أهمية تعديل الدستور العراقي للمضي نحو الإصلاح المنشود

د. علاء إبراهيم محمود الحسيني

2025-08-11 05:36

التعديل عامة يعني إحداث تغييرات في البناء الذاتي للوثيقة الدستورية، فهنالك العديد من العوامل التي تحتم إعادة النظر ببعض النصوص التي تقادمت بمرور الزمان، أو ثبت أنها لا تتلاءم مع البيئة القانونية للدولة فيصار إلى تعديلها، بما يحقق وثيقة دستورية أكثر انسجاماً وتماسكاً حيث ان دخول أي وثيقة قانونية حيز النفاذ يكشف التطبيق العملي لها ما اشتملت عليه من ثغرات فيستحسن ان يتم تعديلها لتجاوز ما تقدم، وأسباب التعديل الدستوري عديدة منها الآتي:

1- الاستجابة للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية: إذ تتقادم الأحكام القانونية بمرور الزمان وتعجز عن مسايرة التطورات والتغييرات فيحدث الانفصام بين الواقع الفعلي والقانوني، ولا سبيل للحيلولة دون ذلك إلا بالتعديل الدستوري والقانوني المناسب وهنا يلعب الوقت دوراً حاسماً إذ ان التعنت والتأخير والمماطلة تقود إلى ما لا يحمد عقباه، ولنا في الدول المجاورة والقريبة مثالاً بالغ الوضوح حين عجز نظامها السياسي عن التطور ومسايرة التغيير فكان السقوط والانهيار مصيره المحتوم.

2- مسايرة التغييرات التي تقع في الرأي العام: الذي يعطي صورة واضحة عن تطلعات الشعب وأماله واتجاهاته فحين تتغير بوصلة المالك الشرعي للسلطة ويتطلع إلى إحداث تغيير هيكلي أو شخصي في السلطة الحاكمة فلابد ان يستجيب القابض على شؤون السلطة وإلا قد يتعرض لثورة شعبية تطيح بنظام الحكم، فهنالك حاجة ملحة للاستجابة المبكرة للإرادة العامة، فمن نافلة القول إن الإرادة العامة تتغير بتوالي الأجيال فلا يمكن لجيل معين ان يكبل بإرادته الأجيال اللاحقة، وقد كان للرأي العام كلمته العليا بالرغبة الحقيقية بالتغيير لاسيما بعد الحركات الشعبية الكبرى التي توجت بحراك العام 2015، 2019، والحراك شبه اليومي في محافظات إقليم كردستان المنتفضة على الواقع المؤلم هناك.

3- الاستجابة للتغييرات التي تحصل في المجتمع الدولي والنظام العالمي: فالدولة التي تنكفأ على نفسها وترفض الاستجابة تفشل في مسايرة التغييرات وتتخلف عن ركب العالم وقد يكون ذلك بابا للتغيير الشامل في الدولة بالقوة والتدخل الخارجي غير المرغوب فيه طبعاً.

4- الخروج من الحروب والأزمات الكبرى: يكون التغيير الدستوري واجباً للاستجابة للمتغيرات والتكييف مع النتائج ومحاولة للتصويب وإصلاح الأخطاء التي كانت سبباً لما تقدم أو مانعاً يحول دون وقوع المحذور من نتائج سلبية، فالتغيير مفتاح لتقصي مواطن القوة والبناء عليها وتعزيزها طبعاً.

 وبالعادة يتوقع المشرع الدستوري وهو بصدد صياغة الوثيقة الدستورية حصول ما تقدم فينظم مسألة التعديل المتوقع للنصوص الدستورية بل تحدثنا التجارب الدولية ان بعض الدساتير نظمت إمكانية التعديل الشامل أو الكلي وليس الجزئي فحسب وهذا ما أشار إليه الدستور السويسري للعام 1848، أما بقية الدساتير حول العالم فنادرا ان لا تنظم مسألة التعديل الجزئي ومنها مثلا الدستور العراقي الحالي الذي نظم ما تقدم بالمادة (126) والتي ورد فيها (أولاً: لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس (1/ 5) أعضاء مجلس النواب، اقتراح تعديل الدستور. ثانياً: لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الأول والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، الا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناء على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام. ثالثاً: لا يجوز تعديل المواد الأخرى غير المنصوص عليها في البند (ثانيا) من هذه المادة إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام. رابعاً: لا يجوز اجراء أي تعديل على مواد الدستور من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني وموافقة أغلبية سكانه باستفتاء عام).

وعندها نتساءل عن مرور مدة عشرين سنة على وثيقة دستورية وضعت في ظروف مضطربة وعانت من الضعف الصياغي والاختلال الموضوعي والانفصال شبه التام عن البيئة العراقية الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية أليست هذه المدة كافية للتفكير الجدي بإعادة النظر بها في ضوء الواقع العراقي والإقليمي والدولي المعاصر؟

 في الوقت الذي نتحدث فيه عن التعديل الحتمي للدستور نستذكر مرور العراق بالعديد من الأزمات والمشكلات المفصلية التي ألقت بظلالها على البلد والمجتمع والاقتصاد، أليس من العدالة ان نعود إلى السلطة التأسيسية الأصلية (الشعب) الذي يعبر عنه الدستور الحالي بالمادة (5) بأنه (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية) لنسأله مرة أخرى عن تقييمه لهذه الوثيقة ورأيه في استمرارها ام تعديلها واختيار طريقة التعديل بعيداً عن الأحزاب القابضة على السلطة بإجراء انتخابات على مستوى العراق لاختيار لجنة صياغة التعديلات تضم ممثل عن كل محافظة عراقية على الأقل.

 وليس ان تتشكل بواسطة البرلمان فتغيب القوى الوطنية وتحضر القوى الحزبية التي تمثل الأيدلوجيات المتناحرة في العلن المتفقة في الواقع على استنزاف خيرات البلاد والسير بالعباد إلى المجهول إرضاءً لطموحات شخصية وتطلعات أسرية ضيقة بعيدة كل البعد عن المصلحة الوطنية، ثم ليعرض المشروع المعد من هذه اللجنة على الشعب لاختياره وفق آلية الاستفتاء الدستوري ليلبس التعديل ثوب المشروعية الحقيقية ويكون أكثر اتفاقاً مع المذهب الديمقراطي، سواء أكان هذا التعديل جذري من شأنه ان يغير من بنية السلطات العامة وشكل الدولة أو نظام الحكم فيها فيعمد إلى التغيير في السلطات العامة من حيث تشكيلها او اختصاصاتها، أو كان تغييراً شكلياً جزئياً غير مؤثر فيما تقدم على نحو عميق، بعبارة أخرى نحن نطمح إلى إحداث تغيير في الوثيقة الدستورية بتبديل الأحكام القانونية التي تضمنتها بالإضافة أو الحذف علها تكون الباب المشرع لتقويض المشكلات المؤجلة منذ العام 2005 من قبل البرلمان والحكومات المتتالية ومنها على سبيل المثال:

1- تشكيل الأقاليم الجديدة من عدمه واختصاصات الأقاليم في مجال الثروات الطبيعية، والعلاقات الخارجية، وغيرها من المسائل السيادية.

2- استحداث محافظات وأقضيه جديدة، واختصاصات المحافظات والمركز القانوني للمحافظ، ونقل الاختصاصات من الوزارات الاتحادية إلى المحافظات أو بالعكس.

3- قانون النفط والغاز، وملف المياه من خارج حدود العراق وتقاسمها داخل البلاد.

4- قانون مجلس الاتحاد المعطل منذ نيف وعشرين سنة.

5- قانون المحكمة الاتحادية العليا التي تأخر تشكيلها وفق الدستور، ونشير إلى الخلاف الذي حصل بين المحكمة ومحكمة التمييز الاتحادية خلال الفترة المنصرمة ما أضعف من القيمة الأدبية والقانونية لأحكامها.

6- المركز الدستوري لرئيس الجمهورية.

7- المركز القانوني لعضو مجلس النواب.

8- ملف الانتخابات والتخبط المتكرر في اختيار النظام الانتخابي والتردد في اختيار الأساليب الأكثر اتفاقاً مع المبدأ الديمقراطي والتردي في اختيار طريقة سانت ليكو المعدل التي تتفق مع تطلعات ومصالح الأحزاب والكتل الكبرى في المشهد السياسي.

 فمن الواضح ان الغاية الأساسية من وضع الدستور في كل العالم هو إسباغ الشرعية على الهيئات العامة (تشريعية وتنفيذية وقضائية) ولما كان واضع الدستور إنسان فبالتأكيد تجري على ما يصدر عنه سنة الخطأ أو النقص ومن الأولى تجاوز ذلك في التعديلات اللاحقة، التي من شأنها ان تسد مواطن الضعف وتنير المواطن التي تشوبها شائبة الغموض والإبهام وتقضي على آفة النقص التي غالباً ما تستثمر عند التفسير للوصول إلى معاني بعيدة كل البعد عن إرادة المؤسس الدستوري الأصلي (الشعب) لأنها وببساطة لا تتفق مع مصالح الشعب الآنية أو المستقبلية، فمن الثابت ان الحياة العامة بكل جوانبها (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) في حالة من التطور المستمر، ولابد من مواكبة الوثيقة الدستورية لتلك الأوضاع وإلا سيحصل انفصام بين الواقع والنص الدستوري ما يتسبب بـ(التعطيل الفعلي للنصوص) وهو ما نراه اليوم في العراق بأم العين فلو نظرنا إلى المادة (92) من الدستور العراقي النافذ التي تنص على ان تتشكل المحكمة الاتحادية العليا من (عدد من القضاة وخبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء القانون، يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب) بينما الواقع ان قانون المحكمة رقم (30) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم (25) لسنة 2021 ينص على ان تتألف من القضاة فقط أفليس ما تقدم تعطيلاً فعلياً للدستور.

 ومن الثابت ان النصوص الدستورية بالعادة تعكس الحاجات الحقيقية للبيئة التي تطبق فيها، فالنظام البرلماني أو الرئاسي أو الميال إلى البرلماني حين يطبق في دولة ما ويلاقي ذلك نجاحاً ليس بالضرورة ان ينجح بذات الكيفية في دول أخرى، ولنا في العراق المثال الأبرز فالتعددية الحزبية التي تدل على تبني المبدأ الديمقراطي والتي نجحت في دول كثيرة مثل ألمانيا الاتحادية وفرنسا وبلجيكا وغيرها لم تحقق نجاحاً يشار إليه في العراق ولم تفضي إلى الانتصار للمبدأ الديمقراطي على المستوى الذاتي أو الداخلي للحزب على أقل تقدير، فكيف نأمل منها ان تبني نظام ديمقراطي على المستوى الوطني أو المحلي؟ وتتهم بعض الأحزاب إنها (أس) الفساد الإداري والمالي في العراق لما تملكه من لجان اقتصادية ومافيات تتلاعب بالاقتصاد الوطني العراقي.

 وفي الوقت الذي نؤمن ان الدستور هو القانون الأسمى في البلاد بيد إننا نؤمن أيضاً أن هذه الوثيقة هي البوابة الطبيعية المؤدية إلى الإصلاح على جميع الأصعدة، لاسيما ان علمنا ان الحياة الحرة الكريمة التي ينشدها الشعب العراقي الكريم لا تتحقق إلا بالاستقرار القانوني وبالأخص الدستوري ومن ثم يبدأ الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2025

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

ذات صلة

زيارة الأربعين: منكرٌ يتبدد ومعروفٌ يتجسدطريق الحسين طريق الله: عندما تلتقي الخطوات بالمعنى الأسمىبين الحبر والدم.. صلح الحسن وثورة الحسين في ملحمة الإمامةالدين والدولة.. إشكالية التعارض وأفق التكاملسوريا والعراق: تداخل المصالح والمخاطر في خرائط الشرق الأوسط الجديدة