كيف يؤثر مفهوم التضحية الحسينية على تحسين حياتنا؟

مرتضى معاش

2021-09-21 10:43

ماهو مفهوم التضحية ولماذا يكون الحديث عنه مهما؟ وكيف نقرأ معنى التضحية في القضية الحسينية، ما هو الهدف من تضحية الامام الحسين (عليه السلام)، وكيف نفهم تضحيات الامام الحسين من خلال علي الأكبر؟ كيف نستلهم معاني التضحية من دروس عاشوراء، وكيف يساعد مفهوم التضحية على تحسين حياتنا، وكيف تؤثر التضحية كثقافة على بناء مجتمعاتنا؟

أراد الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يكون ساميا، وأن يسمو في ذاته، ويتطلع نحو السماء، ولا يركن الى الأرض ويغرق في الماديات، ولذلك كان العطاء تعبيرا كبيرا عن هذا الانسان، وعن سموه وتألقه، وعندما يكون العطاء بلا حدود، يسمى هذا العطاء بالتضحية، حين يقدم الإنسان كل ما لديه في قضية ما وبكل روح متسامحة ومتقبلة لهذه التضحية، خصوصا إذا كانت القضية ربانية ويكون الله تعالى هو أقصى الحدود التي يتعامل بها الإنسان.

كان تعامل الأئمة (عليهم السلام) في قضايا التضحية مع الله سبحانه بلا حدود، وابرز مثال على ذلك الآية القرآنية ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ)، والهدف من مبيت الإمام علي (عليه السلام) في فراش النبي (ص) كان ابتغاء مرضاة الله، وهنا نجد أن قمة التضحية والعطاء هدفها مرضاة الله سبحانه وتعالى، ويتجلى ذلك في الآية القرآنية: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)، إنما ابتغاء لمرضاة الله.

هنا نلاحظ التألق العظيم لأهل البيت (عليهم السلام)، والتضحية الكبيرة التي قدموها، فهم مثال التضحية وهم أساس ومعنى التضحية متجلية وعابرة لهم (عليهم السلام)، خصوصا في قضية عاشوراء، ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه وفي قصة علي الأكبر (عليه السلام).

كيف نقرأ معنى التضحية في القضية الحسينية؟

التضحية في القضية الحسينية ليست طارئة وليست رد فعل، فمنذ أول يوم كان خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) واضحا، إذ تحدث قائلا بأنه ذاهب نحو الموت من اجل مرضاة الله سبحانه، ومن أجل إبقاء دين رسول الله حيا متوطنا في ذلك، وعندما عزم الإمام (عليه السلام) على المسير إلى العراق قام خطيبا: (الْحَمْدُ لِلَّهِ وَما شاءَ اللَّهُ‏ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ‏، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ‏ وَسَلَّمَ، خُطَّ الْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَى جِيدِ الْفَتَاةِ، وَمَا أَوْلَهَنِي إِلَى‏ أَسْلَافِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إِلَى يُوسُفَ، وَخُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لَاقِيهِ، كَأَنِّي بِأَوْصَالِي تَقَطَّعُهَا عُسْلَانُ الْفَلَوَاتِ‏، بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَكَرْبَلَاءَ فَيَمْلَأَنَّ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً، وَأَجْرِبَةً سُغْباً لَا مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضَى اللَّهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ، نَصْبِرُ عَلَى بَلَائِهِ وَ يُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ، لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لَحْمَةٌ هِيَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ تَقَرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ، وَيُنَجَّزُ لَهُمْ‏ وَعْدُهُ، مَنْ‏ كَانَ بَاذِلًا فِينَا مُهْجَتَهُ وَمُوَطِّناً عَلَى لِقَاءِ اللَّهِ‏ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ فَإِنِّي رَاحِلٌ مُصْبِحاً، إِنْ شَاءَ للَّهُ‏).‏

فالموت حتمي، (فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين) لكن كيف يجب أن يموت الانسان؟، هل عليه أن يموت بكرامة وحرية وعزة، أم أن يموت على فراشه ولم يحقق شيئا في حياته؟

لقد كان للإمام (عليه السلام) هدف كبير في إنجاز الرسالة الموعود بها متوطن على التضحية، ذاهبا من اجلها نحو الموت، فقد كان (عليه السلام) ولا يزال مشروعا من اجل التضحية.

ما هو الهدف من تضحية الإمام الحسين (عليه السلام)؟

يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارة الأربعين: (وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة). إنها تضحية عظيمة من اجل البشرية، فلو أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يقدم هذه التضحية (وحاشاه أن لا يضحي)، لكنّا اليوم بلا نور نستضيء به ولا قيم نسير وراءها، قيم إنسانية إلهية عظيمة جسدها (عليه السلام) ورسخها بعمق، ولولا تضحية الإمام الحسين لسرنا في طريق الانحراف والضلالة وأصبحنا في حيرة وجهالة ومن ثم في بؤس وشقاء.

لذلك كان هدف الإمام الحسين في بذل روحه والتضحية بنفسه وأولاده، هو لإنقاذ البشرية، وهنا يكمن فرق واضح بين الإنقاذ والاستنقاذ، فالإنقاذ يمكن أن نصفه كالتالي: إذا رأيت أحدا غريقا في الماء فإنك ستضطر أن تنقذه من الغرق، لكن الاستنقاذ يعني بأن يبادر الإنسان لإنقاذ الآخرين طوعا ويهيئ لذلك قبلا، والاستنقاذ يأتي على وزن استفعال والشخص الذي يبقى يسير من اجل هذه القضية سيبقى مستعدا بشكل مستمر ودائم لإنقاذ الآخرين، وليس لأنه ظرف طارئ حدث، فالاستنقاذ عملية مستمرة مستدام واستعداد دائم للإنقاذ.

الهدف في قضية الإمام الحسين (عليه السلام) هو استنقاذ البشر من الجهالة والضلالة، ويقول سماحة المرجع السيد صادق الشيرازي (دام ظله): لو كنا نعرف قيمة سيد الشهداء (عليه السلام) حقاً لاستطعنا أن ننقذ العالَم كله. يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في الزيارة: «ليستنقذ عبادك» أي كل العباد، فإنّ القدرة الموجودة في نهضة سيد الشهداء بإمكانها أن تنقذ جميع العباد والبلاد؛ لما فيها من جاذبية عجيبة، لاسيما ما انفردت بها من البطولات.

يجب أن نستمر بالسير في مسيرة الاستنقاذ التي ضحى فيها الإمام الحسين من اجل إنقاذ البشر من الجهالة وحيرة الضلالة، ويقول سماحة السيد المرجع أيضا: «ان الامام الحسين صلوات الله عليه ضمن بدمه وبشعائره بقاء الاسلام» وقال ايضاً: «لو لم يكن الامام الحسين صلوات الله عليه ودمه الطاهر لما كنا اليوم نصلي ولما كان هنالك من يقول (لا اله الا الله)».

لذا فكل المسلمين مدينون للإمام الحسين، وليس الشيعة والمسلمين فقط بل حتى البشرية سوف تعرف قيمة الإمام والتضحيات التي قدمها، لأنه استنقذ الإنسانية.

في زمننا هذا أحيانا، هناك بعض البشر ليس لديهم قابلية أن يفهموا قضية الإمام الحسين لكنه (عليه السلام) وضع خريطة كبيرة للإنسانية، من اجل ان ينقذها ويستنقذها من هذا المستنقع المنحرف الذي تعيش به، ونقصد به مستنقع البؤس والذل، فقد وضع (عليه السلام) عبر تضحيته حجر الأساس لرؤية كاملة للأمر، لكننا نحتاج إلى ذوي قابليات حتى يسيروا على نهجه ويستنقذوا البشر.

فنحن تقع علينا مسؤوليات كبيرة لإنقاذ العالم من الوضع الذي يعيش فيه، لأن المشكلة فكرية وعقائدية وتفكيرية، حيث يسود أسلوب التفكير الضعيف، والانحراف يهيمن على المجتمعات، والأفكار المنحرفة تؤدي به إلى الغرق المميت في الماديات، وقد أدى ذلك بالمجمل إلى زوال مفهوم التضحية وترسخ الفردية الانعزالية.

التضحية من خلال علي الأكبر؟

تتجسد التضحية الكبيرة للإنسان عندما يرى أولاده يُذبحون عطشا ويُقتلون واحد تلو الآخر، إنك اليوم إذا رأيت أحدا فقد ابنه فسوف تحزن كثيرا عليه، فكيف إذا يُقتل الابن ويقطّع ويموت عطشانا أمام والده، وكذلك بقية أخوته، إن هذه تعدّ تضحية عظيمة.

وصفه أبوه الإمام الحسين بقوله: (أشبه الناس برسول الله (ص) خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً وكنا إذا اشتقنا الى رسول الله نظرنا الى وجهه)، لاحظ هذا النموذج كيف يضحي بابنه، وكم يكون الهدف عظيما عند الإمام، وكيف تكون هذه التضحية غالية وكبيرة، إن الله سبحانه وتعالى قد ضرب مثلا في النبي إبراهيم (وفديناه بذبح عظيم)، لكن الإمام الحسين (عليه السلام) أعطى ابنه فداء، هذه التضحية الكبيرة تعبر عن قضية الإمام وتضحيته من اجلنا.

إذاً لابد أن نعرف قيمة هذه التضحية ونكون متعاهدين مع الإمام من اجل تلبية ندائه ونصرته، في قضية علي الأكبر ومقامه الكبير كما قلنا عن قضية أبي الفضل (عليه السلام) لم يكن في فكره لحظة من التردد، لأنه كان على بصيرة، كذلك علي الأكبر (عليه السلام) لم تكن عنده لحظة تردد في قضية نصرة الإمام الحسين (عليه السلام)، وهذه النصرة ليس نصرة الابن لأبيه فقط بل هي نصرة إمام معصوم.

في قضية معروفة تاريخيا في المسير الى كربلاء، عندما قال الإمام الحسين (عليه السلام): (إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين)... وهنا تقدم علي الأكبر من أبيه وكان على فرس وقال: يا أبتِ جعلت فداك مِمَ استرجعت وحمدت الله؟) فقال له الإمام الحسين (عليه السلام): (يا بني خفقت برأسي خفقة فعن لي فارس على فرس فقال: (القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم فعلمت انها أنفسنا نعيت إلينا)، فقال له علي الأكبر: (يا أبتِ لا أراك الله سوءاً ألسنا على الحق؟)، فقال الإمام الحسين (عليه السلام): (بلى والذي إليه مرجع العباد) فقال له الأكبر (عليه السلام): (يا أبتِ إذن لا نبالي أن نموت محقين) فقال له الإمام الحسين (عليه السلام): (جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده). وفي رواية أخرى: (لا نبالي إذا كنا على الحق أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا).

فالإمام كان يدري لكنه أراد ان يبيّن مقام علي الأكبر، ويبين هذه القوة العظيمة عند علي الأكبر والتي تعبر عن قيمة هذا الشاب الشجاع البطل المقدام.

كيف نستلهم معاني التضحية من دروس عاشوراء؟

إن عاشوراء هي دروس تربوية لنا، تعلمنا منهج الحياة الصحيح، وأول شيء نتعلمه من دروس التضحية، معنى الربح والخسارة، والبعض يتصور انه إذا أعطى بلا حدود، وضحى بلا حدود يصبح خاسرا، كما يوجد بعض الناس الذين عقليتهم ضيقة فلا يعطي بقدر ما يأخذ، او يأخذ أكثر مما يعطي باعتبار أن هذا العطاء الذي يعطيه او التضحية هي خسارة بالنسبة له بحسب حساباته المادية، لكن على العكس فالتضحية هي ربح للإنسان في كل الأحوال.

هذا الدرس نتعلمه من عاشوراء، فكلما أعطى الإنسان، فإنه ارتقى سلم السمو درجة درجة ويصعد أكثر ويربح أكثر، وهو الرابح وليس الخاسر، على العكس من ذلك أولئك الذين لا يضحون، فهم خاسرون دائما، تراهم محدّدين ضيقين ليس لديهم فسحة من الحركة الإيجابية الواعية، وحساباتهم ضيقة على النقيض من حسابات التضحية الكبيرة والعظيمة، هذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية إن التضحية انتصار وليست هزيمة، على العكس من ذلك عدم التضحية هي الهزيمة، لذلك تضحية الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء من اجل المبادئ انتصار كبير للإمام الحسين، بالطبع لا يمكن أن تُحسَب حساب المعارك العادية لأنها حسابات دنيوية، لكن في معركة الطف انتصرت المبادئ والقيم الحسينية ورسالة رسول الله (ص)، لذلك هذا انتصار وليس هزيمة كما قالت السيدة زينب ليزيد (والله لا تمحو ذكرنا).

هناك بعض الناس يتخلون عن مبادئهم بسبب شعورهم بالهزيمة، ويوجد بعض الذين يحاربون الشعائر الحسينية، ويقولون ما هذه الشعائر ولماذا الآن؟، الجواب لابد أن نفتخر بهذه الشعائر، فهي انتصار وقوة لنا وتربية على معاني التضحية والعطاء.

إن رضا الله هو المعيار في كل الأوقات وليس رضا السلطان والتكالب على الدنيا، فقد يفكر صاحب محل ببيع بضاعة مغشوشة، لكنه يتوقف عن ذلك عندما يضع الخوف من الله سبحانه في اعتباراته، فكل شيء نعمله في حياتنا لابد ان يكون في اطار رضا الله، ورضا الله هو توفيق للإنسان، لذلك فإن الذي علينا معرفته هو أن التضحية التي قدمها الإمام الحسين ولم يتنازل عنها، هي من اجل رضا الله سبحانه، فإذا سار الإنسان في هذا المنهج سيكون موفقا في حياته.

(رضا الله رضانا أهل البيت) فهذه النقطة مهمة ويجب أن يلتزم بها الإنسان في حياته، فأي عمل يختاره في حياته عليه أن يتأكد بنفسه، هل هذا يرضي الله أم لا.

التضحية طاقة حياة

النقطة الأخرى في موضوع الاستلهام، أن التضحية حياة والانسحاب موت، فهؤلاء الذين بقوا مع الإمام الحسين هم أحياء وذكرهم خالد، وهذا يعني أننا في مواقفنا يجب أن تكون لدينا حسابات غير دنيوية ضيقة، بل حسابات معنوية عالية.

إن التضحية حياة وليس موت ولا خسارة ولا هزيمة، بل هي حياة تُعطى للإنسان، لذلك نلاحظ أن الذين عندهم عطاء كبير وتضحيات كبيرة في حياتهم، ترى النور في وجوههم ويتألقون معنويا، فكلما يكون الإنسان معطاءً ومضحيا تكون فيه الطاقة الإيجابية كبيرة، اما الذين ليس لديهم عطاء لاترى النور في وجوههم، معنى هذا أن هناك نوعا من الموت يصيب هذا الشخص وتسيطر عليهم الافرازات السلبية والرؤية الظلامية، لأن الإنسان إنما يحيا بالمبادئ، لذلك يجب أن نطبق ما يريده الله سبحانه ورسوله وأهل البيت حتى نغذي انفسنا بالطاقات الإيجابية المستنيرة.

هذه نقطة مهمة جدا من دروس عاشوراء التي جاءت من اجل أن نعيش نحن ونسير في مسيرة صحيحة، لابد أن نطبق ما قالوا ونقرأ أحاديثهم (عليه السلام)، ويجب علينا في الجلسات العائلية وحواراتنا العائلية وحوارات الأصدقاء وتلك التي تعقد في المواكب الحسينية، أن نقرأ أحاديث أهل البيت ونتدبر فيها ونستلهم منها الافكار والثقافات والقيم والسلوكيات التي تفيدنا في حياتنا وأن نسير على سيرتهم بالعلم والعمل والتعليم والاستقامة.

كيف يساعد مفهوم التضحية على تحسين حياتنا؟

أسوأ شيء في الإنسان هو الأنانية، فهي تجعله مريضا نفسيا وأخلاقيا، لأنه يفكر في نفسه فقط وهذا خطأ كبير، كثير من الأسَر تربي أولادها على الأنانية، وعلى أن يأكل ويشرب ويستمتع ويستأثِر بكل شيء، ويهتم بنفسه فقط، الأنانية مرض يحول الإنسان إلى نرجسي، والنرجسية تتحول إلى نوع من أنواع القلق في حياة الإنسان، فلا يعيش حياة صحية سليمة.

لذلك نتعلم مفهوم التضحية من اجل تربية أنفسنا على الإيثار والعطاء والإنفاق، وبالنتيجة نقوم ببناء سلوكيات صالحة في أنفسنا، بعيدا عن الأنانية، فهذا نوع من التنمية الذاتية، لذا نحن نحتاج التضحية لأنها تنمّي في أرواحنا الجانب المعنوي، بعيدا عن الغرائز المادية الموجودة في داخلنا.

وأهم نقطة في التضحية هي تربية أنفسنا على أن نعتقد بأن التضحية قوة وليست ضعفا، في حين يرى البعض انه اذا ضحى الانسان أصبح ضعيف الشخصية، ولا يحترمه الناس، هذا خطأ كبير يفقد الإنسان ثقته بنفسه، فإذا ضحى يقولون له: ما دخلك بالناس حتى تضحي من أجلهم؟، عليك بنفسك فقط، وهذا خطأ كبير.

بعض الناس ينظرون إلى التضحية على أنها ضعف، لكن العكس هو الصحيح، فالتضحية قوة للإنسان ولشخصيته، ويجب أن ينظر الناس إليه كنموذج صالح في المجتمع، يتعلمون منه معاني التضحية، كذلك التضحية تحسّن طبيعة التعامل مع الآخرين.

في كثير من الاحيان تحدث نزاعات وصراعات داخل المجتمع، سببها الانانية والتفكير في النفس فقط، وسوء الظن بالآخرين، لكن الانسان اذا كان عنده عطاء وتضحية، فإنها تربي فيه نوعا من المشاركة والتفاعل الوجداني مع الآخرين، وهذه من المزايا المهمة في تنمية الشخصية عند الانسان، فيصبح صاحب شخصية اجتماعية ونفسية قوية.

كيف تؤثر التضحية كثقافة على بناء مجتمعاتنا؟

إن بناء المجتمع قائم على وجود التفاعل والإحساس والهدف المشترك، وكذلك وجود الرؤية المشتركة، فإذا كان المجتمع منفصلا منعزلا عن بعضه، تستفحل فيه الانانية والفردية ويكون مفككا، ومليئا بالمشكلات والأزمات والنزاعات، لكن التضحية عملية بناء اجتماعي تؤدي الى تقارب المجتمع فيما بينه، فهذا يضحي وذاك يتعاون، هنا سوف نرى التقارب الروحي والمعنوي الكبير في المجتمع وتصبح لدينا وحدة اجتماعية.

لذلك نقول إن الإمام الحسين يوحدنا، فنصبح مجتمعا متكاملا له أهداف مشتركة، لهذا السبب يجب أن نتعلم مفهوم التضحية ونطبق هذا المفهوم بالعطاء المادي، والإنفاق في سبيل الله، بالعطاء الفكري والثقافي، وبالعطاء من ناحية المجهود، هذا كله يؤدي الى تقريب المجتمع من بعضه البعض واذا تقارب المجتمع نتجه الى حل المشكلات الاجتماعية وبناء السلم الاجتماعي.

فالتضحية هدف يسمو بالإنسان والمجتمع، ذلك ان هدف الرسالة المحمدية هي ان نصنع مجتمعا سعيدا صالحا، يتربى في ظل تضحيات أهل البيت (عليهم السلام)، فيصبح المجتمع متقاربا متماسكا سعيدا، فإذا نحن لم نستفد من هذه التضحيات ولم نتعلم مفهوم التضحية ولم نطبقه في حياتنا، فنحن الخاسرون في هذه الحالة. لذلك اليوم يدعونا الإمام الحسين لتطبيق هذه التضحيات بالوفاء لتضحياته، خصوصا بتضحيته بعلي الأكبر فلا بد أن نسير في طريق التضحية وان نضحي بالغالي والنفيس في سبيل إحياء النهضة الحسينية وإحياء المثل الحسينية وإحياء السعادة والاصلاح في مجتمعاتنا.

فإذا لم نطبق ونتبع المثل العليا ستذهب هذه التضحيات هدرا، ولأن الحسين مصباح هداية وسفينة النجاة، فلابد ان نتعلق بهذه السفينة من خلال ممارسة التضحية يوميا، في سبيل المثل والقيم العليا التي أرادتها وأنتجتها النهضة الحسينية المباركة.

* نص حوار من مجموعة حوارات بثت على قناة المرجعية في أيام عاشوراء 1443

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي