التأثير الروحي في شخصية الإمام موسى الكاظم(ع)
السيد نبأ الحمامي
2017-04-23 08:19
من السمات البارزة في شخصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) هي قوة التأثير الروحي على من يتصل به أو يكون قريبا منه. ونجد هذه الصفة ظاهرة عند حجج الله تعالى، سواء كانوا أنبياء أو أوصياء، وربما يكون منشؤها:
1- اما قوة الروح، لقربها من الله تعالى. باعتبار أن خلوص النية والعمل لله تعالى يقرب العبد إليه. ومن آثار القرب الى الله تعالى الاستزادة من الفيوضات الإلهية الوجودية، مما ينعكس ذلك على العبد رحمة وهداية لجميع الخلق. كما يستفاد ذلك من جملة من النصوص، كمناجاة أمير المؤمنين(ع) أيام شعبان.
وقد جاء فيها (إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك).
وروي عن الإمام الصادق(ع) قوله (إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم العرش ووافى الأئمة عليه السّلام معه ووافينا معهم فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد). وسواهما من النصوص بهذا الصدد.
وكما يشرق الضوء على الأشياء فتضيء به الأجسام والأسطح القابلة والعاكسة له، ولا تنعكس عن الأسطح غير القابلة للضوء وانعكاساته، كذلك تشرق الطاقات الإيجابية للروح من العلم والهداية والجذب الى الخير، فتستقبله وتستفيد منه الأرواح القابلة، والتي تملك مقدارا -ولو قليلا- من الاستجابة والتقبّل، ولا تحظى الأنفس التي ران عليها الذنب والصفات السلبية بحظ من تلك الإشراقات والطاقات الروحية.
2- وإما أن يكون منشؤها جميل ما ظهر عنهم من أفعال، وما برز منهم من صفات ومزايا كريمة وكلام مؤثر يحمل من يكون قريبا عليهم على الاتصاف بأفعالهم، والتأسي بأقوالهم، والتحلي بمكارم صفاتهم، وهذ هي حال القدوة والأسوة في المجتمعات. يقول الله تعالى مخبرا عن نبيه (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ).
وغالبا ما تكون هذه الصفات التي هي محط انشداد الناس وتأثرهم وانقيادهم مدعاة لصاحبها لأن يكون القائد لمجتمعه. ولذلك ورد التعبير عن أهل البيت(ع) في نصوص شريفة كثيرة بالقادة أو قادة البلاد. كما في الزيارة المعتبرة (السّلام عليكم يا أهل بيت النّبوّة وموضع الرّسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي ومعدن الرّحمة وخزّان العلم ومنتهى الحلم وأصول الكرم وقادة الأمم وأولياء النّعم وعناصر الأبرار ودعائم الأخيار وساسة العباد وأركان البلاد)
3- وربما يكون منشؤها الأمرين معا، وهو الأرجح.
ونظرة إجمالية على حياة إمامنا الكاظم(ع) تكفي للحكم بكونه (ع) ممن حمل صفة الجذب والهداية للناس سواء بقوة روحه القدسية أم بجميل أفعاله وصفاته، أو حسن أقواله ومداراته للناس. ومن ملامح ذلك في حياته الشريفة:
1) رده وجوابه لسؤال أبي حنيفة النعمان عن العلة الفاعلية للمعصية، وحقيقة انتسابها، بجواب برهاني وإقناعي. وكان الإمام(ع) آنذاك صغير السن.
2) تصحيحه لسلوك شخص من ذرية عمر بن الخطاب، كان كثير الإيذاء للإمام الكاظم(ع)، ومداوما لشتم أمير المؤمنين(ع). فسلك معه الإمام الكاظم سلوكا مهذبا ودله على نقاط الضعف في نفسه التي يأتيه منها الشيطان ويؤثر فيه، ومن ثم اهتدائه على يد الإمام (ع) وقوله في حق الإمام: (الله أعلم حيث يجعل رسالته).
3) ما جرى لبشر المروزي (بشر الحافي) مع الإمام، وتأثير كلماته فيه حين سأل الإمام جارية بشر (صاحب هذه الدار حر أم عبد)، فأجابته (بل هو حر). فقال(ع) (صدقت لو كان عبدا لخاف من مولاه). فدخلت تلك الكلمات قلب بشر، وراح يعدو حافيا وراء الإمام وتاب على يديه.
4) الجارية التي أرسلها هارون العباسي الى السجن لتفسد على الإمام عبادته، فتأثرت بعبادة الإمام وسيرته، وانقلبت شخصيتها وتحولت الى عابدة، ولما تزل تطيل سجودها وهي تقول (سبوح قدوس).
5) تأثيره (ع) على النفسيات الشريرة لسجاني سجون هارون العباسي، الذين قضى الإمام الكاظم (ع) فترات من حياته في سجونهم (عيسى بن جعفر، والفضل بن الربيع، والفضل بن يحيى البرمكي)، وتلونها بصبغة الرحمة التي صبغت نفوسهم بها قوة الجذب والهداية الإلهية للإمام الكاظم(ع)، حتى وسعوا عليه، وتعاطفوا معه، ولم ينصاعوا لأمر هارون العباسي في قتله.
ونختم القول بأبيات من الشعر فيه(ع)
يقول السيد صالح القزويني:
اعطف على الكرخ من بغداد وابكِ بها.....كـــــنزاً لعـــلم رســــول الله مخـــزونا
مـــوسى بـــن جعفر سر الله والعلم الـ.....ـمبين فـــــي الـدين مفروضاً ومسنونا
بـــاب الحــــوائج عــند الله والسبب الـ..... ـموصـــول بــــالله غـــوث المستغيثينا
الــــكاظم الغـــــيظ عــــمن كان مقترفاً.....ذنباً ومـــن عــــمّ بـــالحسنى المسيئينا
وقال الشيخ نورشيخ مطر بن محمود الخفاجي الغروي:
اذا مـــا دهــــــاك الــدهر يوماً بمعضلِ.....وأُنـــــزلتَ فـــي وادٍ من الهول مُخطَرِ
وحـــــاطتْ بـــكَ الأهوالُ من كلِّ جانبٍ.....عليكَ بـبابِ اللهِ موسى بنِ جعفرِ
* باحث ومدرس في الحوزة العلمية في النجف الاشرف