمه.
3- نشر ثقافة ومفاهيم التداول السلمي للسلطة بين الأحزاب الحاكمة في البلد وعدم اللجوء الى السلاح والانقلابات في عملية تداول السلطة.
4- الابتعاد عن نهج العنف في الصراعات السياسية بين الفرقاء وقواعدهم، واللجوء بدلا من ذلك الى الحوار الجاد والبناء في معالجة الاختلافات بروح وطنية مخلصة لما فيه الفائدة والخير للجميع.
5- التأكيد على فوائد التعددية السياسية، لمحاصرة ثقافة الاستبداد التي تنتشر في فضاءات الانغلاق السياسي على الزعيم او القائد الأوحد.
6- التأكيد على احترام الاخر المختلف، فليس الجميع يمتلكون تصورا واحدا للأداء السياسي، بل يمتلكون تصورات مختلفة، طالما ان تلك التصورات تنشد الصالح العام للبلد والمجتمع.
7- نقد أساليب السلطة والتسلط التي يمارسها البعض وتؤدي الى ظلم الناس وانتهاك حقوق الانسان وقمع حرية التعبير وتكرس الاستبداد والفساد والتبعية.
وفي الجانب الاجتماعي يمكن طرح بعض العناوين:
1- صناعة القدوة من خلال التركيز على الجوانب الإنسانية في حياة الائمة كأفعال قابلة للاقتداء، فعلاوة على ما جاء في النصوص الدينية من الدعوة للاقتداء والتأسي بالنبي (صلى الله عليه واله وسلم) واهل بيته (عليهم السلام)، هناك عامل اخر هو نوعية العلاقة باهل البيت والقائمة على أساس المودة والتأثر بسجاياهم الحميدة، وغالبا ما يتحقق ذلك بالسير على نهجهم والاقتداء بأعمالهم.
2- التشجيع على نشر روح التوافق الاجتماعي بين مكونات المجتمع الواحد، حيث ان اجتماع مجموعة من الناس واتحادهم في عمل ما بدافع العقيدة سيولد وشائج وثيقة بين الافراد ويعزز العلاقات الاجتماعية بينهم.
3- تدعيم وترصين النظم الأخلاقية للمجتمع من خلال الحضور الكثيف للمجالس الحسينية، حيث ان تلك المجالس لها مكانة وحرمة في النفوس.
4- معالجة الازمات الاجتماعية والاسرية مثل ازمة الطلاق والانحراف والتربية والصراعات الاجتماعية، من خلال طرح الأساليب الناجعة لحل تلك الازمات، والتشجيع على تأسيس المؤسسات الارشادية والاستشارية التي تساهم في حل تلك الازمات.
5- تقديم الرؤى والارشادات الأساسية في معالجة ازمة الفساد المالي والسياسي والاجتماعي والأخلاقي، عبر تسليط الضوء على إرشادات اهل البيت عليهم السلام في هذا الجانب، حيث تساهم الرشوة والمال الحرام في تفتيت المجتمع وتدميره.
وفي الجانب الثقافي يمكن طرح بعض العناوين:
1- التركيز على الاعتدال والوسطية ونبذ خطابات التطرف والكراهية التي تعاني من اثارها مجتمعاتنا المسلمة، عبر توسيع افاق الحوار بين الجماعات المختلفة داخل المجتمع الاخر، او المجتمعات المتساكنة او المتجاورة .
2- التأكيد على قيم التسامح بين المختلفين، والابتعاد عن التعصب في الآراء والمواقف، لان من شأن ذلك ان يقود الى التباعد والتنافر، في وقت ان التسامح يقود الى التالف والتقارب.
3- التشجيع على تعميم ثقافة (اقرأ) قراءة الكتاب بين الشباب والأطفال من اجل ان تصبح المعرفة عنصر التغيير الذاتي والاجتماعي، ونقد سلطنة شبكات التواصل الاجتماعي التي تكرس في كثير من الأحيان التغيير السلبي.
4- توضيح أساليب الكلمة الطيبة التي تساهم في نشر الفضيلة والاستقامة في المجتمع، وتوضيح الاثار السلبية في العنف اللفظي والسب والشتم الذي يؤدي الى نقض الغرض في الموعظة الحسنة.
5- الإجابة على الشبهات العقدية المطروحة اليوم من خلال الاستدلال العقلي الهاديء والمعرفي الفطري والابتعاد على أساليب التعنيف في الإجابة عن هذه الإجابات.
6- مناقشة بعض المفاهيم المطروحة اليوم مثل: الليبرالية، العلمانية، الديمقراطية، الحرية الشخصية، مناقشة معرفية عميقة تعكس الابعاد الحقيقية لهذه المفاهيم، وطرح الرؤية الإسلامية التي يطرحها القرآن الكريم، وروايات اهل البيت عليهم السلام.
وفي الجانب الاقتصادي يمكن طرح بعض العناوين:
1- محاربة النزعات الاستهلاكية في مجتمعاتنا من خلال ترشيد الانفاق على الأهم من السلع والحاجات الضرورية، ونقد أساليب التبذير والاسراف.
2- تشجيع الاكتفاء الذاتي عبر دعم المنتج الوطني من خلال تداوله واستهلاكه بعيدا عن المنتج الأجنبي.
3- تشجيع الشباب على تطوير كفائتهم وثقافتهم الاقتصادية حتى يساهموا بشكل فعال في بناء اقتصادات بلدانهم.
4- تشجيع ثقافة الإنتاج والابداع لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع التأكيد على نبذ ثقافة الاتكال والبطالة والفراغ.
5- نقد التضخم الوظيفي والبطالة المقنعة التي تنتشر في مختلف الدوائر الحكومية وغير الحكومية، مع تشجيع الشباب في الاعتماد على ابداعاتهم ومشاريعهم الخاصة.
6- نقد البيروقراطية والتعقيدات الإدارية التي تنتشر في الدوائر الحكومية وتؤدي الى الاضرار بالمواطنين وتعطيل الاقتصاد ونشر الفساد الإداري والمالي.
مقترحات لتطوير أسلوب الخطاب؟
1- من المتعارف عليه ان المؤتمرات السنوية التي تعقد بانتظام كل عام تحدد لها شعارا لتلك السنة تدور حوله جميع فعاليات المؤتمر، لماذا لا يصار الى هذا التقليد بالنسبة للقضايا التي يتناولها الخطاب في عاشوراء؟
2- تشكيل لجنة تضم جميع خطباء المنبر الحسيني، والمهتمين من المثقفين والباحثين تجتمع قبل محرم لتحديد الأولويات التي يتناولها خطاب عاشوراء، وبعد محرم لتقييم ما تم تقديمه من محاضرات.
3- إقامة ندوات والحلقات للبحث والتداول حول أساليب الخطاب في عاشوراء.
4- تشكيل ملتقيات دائمة لمناقشة أساليب الخطاب الفعالة التي تحقق اهداف النهضة الحسينية.
5- عقد دورات تدريبية متخصصة في بناء مهارات الخطباء وتطوير أدائهم الخطابي والبلاغي والمعرفي.
قال الامام الشهيد الحسين بن علي عليه السلام:
(إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم).