فرنسا والإرهاب: الزحف المتدرج نحو الشرق الاوسط
عبد الامير رويح
2017-01-09 07:41
ما تزال فرنسا التي شهدت في 2015 و 2016 عدة اعتداءات دامية أوقعت العديد من الضحايا، هدف رئيسي للجماعات المتشددة خصوصا تنظيم داعش الإرهابي، الذي سعى الى تنفيذ سلسة من الهجمات الوحشية في مناطق ودول مختلفة ومنها فرنسا، التي تشارك بشكل فعلي في العمليات العسكرية للتحالف الدولي الذي يحارب تنظيم داعش، وقد اكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن فرنسا تواجه "مستوى عال من التهديد" الإرهابي وتتصدى له عبر خطة تيقظ "عالية جدا أيضا"، كما قال جان مارك فالكون المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية إنه لا يوجد عناصر تشير إلى وجود تهديد آني لوقوع ، ولكن التهديد الإرهابي "ما زال مرتفعا جدا" في فرنسا والدول الأوروبية المشاركة في التحالف ضد تنظيم داعش. وقال فالكون في مقابلة مع صحيفة "جورنال دو ديمانش" الفرنسية، إن "أجهزة استخباراتنا تحلل يوميا مستوى التهديد. منذ أشهر عدة لا يزال مرتفعا جدا في فرنسا والدول الأوروبية، وأضاف أنه "بعد تجربة اعتداء نيس (في 14 تموز/يوليو الماضي في جنوب فرنسا)، يؤكد لنا هجوم برلين ضرورة اتخاذ إجراءات أمنية مكثفة، تشمل تحركات ومراقبة خلال التجمعات الكبيرة".
ويرى بعض الخبراء ان السلطات الفرنسية قد سعت الى اعتماد وإجراءات أمنية جديدة وخطط استباقية، تهدف الى ضرب وتحجيم دور تنظيم داعش الارهابي داخل وخارج فرنسا، من خلال دعم بعض الدول وجهات والقيام بعمليات خاصة، لاستهدف بعض العناصر والشخصيات الارهابية، وقد كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية في تقرير عن الكيفية التي تتخذ فيها القرارات وعلى أعلى المستويات في مؤسسات الجمهورية فيما يتعلق بتعقب وتصفية الأهداف الجهادية في سوريا والعراق وغيرها ضمن إطار الحرب ضد الإرهاب الإسلامي.
واعتمدت الصحيفة على وثائق سريّة تمكنت من الحصول عليها تتضمن نقاشات وترتيبات وإجراءات تنسيق مشترك بين إدارات الدولة الفرنسية (الجيش والمخابرات والقضاء والخارجية) وصولاً إلى الرئيس هولاند الذي، بحسب الصحيفة، يتخذ شخصياً بعد مشاورات مع مجلس دفاع مصغر القرارات الحساسة حول مصير الجهاديين الذين "يضرّون بالمصالح الفرنسية".
وتشرح الصحيفة أن أحد أبرز الهواجس المحيطة بالعمليات الخارجية ضد الجهاديين هي التسويغ القانوني للغارات التي تستهدف الفرنسيين منهم خاصة وعمليات قتلهم التي تتم خارج نطاق القضاء وتنفذها القوات الخاصة. وكانت مذكرة سرية لمجلس الدفاع مؤرخة في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 قد نصحت بتوخي الحذر مع الإعلام و"الحديث عن هجمات ضد مراكز تدريب الإرهابيين في سوريا حين يتعلق الأمر بضربات ضد أهداف قد يكون بينهم مقاتلون فرنسيون".
وتعتمد فرنسا في حربها ضد الإرهاب الجهادي على خليط من العمليات الاستخباراتية والتصفيات والضربات الجوية المركزة مازجة بذلك أساليب الحرب التقليدية وغير التقليدية، وآخذة بعين الاعتبار على وجه الخصوص أن عمليات استهداف الجهاديين من قبل الجيش والمخابرات الخارجية قد تضر بصورة الأجهزة وتجعلها عرضة للملاحقة القانونية في فرنسا.
وقد اعترف الرئيس هولاند خلال لقاءاته مع صحافيي "لوموند" بإصدار أوامر القيام بأربع عمليات من هذا النوع على الأقل دون أن يكشف أسماء الجهاديين الذين تمت تصفيتهم، غير أن الصحافي فانسان نوزي مؤلف كتاب "أخطاء قاتلة" قال إن عدد هذه العمليات يفوق بعشر مرات الرقم الذي قاله الرئيس. وهي عمليات يتم تصنيفها عادة تحت اسم "شؤون الدفاع السرية للغاية" وهو أعلى مستوى من السرية للوثائق الرسمية في الجمهورية الفرنسية.
بالإضافة للمخابرات الخارجية النافذة، تطرّق هولاند إلى الدور الذي تلعبه "القوات الخاصة" المرتبطة بقيادة الجيش في تصفية ما يسمى بـ"الأفراد ذوي القيمة العالية" من الجهاديين. وتدور هذه العمليات خاصة في منطقة الساحل الإفريقي منذ أن بدأت فرنسا تدخلها هناك عام 2013 وقد تمكنت، بحسب وثيقة صادرة عن المخابرات العسكرية، من تصفية 17 من جهاديي تنظيمي "القاعدة في المغرب الإسلامي" و"المرابطون". غير أن هذه العمليات قد تكون مدفوعة أحياناً بدافع الانتقام من جهاديين مارسوا أدوار مضرة بـ"المصالح الفرنسية"، عندها، يقول الرئيس، لا يكون واضحاً دائماً من يكون في السيارات المستهدفة حين يعطى أمر الضربة.
العراق أيضاً ولكن خاصة سوريا تشكلان المسرح الآخر للعمليات السرية الفرنسية منذ بدء تمدد تنظيم "داعش" في أراضي الدولتين والتي تكثفت على وجه التحديد مع العمليات الإرهابية التي تبناها التنظيم على الأراضي الفرنسية ضد جريدة "شارلي إيبدو". ووفق وثيقة عسكرية سرية مؤرخة في 17 حزيران/يونيو 2015، فقد قرر الرئيس "مواصلة دعمنا بشكل سري للمقاتلين الأكراد ضد "داعش" دون أن يكون هنالك تدخل فرنسي مباشر ولا حتى عبر طائرات مراقبة.
مع حلول خريف العام نفسه بدأت سياسة فرنسا بالتغير وانتقلت إلى "ضرب العدو في معقله" في ظل التهديد الكبير الذي شكله تنظيم "داعش" خاصة بعد هجومين فاشلين أولهما في نيسان/أبريل في ضاحية "فيلجويف" ثم في قطار "تاليس" في آب/أيلول. ومع مرور الوقت باتت المعلومات التي يحوزها الأمن الخارجي أكثر دقة لدرجة أنها نقلت إلى الرئيس صيف 2015 مخاوفها بشأن عبد الحميد أباعود، المقاتل البلجيكي مع تنظيم "داعش" في سوريا والذي يوصف بالعقل المدبر لهجمات باريس الإرهابية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
التصدي للمقاتلين الأجانب
وفي هذا الشأن قال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند خلال زيارة للعاصمة العراقية بغداد إن فرنسا ستحارب أي جهاديين فرنسيين تجدهم في ميادين القتال في العراق وستعتقلهم إذا عادوا لموطنهم وستعمل على نزع الفكر المتطرف عن أطفالهم. وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية إن هناك نحو 60 مواطنا فرنسيا يحاربون في صفوف متشددي تنظيم داعش في مدينة الموصل الشمالية فحسب وإن مئات آخرين في باقي أنحاء البلاد وفي سوريا. وقال أولوند خلال مؤتمر صحفي "سنحاربهم مثلما (نحارب) كل الجهاديين..لأنهم يهاجموننا ولأنهم يعدون لهجمات على أراضينا."
وتابع إنه سيتم احتواء أطفال المتشددين ونزع الفكر المتطرف منهم. وقال ."نستعد لهذه العودة ولكيفية التعامل مع هؤلاء الأطفال." وقال الرئيس الاشتراكي الذي تعرضت بلاده لسلسلة من هجمات المتشددين في العامين الماضيين إن الجنود الذين يخدمون في التحالف بقيادة الولايات المتحدة يحولون دون وقوع المزيد من عمليات القتل الجماعي في بلادهم. وقال أولوند "كل ما يسهم في إعادة إعمار العراق يعد خطوة إضافية لتجنب ضربات داعش على أراضينا."
وتراجعت شعبية أولوند بشدة منذ توليه السلطة وسط شعور بخيبة الأمل فيما يتعلق بإدارته للاقتصاد والأمن الوطني. وقال إنه لن يرشح نفسه مرة أخرى في انتخابات الرئاسة هذا العام. وحذرت شرطة الاتحاد الأوروبي (يوروبول) الشهر الماضي من خطر تزايد معدل عودة المقاتلين الأجانب. بحسب فرانس برس.
وتحارب القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة لطرد التنظيم من الموصل آخر معقل كبير له في البلاد لكنها تواجه مقاومة شرسة. وقال أولوند إن استعادة الموصل ستستغرق على الأرجح أسابيع. وقال "داعش تتقهقر وداعش ستهزم.. سيكون هذا عام النجاح هنا ضد الإرهاب."
حرب طويلة
الى جانب ذلك وخلال زيارته للعاصمة التشادية نجامينا، قال رئيس الحكومة الفرنسية برنار كازنوف أن بلاده تقف إلى جانب تشاد في أزمتها الاقتصادية والاجتماعية، وفي حريها ضد الجهاديين المنتشرين في منطقة الساحل. وتشارك نجامينا في مكافحة "بوكو حرام" على الحدود بين تشاد والنيجر، بعد أن تدخل الجيش التشادي إلى جانب الجيش الفرنسي في 2013 في مالي، في إطار قوة الأمم المتحدة التي يشكل أحد مكوناتها.
واعتبر رئيس الوزراء الفرنسي برنار كازنوف أنه يجب "الاستعداد لحرب طويلة" ضد الإرهاب، مشددا على دعم فرنسا لتشاد في مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها، وعلى دورها المهم في مكافحة الجهاديين في منطقة الساحل. وقال كازنوف إن "مكافحة الإرهاب يجب شنها داخل حدودنا، ولكن أيضا خارجها". واختار رئيس الحكومة الفرنسية في أول رحلة إلى الخارج منذ تعيينه في السادس من كانون الأول/ديسمبر، منطقة في صلب الرهانات الأمنية لفرنسا وأوروبا، نظرا لبؤر الجهاديين العديدة التي تضمها.
وأضاف كازنوف عقب لقاء جمعه بالرئيس إدريس ديبي إيتنو أنه "من أجل أن تكون هذه المكافحة ذات فعالية في الخارج، يجب أن تكون لدينا شراكات مع دول صديقة تلتزم بالمدة وتتيح نجاح هذه الحرب التي ستكون معركة نفس طويل". وأشار أيضا إلى أن "فرنسا إلى جانب تشاد في أزمتها الاقتصادية والاجتماعية". كازنوف: "علينا مضاعفة الجهود للاستعداد لحرب طويلة" ضد الإرهاب.
وزار كازنوف القوة الفرنسية برخان ومقر قيادتها في نجامينا، والتي تضم نحو أربعة آلاف رجل في خمس دول في منطقة الساحل هي مالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا. وقال رئيس الوزراء الفرنسي أمام الجنود إن "على بلدنا الاستمرار في اتخاذ خيارات ميزانية طموحة وواضحة لصالح قواتنا المسلحة". واعتبر كازنوف أنه يجب "مضاعفة" الجهود لأنه "علينا الاستعداد لحرب طويلة في بيئة استراتيجية تغيرت بشكل جوهري"، لافتا إلى أنه "لا يمكن لأي حكومة أن تعفي نفسها من مسؤولية مماثلة". وتابع "نحن نعلم أننا مدينون لكم في جهودكم لمكافحة الإرهاب"، معربا عن "الامتنان العميق" للعسكريين المتواجدين. وأضاف "أنتم تعرضون حياتكم للخطر من أجل إنقاذ حيات الآخرين".
وتستهدف القوات المالية والفرنسية وقوات الأمم المتحدة باستمرار بهجمات يسقط فيها قتلى في الشمال. لكن منذ 2015 امتدت هذه الهجمات لتطال مناطق أخرى من البلاد. وقتل أربعة جنود فرنسيين في مالي في 2016، بينما خطفت صوفي بيترونان التي تعمل في القطاع الإنساني في غاو (شمال)، حيث يتركز الجزء الأكبر من قوات برخان في مالي (أكثر من ألف جندي فرنسي). ورافق كازنوف في زيارته وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان. وتشهد تشاد، الحليفة الإستراتيجية للغرب ضد الجهاديين والواقعة على الحدود بين شمال أفريقيا وأفريقيا السوداء، أزمة عميقة تهز نظام إدريس ديبي المستبد الذي يحكم البلاد منذ 1990.
ويعاني هذا البد الفقير الذي يضم 12 مليون نسمة، من تراجع عائدات النفط، الأمر الذي يضر باقتصاده وماليته بينما يخوض عملية مكلفة لمكافحة جماعة "بوكو حرام" المتطرفة. وتعول المعارضة السياسية، التي تعترض بشدة على إعادة انتخاب ديبي رئيسا في نيسان/أبريل وتتهمه "بخطف" الانتخابات، على الأجواء الاجتماعية القابلة للانفجار، مع تظاهرات وإضرابات واعتقالات تطال صفوف الناشطين.
وكان ديبي اضطر للعودة على عجل من مراكش، حيث كان يحضر قمة أفريقية على هامش المؤتمر الدولي للمناخ، إلى نجامينا حيث كانت حكومته مهددة بمذكرة لحجب الثقة عنها. ويحظى ديبي، العسكري الذي درس في باريس والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، بدعم باريس وواشنطن اللتين تحتاجان الى جيشه في المنطقة. وقدمت فرنسا مساعدة مالية للميزانية التشادية قدرها خمسة ملايين يورو ومساعدة إنسانية عاجلة تبلغ ثلاثة ملايين يورو في 2016، كما قالت رئاسة الحكومة الفرنسية. وهي تدعم الجيش التشادي الذي يعد أحد أقوى جيوش المنطقة بالاستخبارات والمساندة اللوجستية والمادية. بحسب فرانس برس.
وتشارك نجامينا فعليا في مكافحة "بوكو حرام" على الحدود بين تشاد والنيجر. والجماعة تبدو أنها أضعفت عسكريا لكنها ما زالت تتمتع بقوة كبيرة على إلحاق الضرر بهجمات انتحارية. وكان الجنود التشاديون تدخلوا إلى جانب الجيش الفرنسي في 2013 في مالي ودفعوا ثمنا باهظا منذ ذلك الحين في إطار قوة الأمم المتحدة التي يشكلون أحد مكوناتها.
هجمات جديدة
على صعيد متصل قال فرانسوا مولان مدعي عام باريس إن خمسة مشتبها بهم اعتقلوا في فرنسا للاشتباه في تخطيطهم لهجمات على أهداف في العاصمة باريس وحولها تلقوا توجيهات من متشددين من تنظيم داعش في العراق وسوريا. وقالت السلطات في وقت سابق إن الهجمات كانت مزمعة ضد مقرات للشرطة والمخابرات في باريس بالإضافة إلى متنزه ديزني لاند باريس. وزاد تأكيد المدعي العام على أن فرنسا معرضة لتهديد مباشر من هجمات مقاتلي تنظيم داعش التوتر في البلاد في خضم الحملات الانتخابية قبيل انتخابات تمهيدية لاختيار مرشح يمين الوسط لخوض السباق الرئاسي في العام المقبل.
وما زالت فرنسا تخضع لحالة الطوارئ حيث يقوم الجنود بدوريات في شوارع العاصمة على أثر هجمات بالقنابل والرصاص لمتشددين إسلاميين في نوفمبر تشرين الثاني عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصا. وقال مولان في مؤتمر صحفي "أحبطنا هجوما وشيكا." وأضاف "صدرت أوامر لفرقة خاصة في ستراسبورج وأيضا لرجل اعتقل في مرسيليا لاقتناء أسلحة. أعطيت الأوامر عن طريق قيادي من المنطقة السورية العراقية عبر تطبيقات مشفرة." وأشار مولان إلى أنه تم العثور على وثائق مكتوبة بخط اليد تعلن الولاء لتنظيم داعش وتمجد الاستشهاد في منزل في ستراسبورج بشرق فرنسا. بحسب رويترز.
وأوضح أن اثنين من المشتبه بهم الخمسة سافرا إلى الحدود التركية السورية عبر قبرص في مارس آذار عام 2015 كما أشار إلى أن أربعة من الرجال فرنسيون في حين أن الخامس مغربي. وفي سياق منفصل قالت مصادر مطلعة إن الشرطة تواصل البحث عن مسلح بعد العثور على جثة امرأة في دار للمسنين حيث يعيش نحو 60 من الرهبان على مقربة من مونبلييه في جنوب غرب فرنسا. وقال مصدر إن موظفة في الدار اتصلت بالشرطة بعدما حررت نفسها بعد أن كبلها وكممها المهاجم.