أمريكا.. إعصار عـنصري يؤجج الصراع بين البيض والسود

عبد الامير رويح

2014-12-31 06:52

ظاهرة العنف في المجتمع الأمريكي أصبحت اليوم وبحسب بعض الخبراء من أهم واخطر المشكلات المتنامية، التي تهدد الأمن والاستقرار بسبب واستمرار سياسة التميز العنصري وازدياد الاضطهاد الذي يقوم به رجال الأمن تجاه السود، يضاف الى ذلك انتشار جرائم القتل والمخدرات و الأسلحة وغيرها من المشكلات الأخرى التي أصبحت من السمات الواضحة لهذا المجتمع، وبحسب بعض التقارير الخاصة فأن جهاز الشرطة المتهم الأول في اغلب الحوادث العنف، قد مارس استخدام القوة المفرطة بشكل كبير وبطريقة غير دستورية ضد أشخاص ينتمون إلى بعض المجموعات العرقية والعنصرية، وهو ما أسهم بخلق حالة عداء دائم وأثار موجة من العنف المضاد.

وقد انتقدت العديد من الجهات والمنظمات الحقوقية الإجراءات العنصرية من قبل أجهزة الشرطة كما عبرت عن قلقها الشديد إزاء إطلاق النار المتكرر والملاحقات القاتلة قبل الشرطة ضد أشخاص السود غير مسلحين، وتؤكد إحصاءات وبيانات لمكتب التحقيقات الفيدرالي أن 100 شخص أسود يقتلون سنوياً بأيدي الشرطة الأمريكية، وتقارير أخرى تشير إلى أن 18% من السود الذين قامت الشرطة بقتلهم في الـ7 أعوام الماضية كانوا تحت 21 سنة. وبالطبع لا يتم فتح تحقيق، أو دعاوى قضائية في عمليات القتل بحق المواطنين السود، باستثناء حالات نادرة وبعد أن تحولت هذه القضايا إلى رأي عام وحركت الشارع " الأسود" ضد ظلم "الأبيض"، إذ أشارت دراسة أعدتها جامعة "بولينج جرين ستيت"، أن الشرطة قتلت تحت أسباب "مبررة" 2718 شخصاً بين الأعوام 2005 – 2011، مبينةً أن 41 دعوة قضائية فقط رفعت، من أصل ذلك العدد الكبير، بتهمة ارتكاب جريمة قتل أو التسبب بالموت.

العنف والعنف المضاد

وفي هذا الشأن فقد سادت حالة من الغضب والصدمة مدينة نيويورك بعد مقتل شرطيين اثناء عملهما برصاص رجل قال انه يسعى للانتقام لمقتل شبان سود بايدي رجال شرطة بيض. وقتل الشرطيان وينجيان ليو (32 عاما) المتزوج منذ شهرين، ورافايل راموس (40 عاما) بالرصاص في هجوم هز اكبر المدن الاميركية. وقالت الشرطة ان مطلق النار يدعى اسماعيل بريسنلي (28 عاما) ويقال انه عضو في عصابة "عائلة الغوريلا السوداء". وفر الى محطة قطارات قريبة بعد الهجوم وانتحر بإطلاق النار على رأسه في المحطة.

وقال قائد شرطة نيويورك بيل براتون في مؤتمر صحافي ان الشرطيين "قتلا دون ان تتاح لهما فرصة سحب أسلحتهما. وربما لم يشاهدا المهاجم القاتل مطلقا". ويبدو ان برينسلي تباهى قبل ساعات من الهجوم على موقع انستغرام بانه يريد ان يقتل رجال شرطة. وفي تعليق يعتقد ان برينسلي كتبه على صورة لمسدس فضي "مقابل كل واحد ياخذونه .. دعونا ناخذ اثنين"، في اشارة الى مقتل شبان سود عزل برصاص الشرطة.

وندد عمدة نيويورك الديموقراطي بيل دي بلازيو بالهجوم، وشارك في قداس في كاتدرائية القديس باتريك في نيويورك. الا ان مقتل الشرطيين في مدينة انخفضت فيها عمليات القتل الى ادنى مستوياتها منذ 20 عاما، زادت من توتر العلاقات المتوترة اصلا بين بلازيو والشرطة. ويتهم ضباط الشرطة بلازيو بالفشل في دعمهم وبتعاطفه الشديد مع المتظاهرين الذين يحتجون على عنف الشرطة ضد الاميركيين السود.

للموت اشكال اخرى

وقتل اريك غارنر، وهو اب لستة اولاد، اختناقا في تموز/يوليو اثناء توقيفه في شكل عنيف من جانب الشرطة في نيويورك بسبب بيعه سجائر بشكل غير قانوني. وقتل الشاب الاسود مايكل براون برصاص الشرطة في فرغسون بولاية ميزوري في آب/اغسطس، ما اشعل احتجاجات استمرت اشهرا. ومؤخرا قررت هيئة محلفين عدم ملاحقة شرطي ضالع في مقتل غارنر. وقال ادوارد مولينز رئيس رابطة للشرطة تضم 11 الف ضابط حالي ومتقاعد في شرطة نيويورك "السيد بلازيو .. ان دم هذين الشرطيين يلطخ يديك".

وفي وقت سابق تقدمت الشرطة بطلب من بلازيو بعدم المشاركة في جنازاتهم في حال مقتلهم أثناء ادائهم الواجب. ودان المحافظ الجمهوري السابق لنيويورك جورج باتاكي "هذه الاعمال الوحشية" وقال انها "نتيجة متوقعة للخطاب المعادي للشرطة". ورد بلازيو بالقول انه "من المؤسف في هذه المأساة العظيمة ان يلجأ البعض الى خطاب غير مسؤول وتحريضي يغضب الناس ويؤدي الى انقسامهم". ودعا العديد الى الهدوء والوحدة بمن فيهم الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي دان "بلا تحفظ" مقتل الشرطيين.

وقال اوباما في بيان "ادين بلا تحفظ قتل ضابطي الشرطة في مدينة نيويورك". وأضاف ان "رجلين شجاعين لن يعودا هذا المساء الى احبائهما وما من تبرير لذلك"، مشيرا الى انه "هذا المساء اطلب من الناس نبذ العنف والكلمات التي تجرح واستخدام الكلمات التي تشفي". ودعت عائلتا غارنر وبراون الى تجنب "اي نوع من انواع العنف الموجه الى عناصر تطبيق القانون. لان ذلك لا يمكن التسامح معه. وعلينا ان نعمل معا من اجل احلال السلام في مجتمعاتنا". بحسب فرانس برس.

واكد رئيس منطقة بروكلين اريك ادامز على ان المسؤولية تقع اولا واخيرا على مطلق النار. وقال "دماء الشرطيين لا تلطخ ايدي رئيس البلدية. بل يدي الشخص المريض الذي قتل ضابطين بريئين". وحاولت شرطة بالتيمور تحذير شرطة نيويورك بشان خطط برينسلي الا انها تاخرت. ووصف مدعي الدولة في نيويورك اريك شنايدرمان ما حصل بانه "عمل عنف بشع"، فيما اعرب عدد كبير من عناصر الشرطة من مختلف مراكز نيويورك عن صدمتهم عبر موقع تويتر وقدموا تعازيهم الى عائلتي الضحيتين.

الأسود مستهدَف دائما

على صعيد متصل قالت الشرطة إن ضابطا أمريكيا قتل بالرصاص شابا أسود صوب مسدسا محشوا بالرصاص نحوه في ضاحية بمدينة سانت لويس مما اثار أعمال عنف تعيد للأذهان أعمال الشغب التي اندلعت بعد قتل شاب أعزل اسود في فيرجسون القريبة في أغسطس آب. ويبذل المسؤولون السود في ميزوري قصارى جهدهم للتفرقة بين مقتل مشتبه به يحمل سلاحا والحالات الأخرى التي قتل فيها رجال سود غير مسلحين على أيدي ضباط شرطة. وأدت هذه الحوادث الى اندلاع احتجاجات في أنحاء البلاد واحتدام الجدل حول كيفية تعامل قوات الشرطة الأمريكية مع المواطنين غير البيض.

وقال رئيس بلدية بركلي تيودور هوسكينز في مؤتمر صحفي "لا يمكنك حتى مقارنة هذا مع ما حدث في فيرجسون." وقال جون بلمار قائد شرطة مقاطعة سانت لويس ان حشدا يتراوح بين 200 و300 شخص تجمع عند المحطة بعد اطلاق النار وألقى القرميد وأطلق الألعاب النارية واستهدف بعضها نحو 50 ضابطا كانوا في المكان.

وأصيب ضابطان في الشرطة. وقال بلمار إن أربعة أشخاص اعتقلوا واتهموا بالاعتداء. وعاد الهدوء الى المنطقة. وكشفت الشرطة عن تسجيل صورته كاميرا أمنية للواقعة. وقع اطلاق النار عندما خرج الضابط في شرطة بركلي من سيارته للحديث مع رجلين في محطة الوقود بعد أن تلقى بلاغا بحدوث سرقة.

وقال بلمار إن أحد الرجلين صوب مسدسا محشوا بالرصاص عيار 9 ملليمتر نحو الضابط. وأضاف أن الضابط تراجع إلى الخلف وأخرج سلاحه وتعثرت قدماه وأطلق ثلاث رصاصات أصابت احداها المسلح وأصابت الثانية اطار سيارة للشرطة ولم يعرف مصير الرصاصة الثالثة. وأعلن المسعفون مقتل الرجل على الفور.

وقال رئيس بلدية بركلي إن جهات التحقيق في كل من بركلي وسانت لويس ستجري تحقيقا منفصلا. وأضاف هوسكينز إنه لا يريد القفز الى استنتاجات لكنه شدد على ما قال إنها فروق واضحة مع قضية مايكل براون. وتابع هوسكينز وهو يعدد الاختلافات بين بركلي وفيرجسون "لدينا في مدينتنا أغلبية من الضباط السود... رئيس البلدية اسود. مدير البلدية أسود. المدير المالي اسود. رئيس الشرطة أسود. ضباط الشرطة عندنا أكثر حساسية."

وقالت ماريا تشابيل نادال العضو بمجلس الشيوخ بولاية ميزوري والتي تعرضت للغازات المسيلة للدموع أثناء مشاركتها في الاحتجاجات على مقتل براون انها تعتقد أن ما فعله ضابط الشرطة في بركلي مبرر. وأضافت في تصريحات لقناة تلفزيون سي.إن.إن. "الأمر مختلف مع الأخذ في الاعتبار أنه كان يحمل مسدسا". في إشارة إلى الرجل الذي قتل في بركلي. ولم تكشف الشرطة عن هوية القتيل لكن صحيفة سانت لويس بوست دسباتش قالت إنه يدعى أنتونيو مارتن (18 عاما) ونقلت عن والدته أنه كان برفقة صديقته في الوقت الذي وقع فيه الحادث تقريبا. بحسب رويترز.

وكان الضابط -الذي لم يعلن عن اسمه لكن منح إجازة إدارية- قد أعطي كاميرا من النوع الذي يثبت في سترته لكنه لم يكن يثبتها أثناء إطلاق النار. وكانت الكاميرا الموجودة بسيارة الضابط مغلقة ايضا. واستمرت الاحتجاجات في فيرجسون لفترة طويلة وشهدت أعمال عنف عندما قررت هيئة محلفين كبرى عدم توجيه اتهامات لضابط الشرطة الذي قتل براون.

نريد مدينة يعمها السلام

من جانب اخر رفض متظاهرون يحتشدون منذ أسابيع احتجاجا على استخدام الشرطة للقوة المفرطة نداء رئيس بلدية نيويورك بيل دي بلاسيو بتعليق التظاهرات بعد مقتل اثنين من ضباط الشرطة وتعهدوا بتنظيم مسيرة إلى وسط مانهاتن. وطالب دي بلاسيو وساسة اخرون بتهدئة التوتر بعد مقتل الضابطين في كمين.

وأحدث ذلك صدمة في المدينة التي تشهد مظاهرات سلمية في أغلبها اندلعت بعد رفض هيئتي محلفين في نيويورك وميزوري ادانة ضابطي شرطة بيض في قتل اثنين من السود العزل. وقال دي بلاسيو "هذه العائلات تريد مدينة يعمها السلام والوحدة ومن واجبنا جميعا توفير ذلك." وقال ائتلاف الاجابة المنظم للمسيرة المزمعة في وسط مانهاتن إن "الاحتجاج السلمي ضد عنف الشرطة" سيتواصل كما هو مقرر. وأضاف "نداء رئيس البلدية لتعليق الديمقراطية وممارسة الحق في حرية التعبير تجاه الظلم المستمر امر شائن."

وقال كارل ديكس احد مؤسسي حركة "اوقفوا شبكة الحبس الجماعي" انه "لا يحق لهم ان يطلبوا منا وقف التظاهر والسكوت. يجب ان تبقى اصواتنا مسموعة". واضاف "يجب ان نواصل معركتنا طالما ان الشرطة تواصل ارتكاب اعمال القتل هذه وطالما ان النظام القضائي يرفض ملاحقة ومعاقبة رجال الشرطة القتلة". وتحدى عشرات المتظاهرين الدعوة الى وقف التجمعات بمشاركتهم في تجمع دعت اليه منذ فترة طويلة حركة اوكوباي وول ستريت. وقد ساروا في جادة فيفث افينيو (او الجادة الخامسة) احد اهم الشوارع التجارية في مانهاتن. وقال احد اعضاء الحركة سومومبا سوبوكوي قبل التظاهرة ان "الامر لا يتعلق بعدم احترام حياة الآخرين بل بالقول ان الشرطة قتلت عددا غير محدد من الاشخاص ولم يعلن احد تعليقا لذلك".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي