كيف نحيي ثورة الحسين (ع) فينا؟
جميل عودة ابراهيم
2022-08-07 07:23
سُئل الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع): (يا أبن رسول الله كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبكاء دون اليوم الذي قُبض فيه رسول الله (ص) واليوم الذي ماتت فيه فاطمة (ع) واليوم الذي قُتل فيه أمير المؤمنين (ع) واليوم الذي قُتل فيه الحسن (ع) بالسم؟
فقال (ع): إن يوم الحسين (ع) أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام، وذلك أن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله تعالى كانوا خمسة، فلما مضى عنهم النبي (ص) بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فكان فيهم للناس عزاءٌ وسلوةٌ، فلما مضت فاطمة (ع) كان في أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) للناس عزاء وسلوة، فلما مضى منهم أمير المؤمنين (ع) كان للناس في الحسن والحسين (عليهما السلام) عزاء وسلوة، فلما مضى الحسن (ع) كان للناس في الحسين (ع) عزاء وسلوة، فلما قُتل الحسين (صلى الله عليه) لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة، فكان ذهابه (ع) كذهاب جميعهم (عليهم السلام) كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم، فلذلك صار يومه أعظم الأيام مصيبة.)
نعيش هذه الأيام ذكرى سنوية جديدة لثورة الإمام الحسين (ع) ضد حاكم البلاد الإسلامية، يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الحاكم الأكثر شهرة في التمرد والفساد والظلم والطغيان. ولعلَّ أول خطاب صدر من الحسين- عليه السلام - في نهضته الإصلاحية وسيره نحو المجد والخلود هو أنَّه حينما دعاه الوليد بن عتبة والي المدينة لتقديم البيعة والولاء ليزيد، قال له- عليه السلام-: (إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة)، وبذلك فإنَّ الحسين- عليه السلام- حدد الموقف الشرعي لكل إنسان- في كل عصر و مكان- تجاه الأنظمة الجائرة، ينصُّ على حرمة مبايعتهم والركون إليهم والسكوت عنهم، وقول الحسين وفعله وتقريره حجة وسنة شريفة، يجب العمل بها ومخالفتها هي مخالفة الله ورسوله، كما هو واضح.
والسؤال هنا كيف يمكن أن نحيي ذكرى ثورة الإمام الحسين(ع) وواقعة استشهاده، وأهل بيته وأصحابه؟ أي ما هي الآليات والطرق التي نستذكر بها هذه الحادثة؟ وكيف يمكن أن تنعكس هذه الثورة، وهذه الواقعة على حياتنا وعلاقاتنا ومجتمعنا بما يعزز في نفوسنا الكرامة والعزة، ورفض الظلم والركون إلى الظالم، والقبول بالعدالة والإنصاف كقيمة إنسانية عليا دعا إليها القرآن والرسول (ص) وأهل بيت النبوة (ع)؟
ورد في الأثر أن إحياء ثورة الإمام الحسين (ع) يمكن أن يتحقق بمجموعة كبيرة من الأعمال والمواقف التي نستذكر فيها تلك الثورة، وما جرى فيها على الإمام (ع) وأهل بيته وأصحابه، وما تعرضت له نسوة أهل البيت من اعتداء وتعذيب وتشريد إثناء عملية السبي من كربلاء إلى الكوفة ثم إلى بلاد الشام، حتى قصر يزيد بن معاوية.
فعلى المستوى الشخصي، يذكر العلماء أن من الأعمال المستحبة في شهر محرم الحرام أن يستقبل الموالي أيام عاشوراء بالبكاء والحزن والجزع، وقد ورد في ذلك روايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، منها ما جاء عن أبي عبد الله (ع) قال الحسين بن علي (ع): (أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى)، وقال جعفر بن محمد (ع): (من دمعت عينه فينا دمعةً لدم سُفك لنا أو حق لنا نقصناه أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا بوّأه الله تعالى بها في الجنة حقباً)، وقال الإمام الرضا (ع):) (إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يُحرّمون فيه القتال، فاستُحلت فيه دماؤنا، وهُتكت فيه حرمتنا، وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأُضرمت النيران في مضاربنا، وانتهُب ما فيها من ثقلنا، ولم تُرعَ لرسول الله حرمة في أمرنا.. إن يوم الحسين (ع) أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، وأورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين (ع) فليبك الباكون فإن البكاء عليه يحُطّ الذنوب العظام).
ومن الأعمال المستحبة في هذا الشهر هو لبس السواد والحداد، فقد روي عن عمر بن علي بن الحسين، قال: (لمّا قتل الحسين بن عليّ (عليه السلام)، لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان علي بن الحسين (عليه السلام) يعمل لهنّ الطعام للمأتم) من باب إحياء أمرهم (عليهم السلام): فقد اعتاد الشيعة على لبس الثياب السوداء في أيام مصائب أهل البيت (عليهم السلام) خاصة سيّد الشهداء (عليه السلام) امتثالا لأمرهم في الروايات، حيث إنهم أمروا بإحياء أمرهم فقالوا: فأحيوا أمرنا رحم الله مَن أحيى أمرنا).
وقال السيد أبو الحسن الأصفهاني (رحمه الله): لا يخفى على إخواننا المؤمنين حفظهم الله تعالى أن إظهار الحزن والبكاء والعويل في هذا الرزء الجليل من أحسن القربات وأفضل الطاعات كما أنّ الجزع والهلع والتظاهر بكل ما ينبئ عن عظم المصيبة وجلالة شأن المصاب من لبس السواد ورفع أعلام السود والمشاعل وسائر مظاهر الحزن كاللطم على الصدور وغير ذلك من إظهار شعائر الأمامية يبتغون بذلك صلة نبيهم وإحياء ذكر أئمتهم (عليهم السلام) ويرجون بذلك شفاعتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون.
وأما على المستوى الاجتماعي فان من الأعمال المستحبة هو إقامة المأتم ومجالس العزاء، وإنشاد الشعر، فعن أبي عبد الله الصادق(ع) قال لفضيل: (تجلسون وتحدثون؟ قال: نعم، جُعلت فداك، قال (ع): إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل من ذَكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب، غفر الله لـه ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر).
ومن المستحبات أيضا هي إطعام الطعام لوجه الله تعالى، والإطعام الحسيني شعيرة من شعائر الدين، وهو المصداق الأبرز للإطعام الذي جاء ذكره في القرآن الكريم والروايات الشريفة؛ ولذا نرى الجميع يسعى للمشاركة في إحيائها، والتنوّع في تقديم الخدمات بما يكفل ديمومة إحياء الشعائر، وتلبية احتياجات ومتطلبات الزوّار ومقيمي العزاء لسيد الشهداء عليه السلام؛ لذلك تنوّعت الأساليب في الإطعام، فقد يكون إطعاماً جماعياً عن طريق الحسينيات والمواكب والهيئات التي يشترك فيها أكثر من واحد، كلٌّ حسب استطاعته ومهارته، أو إطعاماً فردياً بحيث تسعى كل عائلة بما لديها من إمكانات لخدمة الضيوف والزوّار.
ومن المستحبات زيارة المشاهد المشرفة، وهي من الشعائر الحسينية المؤكدة: زيارة قبر الإمام الحسين (ع) في كربلاء، وعن أبي عبد الله (ع) قال: زوروا الحسين (ع) ولا تجفوه فإنه سيد شباب أهل الجنة من الخلق وسيد الشهداء. وقال رسول الله (ص) في حديث لابنته فاطمة (ع) بعد ما أخبرها بشهادة الحسين (ع): أما ترضين أن يكون من أتاه زائراً في ضمان الله، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله واعتمر، ولم يخل من الرحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيداً، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو لـه ما بقي، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا؟
وليس ثمة شك أن هذه الأعمال وغيرها من الأعمال التي نص عليها القرآن الكريم والنصوص الروائية عن الرسول وأهل بيته عليهم السلام، هي من الأعمال التي ينبغي على المؤمن القيام بها أحياء لذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) ولكل مؤمن طريقة يحيي بها هذه الذكرى كما أن لكل جماعة من المؤمنين أن يجتهدوا كل بحسب طاقتهم وقدرتهم المالية، وأن يحيي هذه الأيام الحزينة، ومن اللازم التأكيد على مجموعة من الأعمال الشخصية الأخرى التي تنسجم مع هذه الذكرى، وتحقق أهدافها العامة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي: -
1. مراجعة الذات: إن ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) مناسبة عظيمة لكل مسلم، ولكل محب لأهل البيت عليهم السلام، أن يراجع نفسه، وأن يعيد النظر في أفكاره وسلوكه، فيصحح ما كان لا يرضي الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام، ويداوم على ما يرضيهم، فيكون ممن يقتدي برسول الله وأهل بيته عليهم السلام فـ (قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
2. تعليم الذات وتثقيفها: إن ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) مناسبة جيدة للعودة قليلا إلى مراجعة القرآن الكريم، وأحاديث العترة الطاهرة التي تعرف بمقاصد الدين، وتهدي الناس إلى الطريق القويم. فمشاغل الحياة وهمومها غالبا ما تلقي بظلالها على حياتها ووقتنا فلا نجد من الوقت ما يمكن أن نستعمله لتثقيف أنفسنا في الدين والمذهب.
3. الوقوف مع أصحاب الحق: قليل من الناس -كما هي في كل الأزمنة- يقفون مع الحق، خصوصا إذا كان أصحاب الحق أقل من أصحاب الباطل، وإذا كان أهل الحق أقل قوة ومنعة من أصحاب الباطل، فالناس في العادة تغريهم الكثرة والقوة والسلطة فيميلوا إليها طائعين أو مكرهين، إلا القليل منهم كأصحاب الإمام الحسين (ع) الذين كانوا يدركون تماما أن وقوفهم إلى جانب الحسين (ع) سيكلفهم حياتهم، ومع ذلك أخذوا القرار بمساندة والاستشهاد بين يديه.
4. خدمة الناس: ليس هناك عمل يقوم به الإنسان يرضي الله عنه ورسوله وأهل بيته، مثل أعمال خدمة الناس ومساعدتهم ومعونتهم، معنويا وماديا، لاسيما الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام، فهؤلاء هم عنوان بارز من عناوين رضا الله عنا، وبوابة واسعة من أبواب دخول الجنة.