في ذكرى مولدها السعيد: السيدة زينب ورؤيتها المستقبلية
محمد علي جواد تقي
2024-11-09 06:59
شعّ نورٌ ساطع من بيت علي وفاطمة يرسم صورة بهيّة رائعة لأول بنت لهما بعد الحسنين.
إنها زينب، وما أدرانا ما زينب!
حملها النبي الأكرم بين ذراعيه والبهجة تعلو محياه، فهي أول مولود أنثى لابنته فاطمة، فكان اختيار الاسم منه، صلى الله عليه وآله، كما حصل مع الحسن والحسين.
أن تكون السيدة زينب التي نعيش هذه الأيام ذكرى مولدها السعيد، بين الأقمار الخمسة أصحاب الكساء، المظللين بأجنحة الملائكة، تكحل عيناها بالنظر اليهم، وتسمع كلامهم، وتتعلم منهم في الصغر، ثم تواسيهم في محنهم ومصائبهم في الكِبر، تُعد خصيصة لهذه السيدة العظيمة تمكنها من الربط بين الحاضر والمستقبل، فقد شهدت البدايات والنهايات لمسلسل الاحداث التي جرت على أهل بيت رسول الله، ولعلنا نستلهم من هذا الجانب في حياة السيدة العقيلة، لما يفيدنا في المنهج التربوي، وتحديداً التحذير دائماً من عواقب الأمور.
الزواج الناجح
ربما لا يتفق البعض على أن الزواج الناجح يمثل قاعدة الانطلاق الحقيقية نحو سعادة المرأة، بيد أن تصفحنا لسيرة حياة العقيلة زينب يؤكد مصداقية هذا المبدأ الانساني، فكون زينب ابنة أمير المؤمنين وشقيقة سيدي شباب أهل الجنة لا يكون العامل الوحيد لتكامل شخصيتها، بقدر ما يكون بزواجها الناجح من ابن عمّها عبد الله بن جعفر الطيار، ابن تلك الشخصية الريادية المتميزة في الأسبقية الى الإسلام، والهجرة الى الحبشة، كأول وفد اسلامي الى الخارج، ثم دوره القيادي في غزوة مؤتة التي كانت فيها شهادته وبتر يداه، وحصوله على وسام سماوي رفيع أبلغ عنه النبي الأكرم زوجته اسماء للتخفيف عن حزنها: "أما ترضين أن يكون لزوجك جناحين أخضرين في الجنة يطير بهما حيث يشاء".
عبد الله ابن ذلك الصحابي الجليل كان لزينب كما كان أبوه للنبي الأكرم، وفياً للرسالة ومسيرتها الجهادية الباسلة، فقبل أن تتألق زينب في كربلاء، كانت متألقة في حياتها الزوجية، مجسدة حديث حديث جدّها المصطفى: "جهاد المرأة حُسن التبعّل"، ولذا كافئها عبد الله بن جعفر الطيار بحرية اختيار مصيرها في الحياة، واصطحاب أخيها الامام الحسين في مسيرته الإصلاحية والاستشهادية، فيما بقي هو في المدينة بسبب ظروف صحية حسب المؤرخين، وقد قرأت وسمعت أن ثمة شرطاً كان قد وضع أمام عبد الله للموافقة على تزويجه زينب، وهو أن لا يعارض خروجها مع اخيها الحسين في ساعة الشدّة، بيد أني لم أجد ما يوثق هذا الكلام، كما لم أجد في شخصية ابن ذلك الصحابي الجليل ما يتقاطع مع المهام الرسالية لأهل بيت رسول الله، وهو واحداً منهم.
حديثنا لمن يقدّس الأسرة والحياة الزوجية، وليس الحياة المادية والوظيفية والمناصب والشهرة، نقتبسه من التجربة الاجتماعية للسيدة زينب، فان الاختيار الصحيح للحياة الزوجية، يضمن مستقبلاً أفضل على صعيد التربية والتعليم وترسيخ قيم الأخلاق والدين والانسانية، علّنا نعالج بعض ازماتنا المتفاقمة بسبب سوء الاختيار والتعكّز على المال والجاه والشهرة، ولأنها غير ثابتة ولا مستقرة، فان أي اهتزاز فيها يدفع بالمتزوجين الشباب الى المحاكم على شكل زرافات.
الاستعداد للمواجهة
كانت العقيلة زينب تقرأ القرآن الكريم ذات مرة، فسمعها أبوها أمير المؤمنين فدنا منها وبدأ يفسّر بعض الآيات التي فيها إشارات الى عواقب أمرها وما سيجري عليها من الرزايا والمحن، فكانت الاجابة منها القبول الحسن والرضا الجميل.
وقبل هذا، عندما كانت صغيرة السن الى جانب أمها على فراش الموت، تلقت بنفس كبيرة تلك الوصايا العظيمة لمعاضدة أخيها الحسين في ساعة الشدّة والوحدة، استعداداً للمواجهة التاريخية الحاسمة في ارض كربلاء، وبعد سنين طوال، وقفت أمام أخيها الحسين وهو يستعد للنزول الى الميدان لمقاتلة أعداء الله، ونفذت طلب أمها بأن "شمّيه في صدره، وقبليه في نحره"، فالصدر مكان الرضّ بالخيول، والنحر مكان الذبح.
أن يكون ابناء الجيل الصاعد مستعدين دائماً للتحديات بمختلف اشكالها، وليس بالضرورة القتل بالسيف او الرصاص، لهو خير ما يفعله الأبوين المسؤولين عن نجاح الابناء دنياً وآخرة، فأي فعل أو قول للفتاة والشاب في الجامعة وفي داخل البيت، وفي الشارع، له أصداء في المستقبل، ونتائج يلمسونها بانفسهم، وقطعاً؛ النتائج من سنخ الافعال، ولكل فعل رد فعل، كما القاعدة المعروفة، مما يحتم على الأبوين وعلى الكبار والعقلاء في المجتمع التذكير المستمر لمن هم أقل تجربة في الحياة، بأن حياتهم سلسلة متواصلة تأخذهم الى الشيخوخة، فالاختيار الصحيح لمسار التعليم، ثم الدخول في ميدان العمل، ثم الدخول في الحياة الزوجية، ومن ثمّ تجربة تربية الاطفال، كلها تتطلب استعدادات واستحقاقات كبيرة ليست بالهيّنة، على الشاب التهيؤ لها، فكلما صلُحت النوايا، والوسائل، صلُحت العواقب وكسبوا الخير والنجاح.