فوبيا الاخر

حيدر الجراح

2014-12-25 12:53

الاخر لا يعدو كونه صورة مغايرة للانا، ودلالة على وجود متفرد ينتمي الى ما أكون / يكون عليه.. والاخر غالبا ما يعني كل ما هو غير النفس المستقلة، بمعنى كل ما هو غير نفسي أنا، يُعد من (الآخرين)، وكل فرد فيهم يطلق عليه مصطلح (الآخر). و(الآخر) هنا تعني أيضا أنه كل ما هو مختلف عن الأصل.

الآخر عنصر أساسي في فهم وتشكيل الهوية، حيث يقوم الناس بتشكيل أدوارهم وقيمهم ومنهج حياتهم قياسا ومقارنة بالآخرين كجزء من منهجية التفاعل البيني التي لا تحمل بالضرورة معان سلبية.

ينتمي مفهوم الغير إلى مجال الوضع البشري والعلاقات البشرية بمختلف أبعادها الوجودية والفكرية والوجدانية مما يبرز طبيعته الإشكالية. حيث تنشأ هاته الإشكالية انطلاقا من كونه ذاتا (تشبهني وتختلف عني، ومن كونه ضروريا لوجودي بصفتي وعيا) يختلف عني ولكنه يلتقي معي في هذا الاختلاف بالذات ما دمت أن بدوري أختلف عنه فأنا أشبهه في اختلافي.

وبهذا المعنى فنحن نتشابه ونختلف عن بعضنا البعض في نفس الوقت، وعلى هذا النحو فإن علاقتي بالغير علاقة معقدة و ملتبسة تحمل دلالات عديدة ،حيث يضعنا المعنى الدلالي للغير أمام مجموعة من المفاهيم مثل (المستثنى، المختلف، المتميز، المتقابل، المتحول، المباين، المنفي، المتعدد، القريب، الغريب).

تتحدد دلالة الغير في الفهم الشائع في الآخر، أو الآخرين الذين يختلفون عني اعتمادا على مقياس محدد، فالغير هو المخالف لي والمختلف عني حسب معيار الجنس أو العرق، الدين، الثقافة، اللغة، فالآخر أو الغير هو ذلك الذي لا يشاركني نفس الانتماء الثقافي، الحضاري، والعرقي وبذلك فدلالة الغير في التمثل الشائع والمشترك تتحدد بمعنى السلب، الآخر ليس الذات.

وتتحدد علاقة الذات بالأخر وفق معيار العلاقة القائمة بينهما ونظرة أحدهما للأخر، قد تأخذ هذه العلاقة طابعا صراعيا (العنف، السخرية، التمييز العنصري، التطرف الديني، التعصب العرقي، الصراع الاجتماعي) وقد تكون العلاقة علاقة تضامن وتعايش مادام الأخر هو الشبيه والصديق يؤكد استراوس الأخر هو أخ لنا في الإنسانية.

كثيرا ما يثير موضوع الانا والاخر اكثر من اشكالية، تجد تجلياتها في السياسة والاجتماع والثقافة، هذه الاشكالية يمكن طرحها عبر سؤال هو: كيف يتحدد موقف الأنا من الاخر؟، هل على أساس الاحترام والتسامح أم النبذ والاقصاء؟.

هناك نموذجان مختلفان تتحدد على اساسهما علاقة الانا بالاخر هما:

القبول: ويتجلى في: (الحب – الصداقة – الحوار – التسامح)...

الرفض: ويتجلى في: (الكراهية – العداوة – التعصب – العنف)...

في المستوى الاول يحضر الصدق والود والتعاطف.

النموذج الثاني هو نموذج الغرابة او الغريب، والذي يشير الى عدة معاني: المجهول والغامض والمخيف...

في هذا النموذج يتحدد الغريب في اطار العلاقات البشرية باعتباره (ذلك الدخيل الذي يهدد تماسك الجماعة وتوازنها الداخلي)، ينشأ عن ذلك نزوع الى العدوانية والرفض والتهميش من أجل استعادة التوازن والاستقرار.

في المجتمعات التي ترفع شعار الحفاظ على التماسك الاجتماعي بوجه الغريب فانها في حقيقة الامر تعمل على تبرير اقصاء ورفض ذلك الغريب.

ترى (جوليا كريستيفا) أن الغرابة لا ترتبط فقط بالأجنبي الذي يهدد الكيان الاجتماعي، بل هو حاضر داخل الجماعة الواحدة نفسها من خلال اختلاف أفرادها وتناقضهم، وهو ما تعبر عنه بقولها: (ان الغريب يسكننا على نحو غريب).

ومن هذا المنطلق بات من الطبيعي أن تكون العلاقة بين الأنا والغير قائمة على أساس من التفاهم والحوار والاحترام المتبادل، وليس على النبذ والصراع والعنف، وذلك لسبب بسيط هو أن الغير أنا آخر. ولكن الحوار بين الطرفين، في مختلف تجلياته الفردية والمجتمعية والثقافية، ينبغي أن يكفل لهما معا حق الاستقلال والحفاظ على الهوية دون أن يسعى أي طرف الى تذويب االآخر أو احتوائه.

الدلالة اللغوية سواء داخل التحديد العربي أو اللاتيني تجعل الغير والآخر هو المخالف والمغاير وان وجد بعض الاختلاف بين التحديدين حول طبيعة الاختلاف هل هو كلي ومطلق أم اختلاف نوعي وجزئي.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا