في ذكرى إستشهاد الإمام الحسين (ع)
د. جليل وادي
2020-08-31 07:16
لا ألوم اولئك الذين تعوزهم الثقافة والعلم عندما يوجهون انتقادا هنا او هناك لطقوس يؤديها الناس في اطار عقائدهم، بل ألوم ممن يصنفون أنفسهم على المتنورين ويمارسون الفعل ذاته، بل ويزيدون عليه بالنبش في روايات التاريخ لينتخبوا حوادث بعينها، صحيحة كانت ام مشكوك فيها، فيزرعون الكراهية، ويؤججون الفتن، ويثيرون موضوعات خلافية لا جدوى منها، متجاهلين او غير عارفين ان العقائد راسخة في وجدان الانسان، وليس من اليسير تغييرها او تعديلها، وانهم ليسوا أول من أثارها، بل كانت على مدار التاريخ موضوعا للحديث، فلا الطقوس تغيرت، ولا الحديث عنها انتهى، وللأسف لم نتعلم من التجربة برغم الأثمان الباهظة التي دفعها المجتمع في بعض المقاطع الزمنية من مسيرته.
هذه من بين حقائق كثيرة، فلا ينبغي تعميم وجهات نظرنا، فللآخر وجهة نظره أيضا، وان التحضر الذي يدعيه البعض ليس في انتقاد طقوس المؤمنين، بل في ادراك ان للناس حق في التعبير عن مشاعرهم ازاء ما يؤمنون به بأي من الأشكال التي لا تتجاوز على حريات وحقوق الآخرين، فلا تنصّب نفسك وصيا عليهم، فما المآسي التي نحن فيها الا حصيلة من يؤمنون بالوصاية.
أتصفح بعض مواقع التواصل الاجتماعي، فأتجاهل الكثير من المنشورات، واتجنب وصف ناشريها بالتطرف، او محاولة النيل من عقائد وطقوس الآخرين، فهي في غالبيتها وليدة الجهل او الوهم لا سيما لدى العامة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، او الرغبة في تهذيبها كما يقول البعض، ونفترض في ذلك حسن النية.
لكني أقف مندهشا ازاء منشورات لأسماء بعينها، ومنهم من أوكل اليه المجتمع تنوير النشيء الجديد، فاذا هو ذاته بحاجة الى تنوير، فالجهل مخيم على عقله، ويرى من الامور سطوحها، ويستعصي عليه الغوص في أعماقها، ولابد من تأهيل هذا البعض اذا ما اردنا للمجتمع تماسكا، وللفتن طمرا، وللناس أن تنعم بحرياتها في اعتناق عقائدها.
ومن هؤلاء من يتهربون من النشر على صفحاتهم الشخصية، فينشرون موضوعاتهم القاتلة على مواقع المجموعات (الكروبات)، وعندما تعترض على ما ينشرون يدفعون التهمة عن أنفسهم بالقول انها لآخرين، وهذه توقيعاتهم في أسفل المقال او في أعلاه، وانهم ناقلون لهذه المنشورات، وأبعد ما يكونون عن توجهاتها ومضامينها، كلام فارغ وغير مقنع، بل هو نوع من التحايل، فلست متجنيا اذا قلت ان الناقلين مؤمنون بما فيها من سموم، لأن النفوس الخيرة والعقول النيرة، ومن يحرص على هذه البلاد ويدفع عن أهلها الويلات لا يجد داعيا لنشر موضوعات كتبتها أقلام فارغة او مريضة او مأجورة، وهي قطعا لا تريد خيرا لوطننا المبتلى وشعبه المظلوم.
ونلحظ ان هذه الاقلام تسلك للتأثير في الجمهور مسالك شتى من بينها انتخاب المعتم من حوادث الماضي للتدليل على أحكامهم، مع ان ماضي الأمة مكتظ بما هو مشرق، وليس من تفسير لهذا المسلك سوى تمزيق المجتمع وتخريب الوطن، ما يوجب مواجهته وتفنيد حججه بأخرى مقابلة، مع اننا لا نستعر من ماضينا بما فيه من معتم، بل نفخر بكبر مساحة المشرق فيه، هكذا هو ماضي الأمم جميعا، لا ماض مثالي على الاطلاق، لكن يحدونا ايمان عميق ان استحضار المشرق يسهم في بناء الحاضر والتحفيز نحو المستقبل.
وحدة الوطن وتماسك المجتمع هما الثابت، وكل الأشياء يفترض النظر اليها من هذا المعيار، فقدر العراقيين أن يعيشوا سوية على هذه الأرض، وقدرهم أن يكونوا ملونين أديانا ومذاهب وقوميات، وفي هذه الألوان سر جمالهم، هكذا يجب أن نفهم التنوع، ففيه تكاملنا، كما تتكامل الأديان بتعدد مذاهبها، فما هي الا قراءات مبدعة من زوايا مختلفة للدين. أليس من الجهل والغباء أن نحول الجمال والتكامل الى اختلاف وكراهية.