الإمام الرضا وفضح الحاكم الظالم

علي ال غراش

2025-08-13 12:11

الإمام علي ابن موسى الرضا (عليه السلام) غريب الغرباء، قبلة الإيمان والولاية والعشق لطريق الله (عزوجل)، يجذب المزيد من المحبين من أنحاء العالم، وحضرته الأكبر والأعظم، والمؤسسات التي باسمه تنمو وتتسع..، واسمه حي يذكر بإجلال وعظمة..؛ رغم شهادته في عام 203 متأثرا بالسم، قتله الحاكم الظالم القاتل المستبد المأمون.

ومن أراد معرفة مدى قوة وعظمة هذا الإمام العظيم (ع)، أن يقوم بزيارته في مدينة مشهد المقدسة، ليشاهد كثافة عدد الزوار -المحبين له ولابائه وأبنائه وشيعته من أنحاء العالم- في كل الأوقات، ويرى عظمة صرحه ومشهده الشامخ، ويقف خاشعا أمام الضريح العظيم المستمد من عظمة هذا الإمام الغريب (ع) ومن دوره الرسالي المكمل لدور الأئمة (عليهم السلام) في تحمل المسؤولية والتصدي لإصلاح الأمة والثورة ضد الظلم والعدوان، وفضح النظام الحاكم الفاسد من الداخل. 

الإمام الرضا العظيم (ع) صاحب تجربة تاريخية فريدة في التعامل مع الحكومة الظالمة وفضح النظام الفاسد المتمثل في ذلك الوقت بحكم المأمون العباسي، الذي وصل للحكم بعد محاربة أخيه غير الشقيق الأمين انتهى الأمر بقتل الأمين، وكان المأمون يشعر بالخوف والقلق من وجود الإمام الرضا (ع) الممثل للبيت العلوي وللرسالة المحمدية الحقيقية، والمعارض الأقوى والأخطر على حكم بني العباس، لاسيما إن الشارع الإسلامي يؤمن بان الإمام الرضا (ع) هو الزعيم الشرعي للأمة.

وبما ان الإمام (ع) له شعبية في الشارع بعكس نظام المأمون العباسي، والمعارض الأقوى، عمل المأمون على اعتقال الإمام (ع) ونقله بالإكراه من مقره في المدينة المنورة إلى مدينة مرو، ثم القيام بتنصيب الإمام الرضا (ع) بالإكراه في منصب صوري كولي للعهد للحصول على محبة الشعب، وليكون الإمام الرضا (ع) تحت عيونه ومنع الإمام (ع) من أي تحرك. 

وقد قبل الإمام علي ابن موسى الرضا (ع)، بمنصب ولاية العهد مضطرا وبعد الاتفاق على شروط معينة حددها الإمام (ع) وقد عبر الإمام عن ذلك بدعائه لله:

"اَللّهُمَّ اِنَّكَ تَعْلَمُ اَنّي مُكْرَهٌ مُضْطَرٌّ، فَلا تُؤاخِذْني، كَما لَمْ تُؤاخِذْ عَبْدَكَ وَنَبِيَّكَ يُوسُفَ حينَ وَقَعَ إلى وِلايَةِ مِصْر". وذلك بعدما رفض ذلك العرض لعدة مرات بشدة، ولكن المأمون العباسي ـ المصر على تسلم الإمام الرضا (ع) الذي يشكل رأس حربة المعارضة لأهل البيت (ع) المنصب لتحقيق أهداف سياسية خاصة ـ هدد الإمام الرضا (ع) بالقتل..، فقبل الإمام في نهاية الأمر بولاية العهد بشروط، ـ وفي ذلك أهداف سياسية ـ ومن تلك الشروط كما جاء على لسان الإمام الرضا (ع) : "أنني لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي ولا أولي ولا أعزل ولا أغير شيئا مما هو قائم فأجابه المأمون إلى ذلك كله".

 لماذا لم يوافق الإمام الرضا (ع) على ولاية العهد إلا بشروط محددة؟

حتما هناك أسباب كثيرة لدى الإمام (ع)، ولكن بالتأكيد منها عدم إعطاء الشرعية للنظام الدكتاتوري الاستبدادي الظالم اي شرعية، وعدم السماح للنظام من استغلال وجود الإمام (ع) وتحميله أي مسؤولية في الحكومة الظالمة والفاسدة، والعمل على إرساء العدل.. حول ذلك يقول الإمام الرضا : "اللّهُمَّ لا عَهْدَ اِلاّ عَهْدُكَ وَلا وِلايَةَ اِلاّ مِنْ قِبَلِكَ، فَوَفِّقْني لإقامَةِ دينِكَ وَاِحْياءِ سُنَّةِ نَبِيِّك، فَاِنَّكَ اَنْتَ المَوْلى وَالنَّصيرُ، وَنِعْمَ المَوْلى اَنْتَ وَ نِعْمَ النَّصير".

إن الإمام علي ابن موسى الرضا (ع) أراد عدم إعطاء اي شرعية للمأمون والحكم العباسي. بل الإمام الرضا (ع) فضح المأمون على لسان المأمون نفسه الذي قال للإمام (ع): "إني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك وأبايعك. فقال له الرضا (عليه السلام): إن كانت الخلافة لك وجعلها الله لك، فلا يجوز أن تخلع لباسا ألبسك الله وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك، فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك".

ما قام به الإمام الرضا (ع) هو درس ـ وبالذات للقيادات الشعبية القادمة ومنها الدينية ـ بعدم شرعية وصحة الدخول ومساعدة الحكومات الدكتاتورية الظالمة، ـ بدون اضطرار حقيقي، وبشرط عدم المشاركة في الظلم ـ مهما كانت التبريرات ولو كان ذلك عبر مناصب رفيعة، وان كان الشخص يملك الكفاءة، لان الحاكم غير العادل الذي يصل لكرسي الحكم بشكل غير شرعي وديمقراطي حقيقي وبدون تأييد الرعية لا ضمانة له، فانه سيستغل أي شخصية بما يخدم أهدافه ونظامه وسلطته.

والحالة الوحيدة في التعامل تكون في حالة الإكراه والاضطرار والتعرض للأذى...، وبشرط عدم الظلم والمشاركة فيه، والعمل على رفع الأذى عن المظلومين، والعمل لفضح النظام الفاسد أمام الرعية بتقديم النموذج الأفضل في التعامل وخدمة المجتمع. وهذا لا يعني عدم إمكانية العمل مع الحكومات في المواقع التي تخدم الشعب، فهناك حالات تستدعي العمل مع الحكومات بشرط عدم الظلم، وتلك الحالات تعتمد على الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.

وعلى الإنسان مهما كان دينه ومذهبه وفكره، ومهما كان منصبه خارج الحكومة أو داخلها، أن يكون أداة تأثير بشكل إيجابي لخدمة عامة الناس والدفاع عن مصالح المظلومين والمستضعفين، وفضح النظام الفاسد، لا أداة ووسيلة بيد النظام!.

وبلا شك إن الأئمة ومنهم الإمام الرضا (عليه السلام) يدعون الناس وبالخصوص شيعتهم ومحبيهم أن يكونوا دعاة إصلاح بإعمالهم لا بأقوالهم فقط، وبضرورة الدخول والمساهمة بالعمل في الحكومات العادلة القائمة على الديمقراطية الحقيقية -حسب المنهج الشرعي- وتمثل إرادة الشعب بشكل صحيح. وما أجمل أن نستفيد من مدرسة آل البيت (عليهم السلام) وبالتحديد من مدرسة السلطان الإمام الرضا (ع) ومن تجربته الرائدة مع النظام الحاكم في الجانب السياسي التي تصادف هذه الأيام ذكرى شهادته مسموما، على يد المأمون.

وقد لجأ المأمون للتخلص من الإمام (ع) بعد فشله الذريع من السيطرة على الإمام (ع) واستغلاله والحصول على دعم الإمام (ع) لحكمه، وإنما الذي حدث هو العكس ازدادت شعبية الإمام (ع) لدى الشارع، والمزيد من الفضائح للنظام العباسي والحاكم الفاسد.

السلام عليك يا شمس الشموس، وأنيس النفوس، أيها المدفون بأرض طوس يا علي ابن موسى الرضا (عليه السلام). 

"اللّهُمَّ صَلِّ عَلى عَلِيٍّ بْنِ مُوسى الرِّضا المُرْتَضى عَبْدِكَ وَوَلِيِّ دِينِكَ القائِمِ بِعَدْلِكَ وَالدَّاعِي إِلى دِينِكَ وَدِينِ آبائِهِ الصَّادِقِينَ صَلاةً لايَقْوى عَلى إِحْصائِها غَيْرُكَ".

ذات صلة

زيارة الأربعين: اليوم العالمي لتعظيم القيم الحسينيةمن الطف تبدأ الحكاية.. دراسة تحليلية تربوية في أطفال عاشوراءمركز الامام الشيرازي ناقش.. قيم النهضة الحسينية والطريق الى بناء سلام عالمينساء الأربعين: حضور روحي فاعل يروي قصص الصمود والعطاء في مسيرة كربلاءعن ماذا يبحث الشيعة في زيارة الأربعين؟