في ضيافة الرسول الأكرم (ص) وألطافه النورانية

حسين أحمد آل درويش

2025-09-08 12:25

عند وصولي إلى ذلك المكان المقدس، وقفت عنده بكل احترامٍ وإجلالٍ وتعظيم، وفي ضيافته، شعرت بنور يملأ قلبي، نور قادني إلى هدايتي، واطمأنت إليه نفسي، لمحت أنوارًا قدسية وأرواح ملائكية، تحمل شيئًا يشبه حلمي وأملي، وترسم لي غدي ومستقبلي، همست في سري، قائلاً: "وهب لي نورًا أمشي به في الناس، واهتدي به في الظلمات، واستضيء به من الشك والشبهات(1).

"اللهم وأوجب لي منك المغفرة والرحمة، والرزق الواسع الطيب النافع، كما أوجبت لمن أتى نبيك محمدًا صلواتك عليه وآله، وهو حي فأقر له بذنوبه واستغفر له رسولك عــليه وآله أفضل التحية والسلام، فغفرت له برحمتك يـا أرحم الراحمين"(2).

يكفيني فخرًا وشرفًا، بأن أقف أمام حضرتك يا رسول الله وبين يديـك المباركتـين، ولساني وقلمي يعجزان في مدحك وتعظيمك والثناء عليك، وبيان رفعة وعلو منزلتـك عند ربك الكريم الذي جعلك خاتم الأنبياء والمرسلين وأفضل الأولين والآخرين على العالمين، (ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيءٍ عليمًا) (3). كنت قدوةً وأسوةً ومنارةً للمؤمنين الموحدين، في كل زمانٍ ومكانٍ، فآمنوا بك واتخذوك قدوةً حسنةً، ومنهجًا قرآنيًا ربانيًا عظيمًا في الاقتداء والتأسي في الحياة، (لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ)(4)، (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا * وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا * وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا) (5)، (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)(6). 

فدعوت الناس في حياتك إلى الإيمان بالله والعمل الصالح طيلة ثلاث عشرة سنة، بسلام ومحبة، قائلاً: "قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا"(7). ولقيت من قومك كل أنواع الأذى والاضطهاد، فسموك: ساحرًا، وكاهنًا، ومجنونًا، ومحبًا للسيطرة والوجاهة، وشاعرًا، ومفسدًا، وبصقوا في وجهك، ولوثوا جسمك الشريف بسلى الشاة، وضربوا رأسك بالقوس، ورموا عليك الحجارة، وفرضوا عليك وعلى أهلك وأتباعك الحصار الاجتماعي والاقتصادي وقاطعوك وما إليها، وأرادوا قـتلـك مرات ومرات، وأبعدوك عن وطنك وديارك، وأذاقوك ألوان الأذى وصنوف العذاب والتنكيل حتى المؤمنين بك تعرضوا إلى التعذيب والتشريد ولم يسلموا من الأذى وكل ذلك وأنت تقول: "اللهم أهد قومي، فإنهم لا يعلمون"(8). وتسالمهم، ولا تتعرض إليهم، بأقل قدر من المقابلة بالمثل، حتى أنك كان تـأبى أن تدعوا عليهم!

 ثم لما كثر اضطهادهم، هاجرت بنفسك وزمرة من المؤمنين الموحدين إلى المدينة (يثرب) وذلك بدء (الهجرة). ولكنهم لم يكتفوا بذلك، جهزوا الجيوش لمحاربتك، وطاردوك بالمدينة لمقاتلتك، فاضطررت حينذاك للدفاع، فقامت بينهم وبينك سلسلة من الحروب والمعارك، كنت دائمًا فيها مدافعًا، وكانوا هم مهاجمين ومع كل هذه الأمور، كنت تعاملهم بالحسنى، وتكتفي بأقل قدر من الدفاع، مع أنهم كانوا لا يتورعون عن كل ما في مقدورهم من إظهار أشكال الهجوم والإساءة والوقاحة. 

فكانت العاقبة بشرى، أن دعوتك انتصرت، ورسالتك انتشرت، وعلى مر الزمان صار هنالك الملايين والملايين، ممن يتعبدون ويقدسون الله تعالى على منهجك، ويتبعون سنتك، ويتمنون الاقتداء بك في قوة عزيمتك، ومضاء شكيمتك، والدفاع عن طريقتك، فسلام الله عليك يا رسول الله يوم ولدت ويوم تموت ويـوم تبعث حيـًا. 

..........................................

 الهوامش والمصادر: 

1) الصحيفة السجادية الكاملة ورسالة الحقوق: للإمام زين العابدين (ع)، دعاؤه عند الشدة، (ص 100- 101).

2) إقبال الأعمال: السيد ابن طاووس، (ص 127، ج 3).

3) سـورة الأحزاب– الآية (40).

4) سـورة الأحزاب– الآية (21).

5) سـورة الأحزاب– الآية (45- 47).

6) سـورة الأنبياء– الآية (107).

7) مناقب آل أبي طالب للمازندراني، (ج1ص51،فصل فيما لاقى من الكفار).

8) إعلام الورى بأعلام الهدى: الفضل بن الحسن الطبرسي، (ص 83،الركن الأول ب 4). 

ذات صلة

المولد النبوي: كيف نغتنم هذه المناسبة العظيمة؟مركز آدم ناقش.. تكريس الاستبداد بالاقتراع العامالفساد يكتب شهادة وفاة المبانيالتغيير المطلوب في العراقتحديات اللغة في العصر الرقمي