ساقي النهر
أديب أبو المكارم
2017-09-25 04:30
كفاكَ رُغمَ القطعِ والبترِ
ما زالَ دفقُ عَطاهُما يجري
ممتدتانِ منارتينِ إلى
أفقِ السماءِ ضِياهما يسري
لِتُلوحَانِ لِمنْ أتى ظَمئًا
فعطاهما كالنهرِ والبحرِ
ما ضَجَّ مَلهوفٌ ومُضطرٌ
إلا تخطى لوعَةَ الضٌّر
ويظنُ ذاك السَّهمُ من حَمَقٍ
أطفا ضياء العينِ والفكْر
ما كانَ يدري أنَّ ذاك جَلَا
منْ نورِ عينكِ سُورةَ القدر
فإذا ملائكةُ الضِّيا زُمَرًا
سَالَتْ لِتبقيْ الحقَ للحَشر
يا منْ على شطِ الفراتِ هوى
فتَلقَّفتهُ سواعدُ النهر
لكنَّهُ ما ابتلَ مِنْ ظمئٍ
وفؤادهُ ذو العطفِ كالجمر
كيما يروي الخَلقَ مِنْ خُلقٍ
تَروى بِهِ أبدًا مَدى الدَّهر
***
عباسُ يا نهرًا سقى نهرًا
بَردَ الوفا، وعُذوبةَ الصَّبر
فامتدَّ يسقي الناسَ أمزجةً
مما حَوَاهُ مُحكَمُ الذِّكر
العينُ إذْ سالَ الفراتُ بِها
كالسلسبيلِ الباردِ الطُهر
هلّا سقتْ ثغرَ الحُسينِ وقدْ
ظَمِئًا قضى ما ابتلَّ بالقَطْر؟
والكفُّ كهفُ الأَمْنِ للنُّبَلا
هلّا أوى منْ تاهَ بالقفْر؟
والقلبُ خيمةُ آلِ فاطمةٍ
هلْ ضمَّ منْ باتوا بلا خدر؟
***
عباسُ يا سرَّ الوصيِ عليـ
ـيِ المرتضى في الضربِ والكَرِّ
ذاكَ الذي دكَّ القلاعَ ومنْ
أردى الكماةَ وزمرةَ الكُفر
ولَأَنتَ ذَاكَ المُمتلي شَبهًا
مِنهُ، بِكفِكَ رَايةُ النَّصر
باللهِ كيفَ قَضيتَ مُحتضنًا
نهرًا وباتَ الصَّدرُ بالصَّدر؟!
لكنْ بلا ريٍ، أمِنْ شَبَعٍ؟
أمْ شِيبَ كأسُكَ مِن دَمِ الثغر؟
أمْ أنَّ كفَكَ لا تَطاولَهُ
عجبًا وهلْ تشكو منْ القِصْر؟
***
يا شِبلَ حيدرةٍ وقدْ لَعِبتْ
كفاكَ بالخَطيِ والسُّمْر
هلْ مُدرِكٌ ماذا يَحِلُّ هنا؟
أمْ أنتَ يا مولايَ لا تَدري؟!
هذا أخوكَ السِّبطُ مُنعفِرٌ
فوقَ التُرابِ قَضى بلا نَحر
وبأنَّ أعداكم بِذا انتَقموا
مِنْ وقعةِ الأحزابِ معْ بَدر
وبأنَّ أختَكَ بِنتَ حيدرةٍ
وقعتْ أيا للهِ في الأسر
وقَضَتْ وآلُ أخيكَ وا أسفا
بينَ الأعادي دونما سِتر
وبُعيدَ ذاكَ العزِّ قدْ شَربوا
غُصصًا مِنَ الإذلالِ والقَهر
تحنو عليكَ كما الهلالِ أسًى
أمُ البنينِ تَصيحُ يا ذُخري
أدركْ حبيبي آلَ حيدرةٍ
ماذا يكونُ لفاطمٍ عُذري؟!
***
عباسُ يا وَجهَ الحياةِ ويا
وهَجَاً تلألأ طيلةَ العُمْر
ما زلتَ نِبراسًا ومَدرسةً
في الفَضلِ والإيمانِ والبِّر
ما زلتَ للإيثارِ مَلحمَةً
رمزًا بِنصِ النَثرِ والشِّعر
ما زلتَ تَحملُ رايةً عَبقتْ
فيها أريجُ المجدِ والفخر
ما زلتَ في مُهجِ الدعاءِ وفي
لحنِ العزاءِ وصيغةِ النَّذْر
عباسُ مِثلُكَ لا يموتُ وقدْ
حفظَ العليُّ الطيبَ الذكر
ذات صلة
فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي