اليمن: حرب استنزاف مفتوحة النهايات

عبد الامير رويح

2016-11-30 08:20

يبدو أن نهاية الحرب في اليمن وعلى الرغم من الجهود الدولية المتواصلة، ما تزال وكما يرى بعض الخبراء، بعيدة بسبب اختلاف وجهات النظر بين الخصوم والتدخلات الخارجية التي فاقمت الازمة واسهمت في تدمير البلاد، حيث سعت المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف العربي من اجل دعم حليفها الاول في اليمن عبده ربه منصور هادي، الى تصعيد هجماتها العسكرية لاستهداف وتدمير القوة العسكرية للحوثيين، التي تنظر إليهم الرياض كما تنقل بعض المصادر بوصفهم ذراع إيران في اليمن، واكدت على أن يكون الحسم العسكري هو الفيصل الوحيد لهذه الحرب، التي اعتقدت انها ستكون قصيرة إلا أن خسائرها المتلاحقة اجبرتها على تغير بعض خططها وقراراتها السابقة، خصوصا وانها تواجه اليوم بسبب اخطائها العسكرية واستهدافها المباشر للمدنيين والبنى التحتية واتهامها بارتكاب جرائم حرب، ضغوطًا هائلة من بعض القوى والحكومات هذا بالإضافة الى تفاقم مشكلاتها وازماتها الداخلية بسبب تراجع اسعار النفط في الاسواق العالمية.

الامر الذي اجبرها على تقديم تنازلات إضافية من اجل الوصول الى حل سياسي في اليمن، ويرى بعض المراقبين ان المملكة وعلى الرغم مما تقدم، ماتزال تسعى الى عرقلة بعض الجهود والمبادرات الدولية من اجل الخروج بموقف المنتصر، حيث اكدت بعض المصادر إن التحالف العربي، الذي تقوده المملكة السعودية استأنف توجيه ضرباته إلى مواقع الحوثيين بعد هدنة جديدة لم تدم طويلا بتهمة.

وبحسب تصريح المتحدث باسم التحالف أحمد عسيري، فقد رُصد خلال الساعات الأولى من الهدنة أكثر من 180 خرقا له. فيما يتهم الحوثيون السعوديين، قائلين إن الهدنة فرضت عليهم خصيصا لإفشال الاتفاقات التي تم التوصل اليها خلال زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري إلى عُمان. وبهذه الطريقة، انتهت هدنة أخرى لعلها لن تكون الأخيرة في الحرب اليمنية، التي اندلعت عام 2014 وأودت بحياة 10 آلاف شخص، وعرَّضت البلاد لكارثة إنسانية.

غارات ومعارك

وفي هذا الشأن اوقعت المعارك والغارات الجوية 27 قتيلا على الاقل في اليمن وذلك رغم اعلان وزير الخارجية الاميركي جون كيري عن هدنة في هذا البلد الذي يشهد حربا منذ نحو 20 شهرا، بحسب ما افادت مصادر عسكرية. وكانت الحكومة اليمنية رفضت المقترح الاميركي بوقف اطلاق النار. وقال التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ويدعم حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، انه ليس هناك طلب من الحكومة اليمنية بوقف اطلاق النار.

واضاف اللواء احمد عسيري المتحدث باسم التحالف انه "بالتالي فان عمليات الجيش اليمني المدعومة من التحالف مستمرة". وتكثفت المواجهات حول مدينة تعز (جنوب غرب) ثالث اكبر المدن اليمنية حيث سقط تسعة قتلى على الاقل من الطرفين، بحسب مصادر عسكرية يمنية. وشنت قوات هادي قبل ايام عملية واسعة النطاق لاستعادة القصر الرئاسي ومقر قيادة الشرطة في ضواحي تعز. وفي محافظة شبوة شرقا، قتل سبعة من المتمردين وخمسة من الجنود الحكوميين في معارك في عسيلان الغنية بالنفط والتي يتنازع عليها الطرفان منذ اكثر من عام، بحسب مصادر عسكرية اخرى. بحسب فرانس برس.

وفي الشمال نفذ طيران التحالف عدة غارات في صعدة معقل الحوثيين وفي نهم وصرواح جبهتي القتال في شمال العاصمة صنعاء وشرقها حيث سجلت معارك عنيفة، بحسب المصادر ذاتها. كما اشارت المصادر ذاتها الى مقتل ستة من المتمردين في كمين نصب لهم في محافظة البيضاء (وسط). ولم تخف وتيرة المعارك على ما يبدو رغم اعلان كيري عن مبادرة جديدة للسلام في اليمن تنص على هدنة وتشكيل حكومة وحدة وطنية قبل نهاية 2016. ورفضت حكومة هادي فورا هذه المبادرة. وتشترط الحكومة انسحاب الحوثيين من صنعاء وتسليم الاسلحة الثقيلة التي استولوا عليها، كمقدمة لأية تسوية سياسية. واكد الحوثيون وحلفاؤهم من انصار الرئيس الاسبق علي عبد الله صالح، موافقتهم على بنود مبادرة كيري في وثيقة نشرتها قناة "المسيرة".

وقال سكان في العاصمة صنعاء إن طائرات حربية تابعة للتحالف العربي قصفت قواعد عسكرية في جبل مطل على المدينة وهزت قوة الانفجارات مباني في عدة أحياء بالمدينة. وصنعاء واقعة تحت سيطرة حركة الحوثي التي لا تزال تهيمن على مساحات واسعة من اليمن رغم نجاح الحملة العسكرية التي يشنها التحالف في استعادة بعض الأراضي لكنهم لم ينجحوا حتى الآن في إعادة هادي للسلطة.

وقال مسؤول من التحالف الذي تقوده السعودية إن التحالف يريد من المجتمع الدولي نشر مراقبين محايدين على الأرض للمساعدة في مراقبة أي هدنة في المستقبل. وفي إشارة إلى حكومة هادي قال المسؤول "كي نعلن وقفا لإطلاق النار في المستقبل فإن مراقبين على الأرض يتحققون من أي هدنة هو ما يتطلع إليه التحالف شريطة أن توافق عليه الحكومة اليمنية الشرعية." وأضاف المسؤول أن التحالف سجل 563 انتهاكا للهدنة من قبل الحوثيين وحلفائهم في الجيش اليمني داخل البلاد خلال الهدنة الأخيرة و163 انتهاكا آخر على الحدود مع السعودية.

ورفض راجح بادي المتحدث باسم الحكومة اليمنية التي تعمل من الخارج التعليق على النشر المقترح لمراقبين لكنه قال إن انتهاكات الحوثيين جعلت تمديد الهدنة بلا معنى. وقال متحدث باسم قوات الجيش الموالية للحوثيين في بيان إن التحالف والقوات الموالية لهادي انتهكت الهدنة 114 مرة وإن قواته احتفظت بحق الرد على الانتهاكات. وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أعلن في زيارة لسلطنة عمان أن الطرفين وافقا على اتفاق يقضي بانسحاب الحوثيين من المدن الرئيسية باليمن وأن تتولى الفصائل تشكيل حكومة وحدة وطنية. لكن حكومة هادي رفضت الإعلان بأن الأطراف المتحاربة وافقت على هدنة مفتوحة وأنها تعمل على تشكيل حكومة مشتركة. وقالت حكومة هادي إنه لم يجر استشارتها بشأن الاتفاق وقال الحوثيون إن هدف وقف إطلاق النار تقويض الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عمان.

في السياق ذاته قالت جماعة الحوثي اليمنية إنها مستعدة لوقف القتال والانضمام لحكومة وحدة وطنية وهو ما يبعث الأمل في حل الصراع الذي أسقط حتى الآن أكثر من عشرة آلاف قتيل. وقال محمد البخيتي عضو المجلس السياسي لجماعة أنصار الله التابعة لجماعة الحوثي إن السعودية "وافقت على مبدأ وقف الحرب." ولم يصدر أي تأكيد رسمي من الرياض. وأضاف البخيتي أن "موقف أنصار الله كان ولا يزال مع وقف الحرب وتشكيل حكومة وحدة وطنية تستوعب جميع المكونات السياسية وبالتالي لا جديد في موقفنا." وقال البخيتي "الجديد هو في موقف السعودية التي وافقت على مبدأ وقف الحرب على أساس أنها أحد أطراف الصراع." وبعد تفجيرات وهجمات أخرى على مدى شهور لم يظهر طرف باعتباره القوة المهيمنة في حرب أسفرت عن نزوح أكثر من ثلاثة ملايين شخص ودفعت قطاعات من السكان إلى شفا المجاعة في حين توفرت الفرصة لأحد أقوى فروع تنظيم القاعدة للتوسع في عملياته.

خطة جديدة

الى جانب ذلك كشف دبلوماسيون يروجون لخطة الأمم المتحدة لإنهاء حرب اليمن عن دعم يشوبه الحذر من جانب السعودية لأفكار تضمنتها الخطة مما يبعث الأمل في إمكانية أن تحرك الاقتراحات جهود إنهاء الصراع المستمر منذ 19 شهرا والأزمة الإنسانية الآخذة في التدهور. وتقترح خطة الأمم المتحدة أن يسلم هادي صلاحياته إلى نائب أقل تسببا في الشقاق في مقابل انسحاب الحوثيين من عدد من المدن الرئيسية.

وبينما رفض الطرفان الخطة بصورة غير رسمية قال دبلوماسي بارز في الأمم المتحدة إن السعودية يبدو بشكل كبير أنها قبلت المبادرة وشجعت هادي على التعامل معها. وقالت الإمارات وهي دولة عضو في التحالف إنها تدعم الخطة. وقال كاتب سعودي معروف في مقال إن خطة الأمم المتحدة تستحق مزيدا من الدراسة. وكتب عبد الرحمن الراشد في صحيفة عرب نيوز اليومية يقول إن "الحكومة الشرعية تسرعت في رفض مبادرة السلام... الدفع للتوافق يتطلب من الطرفين دفع ثمن." وقال "قطعا سنرحب بدعم الرئيس هادي إذا كان قادرا على فرض حل أفضل سواء بالقوة أو بالاتفاق. لكننا نعلم أن الوضع ليس كذلك."

وشنت السعودية "عملية عاصفة الحزم" في اليمن في مارس آذار 2015. وأحد أسباب شن الحملة هو توجيه رسالة إلى إيران مفادها أنها ستواجه بالقوة طموحاتها السياسية في العالم العربي. وقال مصدر دبلوماسي يمني طلب أيضا عدم نشر اسمه إن غالبية قادة السعودية وافقوا على الخطة وليس جميعهم. وأضاف المصدر أن مخاوف السعودية والمسؤولين الحوثيين بشأن انسحاب الجماعة من المراكز السكانية اليمنية هي مسألة تتعامل معها سلطنة عمان كطرف محايد في الصراع. وقال المصدر "إن السعوديين قلقون من عدم وفاء الحوثيين بالتزاماتهم في حين يخشى الحوثيون تعرضهم للهجوم. وأبلغت عمان السعوديين بأنها ستستخدم نفوذها لدى الحوثيين لضمان الانسحاب وفقا لخطة الأمم المتحدة."

من جانب اخر قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن إسماعيل ولد شيخ أحمد إن شعب اليمن أسير "للقرارات السياسية الشخصية المتهورة". وقال ولد شيخ أحمد للمجلس إن رفض الخطة "يظهر أن النخبة السياسية في اليمن لا تزال عاجزة عن تجاوز خلافاتها وتغليب المصلحة الوطنية العامة على المصالح الشخصية." وقال ولد شيخ أحمد "إن مسؤولية الوفود الآن أن تجعل الأولوية للسلام وليس للأجندات الحزبية" مضيفا أنه سيعود لبدء المشاورات مع الطرفين رغم الرفض "غير الرسمي".

وأبلغ السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة ماثيو رايكروفت المجلس المؤلف من 15 عضوا أنه سيصوغ مسودة قرار للأمم المتحدة يدعو كل الأطراف للعودة إلى المفاوضات على أساس خطة الأمم المتحدة للسلام وتطبيق هدنة فورية. ووصفت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سامنثا باور خطة الأمم المتحدة بأنها "ذات مصداقية ومتوازنة." وقالت للمجلس "خطة الطريق هي أساس لمفاوضات. هذا ليس مقترحا بالقبول أو الرفض. الآن ليس الوقت الذي تقوم فيه أي من الأطراف بالتملص والمماطلة أو فرض شروط جديدة. على الأطراف أن تتحاور مع المبعوث الخاص." بحسب رويترز.

ووجهت انتقادات للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية والذي تدعمه الولايات المتحدة بريطانيا بسبب قتل المدنيين. وقالت باور "ستواصل الولايات المتحدة التأكيد على التحالف باتخاذ كل التدابير الممكنة لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين والاستهداف بدقة بما في ذلك التحقق من الأهداف في قائمة المواقع الممنوعة من الضرب".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي