متى ينتهي الابتزاز البيروقراطي؟

علي حسين عبيد

2020-07-22 07:45

في ظل حكومات هشة وأخرى أحادية دكتاتورية، ينتعش النظام الإداري البيروقراطي، وتتشوه معظم أرزاق الموظفين بسبب أساليب الابتزاز الإداري، وإدخال المراجعين في دوّامة لا نهاية له، مع التعطيل والتأخير المتعمَّد للإجراءات الإدارية بألف طريقة وطريقة.

يتشوه النظام الإداري، وتتعثر المنظومة الخدمية، وتسود قيم دخيلة تحلل الحرام، وتحرّم الحلال، وتتساوى في منظورها الإجراءات الصحيحة والخاطئة، وهنا يصبح المواطن الطرف الأول الذي يتحمل عبء النظام البيروقراطي الفاشل، مع غض طرف الحكومة عن هذه الإجراءات الإدارية الفاشلة، ليس هذا فحسب بل تشجع على نمو وانتشار السلوك الإداري البيروقراطي.

البيرُقراطية أو الدواوينية هي مفهوم يستخدم في علم الاجتماع والعلوم السياسية يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة. وتعتمد هذه الأنظمة على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية والعلاقات الشخصية. وهنالك العديد من الأمثلة على البيرقراطية المستخدمة يومياً، منها مثلا، الحكومات، القوات المسلحة، الشركات، المستشفيات، المحاكم، والمدارس والدوائر الرسمية.

يعود أصل كلمة بيرقراطية إلى بيرو (büro)، وهي كلمه ألمانية ومعناها مكتب، وتم استخدامها في بداية القرن الثامن عشر، ليس للتعبير عن كلمة مكتب للكتابة فقط بل للتعبير عن الشركة، وأماكن العمل. وكلمة قراطية وهي كلمة مشتقه من الأصل الإغريقي كراتُس (κράτος) ومعناها السلطة والكلمة في مجموعها تعني قوة المكتب أو سلطة المكتب.

ومع مرور الزمن أخذت هذه اللفظة تشير إلى الأنظمة الإدارية الروتينية المعقدة، لاسيما تلك التي تنشأ وتتطور في ظل الحكومات الدكتاتورية التي تحكم شعوبها بالحديد والنار، وترفض الأساليب الشرعية للوصول إلى الحكم، وتلغي الانتخابات أو تحيلها إلى أشكال صورية ليس لها أي نصيب من واقع الحال.

الرادع الأخلاقي في العمل الإداري

تحصيل الرزق مهمة يومية يسعى إليها الإنسان، وهي عملية صعبة وقد تكون معقدة أحيانا، لهذا السبب تم وضع قواعد للعمل، منها قانونية وأخرى شرعية، وثالثة أخلاقية، كل هذه الضوابط مهمتها تنقية رزق الإنسان اليومي من الحرام وجعله استحقاقا مشروعا، وهي مهمة صعبة ولكنها ممكنة، حيث يكون الدافع الذاتي صاحب القدح المعلى في حفظ الرزق من الحرام.

يأتي بعده مباشرة، القوانين ودرجة الحزم التي تنطوي عليها كي تحد من الزلل، وهنالك الجانب الأخلاقي الذي تدخل ضمنه منظومة الأعراف وقدرتها على حماية الإنسان (الموظف) من السقوط في فخ الانحراف والكسب غير المشروع، وصيانة المجتمع من القيم المريضة والأنشطة العملية الربحية الزائفة.

وفق هذا المنظور، لا يمكن أن يكون الرزق الحلال رهن المزاج، أو المنفعة خارج الضوابط والشرعية والقوانين، فالموظف يعمل بأجر معروف كي يحصل على رزق شريف لأسرته، وأي خلل في هذا الجانب، قد يدفع هذا الرزق نحو حافة الحرام، ليس في الجانب المادي فحسب، فالرشوة مثلا محرمة وتجعل من راتب الموظف كله ممزوجا بالحرام!، ومع ذلك شاعت هذه الأساليب لاسيما ابتزاز المواطن.

ليس هذا فحسب، بل حتى طريقة تعامل الموظف مع المواطن (المراجِع) بالكلام والجانب الأخلاقي، قد يجعل من رزقه تحت مطرقة الشكوك، فعندما يقوم الموظف بإذلال المواطن وتأخيره ولا يبدي له الاحترام، فهو لا يختلف كثيرا عمَّن يطلب الرشوة من المراجعين، وتعد طريقة تعامل الموظف مع المراجِع من أكثر أساليب الابتزاز والمساومة التي يقوم بها بع الموظفين للحصول على الرشى.

لهذا تقع مهمة الوظيفة ضمن ضوابط واضحة يفهمها الموظفون، كذلك يعرّف المعنيون الموظف بأنه عامل حكومي يؤدي عملا خدميا متنوعا يصب في الصالح العام، مقابل اجر تدفعه له الدولة، وبهذا يحصل على المال ومصدر الرزق له ولعائلته، مقابل خدمات معروفة يجب أن يؤديها وتكون إدارية في مجملها.

اعتماد الحوكمة كأسلوب رقابي فاعل

بهذا المعنى فإن الموظف الذي يعطّل عمله الإداري التنسيقي المعروف مسبقا، ولا ينجزه في الوقت المحدد، فهو لا يستحق الأجر الذي يحصل عليه من خزينة الدولة مقابل خدماته، وفقا للقوانين الوضعية والشرعية والسنن الأخلاقية أيضا، لذلك ينبغي مراعاة هذا الجانب بدقة من قبل المسؤول أو المدير الإداري الذي تقع عليه مسؤولية المراقبة والعقاب والثواب، حتى مسألة الوعي الإداري وربطه بالجانب الإنساني هناك دور للمسؤول الإداري فيه.

وتوجد أساليب عديدة يلجأ إليها بعض الموظفين، يمكن أن تحمل سمة الابتزاز، فقد يذهب الموظف إلى أسلوب المماطلة والتسويف والتمارض وغير ذلك مما يلجأ له كي يدفع المراجِع لمساومته، وهذه أساليب اعتاد عليها بعض الموظفين الحكوميين، لدرجة أنها باتت تشكل سلوكا مرصودا ومرئيا في الدوائر الرسمية.

بمعنى أن ظاهرة تعطيل الانجاز من قبل الموظف الحكومي أصبحت أمراً بالغ الوضوح ولا يحتاج إلى دليل، وقد اعتاد عليه المواطن أيضا، وشكا منه كثيرا، ولكن ليست هناك معالجات جذرية لهذه الظاهرة، التي تعد من المظاهر الخطيرة للنظام البيروقراطي، الذي يتعمّد تعطيل الانجاز، من اجل تحقيق مصالح فردية آنية وسريعة الفائدة غير المشروعة، على حساب مصلحة الفرد والمجتمع.

وقد يكون هناك مبرر لبعض هذه الأساليب حين يكون أجر الموظف أو العامل قليلا، لكن أجور الموظفين قياسا لأسعار السلع والمواد الغذائية لا بأس بها، نعم هي ليست بالمستوى المطلوب، ويمكن أن تكون أفضل، إلا أن الموظف الشريف الذي يقرر عدم اللجوء إلى أساليب ابتزاز المواطنين، يمكنه وعائلته العيش بما يحصل عليه من راتب حلال.

هذه الظاهرة لا ينبغي أن تستمر، فالروتين والسلوك البيروقراطي بات من حكم الماضي، وعالمنا اليوم لم يعد قابلا لمثل هذه الأنظمة المتآكلة، فقد دخلت الأنظمة الإدارية الإلكترونية على الخط، وباتت الحوكمة إحدى أهم وأكثر أساليب المراقبة فاعلية وجدوى، وهو ما يجب أن تقوم الحكومة بتطويره ونشره وتفعليه، عالم اليوم لا يسمح للموظف ولا للمنظومة الإدارية بابتزاز الناس.

البيروقراطية يجب أن تكون في خبر كان، وذلك في إطار التطور الإلكتروني الإداري الحكومي الهائل، نعم هنالك خطوات جديدة في العراق، تعتمد أساليب العمل الإداري الإلكتروني، ولكن الطريق لا يزال أمامنا طويل في هذا المجال، ومع ذلك أن نبدأ ونستمر في مشاريع الحوكمة والمراقبة الإلكترونية خير من البقاء تحت رحمة البيروقراطية الإدارية الفاسدة.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا