الجذور الغربية للإرهاب المناهض للغرب
بروجيكت سنديكيت
2015-11-18 05:43
براهما تشيلاني
برلين ــ كانت الهجمات المروعة التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية في باريس بمثابة تَذكِرة صارخة بأن القوى الغربية عاجزة عن احتواء العواقب غير المقصودة الناجمة عن تدخلاتها في الشرق الأوسط ــ ناهيك عن عزل نفسها عنها. فقد تسبب تفكك سوريا والعراق وليبيا، جنباً إلى جنب مع الحرب الأهلية التي تمزق اليمن إربا، في خلق ميادين قتل شاسعة، وتوليد موجات من اللاجئين، وإفراز جماعات من المتشددين الإسلاميين سوف تظل تشكل تهديداً للأمن الدولي لسنوات قادمة. ولم يكن إسهام الغرب في كل هذا قليلا.
من الواضح أن التدخل الغربي في الشرق الأوسط ليس ظاهرة جديدة. فباستثناء إيران، ومصر، وتركيا، كانت كل القوى الكبرى في الشرق الأوسط كيانات أنشأها البريطانيون والفرنسيون إلى حد كبير. ولا تمثل التدخلات التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق منذ عام 2001 سوى المحاولة الأحدث من قِبَل القوى الغربية لإعادة تشكيل وصياغة المشهد الجيوسياسي للمنطقة.
بيد أن هذه القوى كانت تفضل دوماً التدخل من خلال وكيل، وتُفضي هذه الاستراتيجية ــ تدريب وتمويل وتسليح الجهاديين المحسوبين على "التيار المعتدل" للقتال ضد "المتطرفين" ــ إلى نتائج عكسية اليوم. وعلى الرغم من البراهين والأدلة المتكررة التي أثبتت خطأ هذه الحسابات، ظلت القوى الغربية متشبثة بنهج يهدد أمنها الداخلي ويعرضه للخطر.
لابد أن يكون من الواضح أن أولئك الذين يشنون الجهاد العنيف لا يجوز اعتبارهم من المعتدلين أبدا. ولكن حتى برغم الاعتراف بأن أغلبية من أعضاء الجيش السوري الحر المدربين على يد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية هجروه وانضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية، تعهدت الولايات المتحدة مؤخراً بتقديم ما يقرب من 100 مليون دولار أميركي كمساعدات جديدة لمتمردين سوريين.
وكانت فرنسا أيضاً توزع المساعدات على متمردين سوريين، وقد بدأت مؤخراً تشن ضربات جوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وهذا هو على وجه التحديد السبب وراء استهداف فرنسا. فقد ذكر شهود عيان أن المهاجمين عند قاعة الحفلات الموسيقية باتاكلان في باريس ــ حيث قُتِل أغلب ضحايا تلك الليلة ــ أعلنوا أن من يتحمل المسؤولية عن أفعالهم هو الرئيس فرانسوا هولاند. وكانوا يصرخون قائلين: "ما كان له أن يتدخل في سوريا".
من المؤكد أن فرنسا مستقِلة الفكر تقليدياً وتتسم سياستها الخارجية بالحس العملي، وهو ما انعكس في معارضتها لغزو واحتلال العراق بقيادة الولايات المتحدة في عام 2003. ولكن بعد أن أصبح نيكولا ساركوزي رئيساً في عام 2007، عكفت فرنسا على المواءمة بشكل أكثر قوة بين سياساتها وسياسات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فشاركت بنشاط في إسقاط الزعيم الليبي معمر القذافي عام 2011. وبعد قدوم هولاند خلفاً لساركوزي في عام 2012، برزت فرنسا باعتبارها واحدة من أكثر بلدان العالم تدخلاً في شؤون الغير، فنفذت عمليات عسكرية في جمهورية أفريقيا الوسطى، وكوت ديفوار، ومالي، ومنطقة الساحل، والصومال قبل أن تشن ضرباتها الجوية في سوريا.
وتُهمِل مثل هذه التدخلات دورس التاريخ. فالأمر ببساطة أن كل التدخلات الغربية تقريباً هذا القرن أفضت إلى عواقب لم تكن متوقعة، وهي العواقب التي امتدت عبر الحدود واستحثت في نهاية المطاف تدخلات أخرى.
ولم يكن الأمر مختلفاً في أواخر القرن العشرين. ففي الثمانينيات، في عهد الرئيس رونالد ريجان، دربت الولايات المتحدة (بتمويل من المملكة العربية السعودية) الآلاف من المتطرفين الإسلاميين لمحاربة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. وكانت النتيجة ظهور تنظيم القاعدة، الذي اتخذ الرئيس جورج دبليو بوش تصرفاته مبرراً لغزو أفغانستان، وذريعة لغزو العراق. وكما اعترفت هيلاري كلينتون في عام 2010، بوصفها وزيرة خارجية الولايات المتحدة آنذاك: "لقد قمنا بتدريبهم، وتجهيزهم بالعتاد، ومولناهم، بما في ذلك شخص يدعى أسامة بن لادن... ولم تكن النتائج مُرضية على الإطلاق".
ولكن برغم هذا، وفي تجاهل لهذا الدرس، تدخلت القوى الغربية في ليبيا لإسقاط القذافي، الأمر الذي أدى في واقع الأمر إلى خلق قلعة جهادية على العتبة الجنوبية لأوروبا، في حين فتح الطريق لتدفق الأسلحة والمقاتلين إلى بلدان أخرى. وكانت هذه النتيجة على وجه التحديد هي التي حفزت التدخلات الفرنسية المضادة للإرهاب في مالي ومنطقة الساحل.
ولم تكد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تتوقف لالتقاط أنفاسها حتى تحركت ــ بدعم من دول وهابية مثل المملكة العربية السعودية وقطر ــ لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية التي مكنت تنظيم الدولة الإسلامية من الاستيلاء على الأرض والتوسع. ومع نجاح التنظيم في فرض سيطرته بسرعة على مساحات شاسعة امتدت إلى العراق، بدأت الولايات المتحدة ــ جنباً إلى جنب مع البحرين والأردن وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ــ تشن الغارات الجوية داخل سوريا العام الماضي. ثم انضمت فرنسا إلى هذه الجهود في وقت لاحق، وتلتها روسيا.
ورغم أن روسيا تدير حملتها العسكرية بشكل مستقل عن القوى الغربية (على النحو الذي يعكس دعمها للأسد)، يبدو أنها هي أيضاً تحولت إلى هدف، مع اقتناع المسؤولين الأميركيين والأوروبيين على نحو متزايد بأن تنظيم الدولة الإسلامية كان وراء سقوط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء في أكتوبر/تشرين الأول. وربما تفضي تلك الواقعة، جنباً إلى جنب مع هجمات باريس، إلى تحفيز تدخل عسكري خارجي أعظم في سوريا والعراق، وبالتالي تسريع وتيرة دورة التدخل المدمرة. وبالفعل، بات خطر الركون إلى العاطفة وليس العقل والمنطق في توجيه السياسة جلياً واضحاً في فرنسا والولايات المتحدة وأماكن أخرى.
إن أكثر ما نحتاج إليه الآن هو نهج أكثر توازناً يعكس الدروس المستفادة من الأخطاء الأخيرة. فبادئ ذي بدء، ينبغي لزعماء الغرب أن يتجنبوا تحقيق رغبات الإرهابيين بتصرفاتهم، كما يفعل هولاند عندما يسمي هجمات باريس "عملاً من أعمال الحرب" ويتخذ تدابير غير مسبوقة في الداخل. بل يتعين عليهم بدلاً من ذلك أن يصغوا إلى نصيحة مارجريت تاتشر فيحرموا الإرهابيين من "أكسجين الدعاية الذي يعتمدون عليه".
وفي المقام الأول من الأهمية، ينبغي لهم أن يدركوا أنهم لا يمكنهم خوض الحرب ضد الإرهاب بمصداقية ما داموا يخوضونها جنباً إلى جنب مع حلفاء تافهين مذمومين مثل المقاتلين الإسلاميين أو ممالك الشيوخ التي تمول الأصوليين. فالمخاطر المتمثلة في العواقب السلبية غير المقصودة ــ سواء كانت نتائج عكسية إرهابية كما حدث في باريس، أو تداعيات عسكرية كما هي الحال في سوريا ــ مرتفعة على نحو لا يمكن تبريره.
لم يفت الأوان بعد لكي تأخذ القوى الغربية العبرة من أخطاء الماضي وأن تعيد تقويم سياسات مكافحة الإرهاب وفقاً لذلك. ولكن من المؤسف أن هذه تبدو الاستجابة الأبعد ترجيحاً لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية الأخيرة.