على اعتاب نهضة الامام الحسين (ع) الخالدة
باسم حسين الزيدي
2019-08-29 04:55
يكاد يجمع الكل على ان نهضة الامام الحسين (عليه السلام) لها طابع خاص يميزها عن باقي الحركات التحررية والنهضوية في العالم، حيث قامت على بناء فلسفة أخلاقية ومعرفية جمعت القيم الإنسانية والإسلامية القائمة على مفردة (الإصلاح) بطريقة مثالية شكلت أحد أسباب ديمومتها واستمرارها عبر الأجيال، وهي حقيقة يشير اليها المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي بالقول "إن الإمام الحسين (عليه السلام) قد لخص لنا ولكل الأجيال السابقة واللاحقة فلسفة نهضته المباركة من خلال قوله الشريف: إني لم اخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه واله وسلم) أريد أن أمر بالمعروف، وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي"، ولذا كان حرياً بنا ونحن على اعتاب هذه الثورة الأخلاقية والمعرفية الهائلة ان نستلهم من معينها الذي لا ينضب المزيد من العبر والدروس التي تحاول اصلاح الفرد والمجتمع على حد سواء.
الانفجار العظيم
لأنها جمعت قيم الإنسانية وقيم الرسالات السماوية، حق لنا ان نقول ان نهضة الامام الحسين (عليه السلام) هي نهضة عالمية لم تقتصر على فئة دون فئة او جهة على حساب الأخرى، بل هي منظومة متكاملة لإصلاح الفرد وفق فطرته السليمة، وإصلاح المجتمع وفق فطرته الإنسانية الجامعة من دون تمييز او تفريق، وقد قال السيد محمد الشيرازي عن عالميتها بان (الثورة الحسينية لم تكن في يوم من الأيام إرثاً للمسلمين فحسب، وإنما الثورة الحسينية إرث للبشرية جمعاء، ولذلك إذا أرادت الإنسانية الجريحة أن تشفى من جراحها وأن تعافى من آلامها، عليها أن تعيش كربلائها المستمدة من كربلاء الحسين (عليه السلام)".
ولعل عشرات بل مئات المفكرين والكتاب والادباء من الأديان والثقافات الأخرى ممن كتب وبحث ودرس في ابعاد الثورة الحسينية دليل اخر على عالميتها التي لامست قلوب الطامحين الى التغيير والإصلاح وتحرير الانسان من قيود العبودية والصنمية، ومنهم على سبيل المثال (جورج جرداق، جبران خليل جبران، بولس سلامة، جون أشر، فيليب حتّي، أنطوان بارا).
فقد مثل الامام الحسين (عليه السلام) قدوة للتخلص من الاستعمار وذل الخضوع كما قال (موريس دو كابري): عنه "يقال في مجالس العزاء أن الحسين ضحَّى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلُّط ونزوات يزيد، إذاً تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الاستعمار، وأن نفضِّل الموت الكريم على الحياة الذليلة".
او كما قال (جون أشر): انه يمثل العدل الاجتماعي "إن مأساة الحسين بن علي، تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي"
او مناهضة الظلم والنضال في سبيل ذلك بحسب (المستشرق فيليب حتّي): "إن اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي، وهو العاشر من محرم أصبح يوم حداد ونواح عند المسلمين، وفي مثل هذا اليوم من كل عام تمثل مأساة النضال الباسل والحدث المفجع الذي وقع للإمام الشهيد، وغدت كربلاء من الاماكن المقدسة في العالم وأصبح يوم كربلاء وثأر الحسين صيحة الاستنفار في مناهضة الظلم".
اما (أنطوان بارا) فقد قال "لو كان الحسين منَّا لنشرنا له في كل أرضٍ رايةً، ولأقمنا له في كل أرضٍ منبراً ولدعونا الناس الى المسيحية بإسم الحسين".
وقد قال السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) عن عالمية النهضة الحسينية "أن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت نبراساً لسائر النهضات التحريرية في العالم ضد الظالمين، وكانت هي الانفجار العظيم الذي هز عرش كل الطغاة المستبدين، كما ومهدت الطريق أمام الثورات الأخرى".
كما دعا (رحمه الله) في كتابه -رؤى عن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) -الى "أن يكون المحرم منطلقاً مناسباً لإبلاغ أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) إلى البشرية المتعطشة، حيث أن الإسلام دين عالمي لإنقاذ جميع الناس من الظلمات إلى النور، وليس دين ألف مليون مسلم فقط".
نهضة بلا حدود
يقول السيد محمد الشيرازي "إن ثورة الحسين (عليه السلام) لم تكن ثورة وقتية لتموت بعد زمان، وإنما كانت ثورة الحق ضد الباطل، وثورة العدالة ضد الظلم، وثورة الإنسانية ضد الوحشية، وثورة الهداية ضد الضلال، ولذا كان من الضروري، امتداد هذه الثورة مادامت الدنيا باقية، ومادام يتقابل جيشا الحق والباطل والهداية والضلالة".
فعندما تجتمع معاني الحق والعدالة والإنسانية والهداية ضد الباطل والظلم والوحشية والضلال في النهضة الحسينية، فبالتأكيد هي نهضة لا تتقيد بالحدود الجغرافية او السياسية او الثقافية التي رسمتها سياسات معينة حاولت تقسيم الإنسانية لغايات سلطوية واستبدادية، بل جاءت لتحطم هذا القيود والحدود وتوحد الإنسانية وتجمعهم حول قواسمهم المشتركة في الحرية والتحرر والكرامة والتسامح ورفض الظلم والدكتاتورية وسعادة الانسان.
وفي هذا المعنى يؤكد السيد محمد الشيرازي، "أن نهضة الإمام كانت درساً لمن يريد الحياة الإسلامية للمسلمين، بل لمن يريد حياة البشر، كيف ينهض؟ وكيف يضحي؟ ولذا ينقل عن غاندي (الزعيم الهندي المشهور)، أنه قال: تعلمت من الحسين (عليه السلام) كيف أكون مظلوماً فأنتصر، والإسلام والمسلمون إلى يوم القيامة هما رهينا خدمات الحسين (عليه السلام) بقاءً كما كانا رهيني إنشاء الرسول ومعاضدة الإمام المرتضى (عليهما السلام) ابتداءً".
كما انها جاءت من اجل "تصحيح سلوك الناس وتقويمه، بعد أن تلون سلوك الناس وأخلاقهم في ظل النظام الأموي بطابع العنف والاستبداد والوحشية والاستهتار بما لا يتناسب مع الخلق الإسلامي والإنساني، فأعاد الإمام (ع) بنهضته الشريفة مكارم الأخلاق التي بناها جده الكريم (ص) وقدمها إلى البشرية ودعا الناس للتخلق بها في كل مراحل الحياة".
وكان هدف الامام الحسين (عليه السلام) كما يرى السيد محمد الشيرازي هو "أن ينتشل الأمة من الحضيض الذي أركست فيه إلى العز، وذلك عندما رضيت الأمة الإسلامية بواقعها المتردي، المتمثل بالخمول، والركون إلى الدنيا، والسكوت على الظلم، وتسلط الظالمين من أمثال يزيد وأبيه وأضرابهم، فأراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يبث روح الإيمان والحق فيها لتنهض من جديد، كما كانت في عهد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)".
سعادة البشر
البحث عن سعادة الانسان هو هدف كبير ضحى من اجله الامام الحسين (عليه السلام) والذي يتلخص في تطبيق القانون الإلهي القائم على الرحمة والعدل والتسامح، وكان لا بد من تجسيد هذه المعاني في كل تفاصيل النهضة الحسينية، ولان "الإسلام الدين أنزله الله تعالى في كتابه، ونطق به قرآنه، وبلغ له رسوله (صلى الله عليه واله وسلم)، وضحى من أجله أهل البيت (عليهم السلام)، وخاصة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء يوم عاشوراء، هو الدين الكامل والقانون الشامل الذي باستطاعته في كل عصر وزمان أن يسعد الإنسان والمجتمع البشري ويضمن له التقدم والرقي والتطلع والازدهار"، فقد ضحى الامام الحسين (عليه السلام) بنفسه واهل بيته واصحابه من اجل اشعار الإنسانية بضرورة الكفاح من اجل تحقيق الأهداف العليا التي يصبو اليها الجميع وفي مقدمتها القانون الشامل الذي يستطيع توفير احتياجات الانسان والمجتمع البشري.
"لقد زلزل الإمام الحسين (عليه السلام) باستشهاده عرش يزيد الأثيم فما أن قتل الإمام، حتى اضطربت أطراف البلاد وأخذت الثورات تتوالى من هنا وهناك لإنهاء حكم أمية وأخذ يزيد يرتطم في أوحالٍ عفنة ولم تمتد حياته الجانية أكثر من ثلاث سنوات، حتى هلك، ثم لم تمتد دولة بني أمية، إلا بمقدار عمر إنسان واحد أو أقل حيث زالت عن الوجود، بانتفاضة عامة المسلمين ضدها بعد سلسلة من الانتفاضات والثورات هنا وهناك، والأعظم من ذلك كله أن الإمام ألفت الأنظار باستشهاده إلى نقاط انحراف الدولة عن الإسلام وأسس للأجيال الآتية خير مرقب يراقبون به الانحرافات، لا الانحرافات التي تقع داخل إطار الإسلام فقط، بل وحتى الانحرافات التي تقع في الإطار الإنساني العام!".
كيف نستقبل أيام النهضة الحسينية (توصيات)
إذا كانت كل هذه المعاني وغيرها قد سعت النهضة الحسينية الى ترسيخها وزرعها في نفوس الناس من اجل تمييز الحق من الباطل ورفض الظلم والخنوع والبحث عن السعادة، فان أيام النهضة الخالدة على مر التاريخ تتطلب من الجميع الاستفادة القصوى منها من خلال:
1. كتابة المقالات وتأليف الكتب وتقديم الدراسات والبحوث من قبل باحثين ومفكرين ومثقفين او مراكز بحثية، حول ابعاد الثورة الحسينية من اجل سبر المزيد من اغوارها الكامنة فيها، خصوصاً تلك الزوايا والجوانب التي لم يتم التطرق اليها او اغنائها في الكتابة والبحث.
2. تنظيم المؤتمرات والورش العلمية والحلقات النقاشية الموسعة التي تتناول النهضة الحسينية واسقاطاتها التي خدمت البشرية على مر العصور، وتكون الدعوة عامة فيها للجميع من اجل الاستفادة من افكارها وطروحاتها.
3. الاستفادة من الوسائل الإعلامية الحديثة في نشر اهداف النهضة الحسينية وعالميتها التي لامست كل الإنسانية من اجل تعريف كل المجتمعات البشرية بمن هو الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته الخالدة.
4. اهم ما ميز النهضة الحسينية انها كانت لجميع الإنسانية وليس حكراً لفرد او جهة بذاتها، لذلك من المهم ان يكون هناك تركيز على التواصل مع الأديان والثقافات والعادات والمجتمعات الأخرى لنشر القضية الحسينية وابعادها الإنسانية التي يتعاطف معها الانسان ويتأثر بها الجميع بلا استثناء.
5. ينبغي ان تكون هذه الأيام الحسينية مقياس لمدى تأثرنا بالإمام الحسين وقضيته العادلة التي ضحى بكل ما يملك من اجلها ومن اجلنا، ولا يكفي في هذا المقام مجرد رفع الشعارات والكلام الخالي من الايمان بالقضية والعمل على تطبيقها، فبالإيمان والعمل تبنى الأمم والحضارات وليس بالشعارات والكسل.