أسد الله لا بواكي له

حسن السباعي

2020-06-08 06:57

نجمه أفل مع الغروب لكنه مازال بازغًا مابقي الدهر يشع في فلكه المتلألئ في عيون ناظريه..

كان فعالا للخيرات جميلا مهابا أبيضا تشرق الشمس من غرة جبينه لشدة جماله..

قلبه مسجد من نور تتعالى فيه آيات الذكر و الدعاء..

سيفه كان ولا يزال بتارا..

اسمه أقوى الأسماء على الإطلاق، فهو الحمزة بن عبدالمطلب بن هاشم.

في عصره كان سيد الشهداء، وطينة قبره كانت سبحة البتول الزهراء عليها السلام.

كان أسدًا لكنه مضاف إلى الله وإلى رسوله..

ناصرًا لدينه، باسلًا في حربه، طويلًا في قامته، تنخفض له السحاب من هيبته وسؤدده..

ازدلفت روحه لبارئها يومًا ومُثّل بجسده الشريف أشنع مُثلة، فأقسم آخذ الثار أن ُيمثِّل بسبعين حزنًا عليه وتأسُّفًا وغيظًا؛ وهو الذي كان و لايزال حليمًا، وعلى خُلق عظيم لولا أمر الله له بالاحتساب.

أيُ بكاء يُبكى عليه لا يُعدّ بكاء فهو بحقه قليل، بل أنّى للرثاء أن يفي حق من بكاه الرسول ملء فمه دمًا و أهلُ البيت طُرًا، و بكته صفية بنت عبد المطلب حينما عرفت من القتلى جثة أخيها..

ليأخذنا العزاء معها لعرصة أُحد الأحزان..

وما أدراك ما أُحد..

هتاف يتعالى في السماء بصوت رسول الله: ياعلي أدركني.. في حين باغت العدو العم الناصر والذابّ عن الإسلام بمهجته فكان كبش الفداء لحفظ رسول الله.

انزلقت قدمه وهو يضرب عدو الله فرماه وحشي من بُعد وهو ينزلق لبطن الوادي فصرعه طعينا..

آخر نظراته عين تنظر أجمل ابنيّ أخ محمد وعلي، نداءه؛ يا محمد ياعلي.. اكفياني فانكما كافيان و انصراني فانكما ناصران..

وغاب صوته للأبد ليحيا مع الشهداء في نعيم نجمه المضيء.

آذى روحه أن يشخب رسول الله بدمه وقد شُجَّ رأسه وكسرت رباعيته، وأن يرى الدم في فمه الطاهر..

جسده.. انتفض وهو موذر قطعة قطعة علّه يذود عن ابن أخيه كما كان يفعل في حياته..

وما كان هنالك من جسد لعمهم الجميل ليجمعوه في رداء إذ تلاشى بالتمثيل به إلا عن اصبع يحمل خاتمًا وبقايا كبد بدا أنها لُفظت من فم أحدهم..

وهناك بين قتيل وجريح ما ثبت مع رسول الله إلا قليل..

بكته السماء مع رسولها، إذ عزّ في يومه البكاؤون فجاء الأمر الإلهي راثيًا له.

وازدهر الجبل وعبق ريحه وتوارت التراب أجساد الشهداء وهم يحيطون الحمزة أسد الله في قبور هنا وهناك..

دفنه رسول الله مع ابن اخته عبد الله بن جحش في قبر واحد.

غاب القمر وأفل النجم ليعتصر الألم قلوب عاشقي الرسالة.

ما عاد هنالك من أسد، وما علمت ابنته بموته إذ كانت في مكة تنسج خيوط اليتم بدمع منهمر.

ولا تزال السنون تمرّ بآهاتها وتتصاعد الزفرات بحشرجاتها منذ العام الثالث للهجرة في الخامس عشر من شهر شوال وإلى آخر الدهر.. يوم صلّى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله على عمه الحمزة مكبرًا سبعين تكبيرة قبل أن يواريه الثرى ويغشى عليه من البكاء، والأسى لما مُثِّل بجسده الطيب من أرجس عاهرات الأرض قاطبة..

مات غريبًا بعيدًا عن أحبته إذ هاجر لنصرة الله ورسوله..

ولا يُنسى أبد الدهر تأبين الرسول له حين "مر رسول الله صلى الله عليه وآله على دور من دور الأنصار من بني عبد الأشهل، فسمع البكاء و النوائح على قتلاهم، فذرفت عيناه وبكى، ثم قال: لكن "حمزة لا بواكي له". (١)

كان أخو رسول الله من الرضاعة وعمه وناصره والذّابّ عنه، فاضت روحه للعلياء لتستقبله أفواج الملائكة.

ليلتحق بأبي طالب وعبد الله، وكم كان اللقاء عظيمًا.. وسيدة كريمة في الخباء تسأل هل سلم حبيبي رسول الله؟

ولماذا أرى بضعتي تبكي وتصنع من التراب سبحات؟

إنها التربة التي تذكرها بمصاب ابنها في كربلاء

وكم سيأتي لنا من الأنصار مثلك يا أسد الله ومن الأحباب في ظهيرة عاشوراء..

فاجلدي واستعدي للبلاء أيتها الزهراء و الحوراء فلا يوم كيومك يا أبا عبد الله..

......................................
الهامش؛
(١) الشيخ محمد باقر المجلسي؛ موسوعة بحار الأنوار، ج ٧٩، ص ٩٢.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي