أساليب اغتيال الكفاءات العراقية
مسلم عباس
2020-07-08 08:54
لم يكن اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي عملية جديدة في الشأن العراقي، فاغلب الكفاءات والخبراء ينشطون اليوم وعبر وسائل الاتصال المختلفة لفضح عملية مصادرة الدولة العراقية لصالح الفوضى، والعمل هذا يجعلهم يصطفون في طابور الموت المجاني، ويكفي انهم (الكفاءات) يتصلون ببعضهم يومياً محذرين بعضهم البعض من كلام كتبوه في مواقع التواصل الاجتماعي او مقال نشروه في احدى الصحف العراقية او الأجنبية، بل وحتى اللقاءات التلفزيونية هي احدى الجرائم التي يرتكبها الخبير العراقي لأنه قد يتحدث بكلام صريح لا يتلاءم مع جهات سياسية تريد تمرير مشاريعها على الشعب، وتعمل على استمرار التجهيل بما يجري في الساحة العراقية.
تقوم المنظومات الفاسدة بعمليات القتل بطريقة مباشرة عبر الجماعات المسلحة، او عبر تدميرها وتغييبها لدور دولة المؤسسات ما مهد لولادة الفوضى وشيوع نظام الاغتيالات، واغتيال هشام الهاشمي وقبله المئات من العقول العراقية التي استمرت عملية اغتيالها لأغراض سياسية وتفكير ضيق من المتحكمين بمقدرات الشعب العراقي، منذ زمن حكم الدكتاتورية وبعد سقوطها فقد اختلفت اشكال الاغتيال للعقول العراقية، فتارة عن طريق تقليل الحقوق المالية من اجل اجبارها على الوقوف على أبواب المسؤولين او دفعهم لمغادرة البلد، ومن لم يهرب او يقف على عتبة الباب يمدد على عتبة المقابر، فالاغتيال الجسدي هو اخر خطوة تقوم بها الجهات المتحكمة بالشأن العراقي.
الاغتيال بالاستبعاد
الطريقة الاولى لاغتيال الكفاءات وأصحاب الفكر هو باستبعادهم نهائيا من مراكز صنع القرار، واستبدالهم بمجموعة من الانتهازيين والوصوليين الذين لا يعرفون من المؤسسة التي يديرونها سوى تحصيل الراتب الشهري والتوقيع على الكتب الرسمية التي غالبا ما تكون في صالح الأحزاب المتحكمة بالقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وإذ يتخذون (المتحزبون) قرارات غير منطقية يأتي المختص ليكتب عن هذه القرارات وسلبياتها، فتاتي المنظومة لتتخذ المزيد من القرارات غير المنطقية لينهار الوضع ويصبح غير قابل للإصلاح، حينها تعود الأحزاب التي فشلت لتتهم المختص والمثقف بانه لم يؤدي دوره بالشكل المطلوب، وانه كان جالسا في قصره العاجي، رغم انها لم تأخذ ببحوثه العلمية ولا مقالاته المنشور عبر وسائل الاعلام.
هذا النوع من التعامل المزدوج من قبل المنظومة السياسية الفوضوية مع الكفاءات يجعلهم (الكفاءات) يتعرضون لسهام النقد من قبل الجمهور، اذ من غير المنطقي ان يتعرض البلد للتخريب والسرقة بينما اقصى ما يقوم به الخبر هو كتابة التقارير والتحليلات، "الناس يريدون الأفعال وليس المقالات"، اليست هذه العبارة شائعة لدينا، وعبارات أخرى من قبيل "هذه مجرد تحليلات" وكان التحليل فعل من أفعال السحرة والمنجمين، لقد اغتالت هذه العبارات الكفاءة العراقية واغتالت قدرتها على التقييم والتحليل والاستشراف ومن ثم تحديد المخطئين ومحاسبتهم او ازاحتهم من مناصبهم، كل ذلك تقوم به الدعاية الحزبية ضد الكفاءات العراقية.
الاغتيال بالإدماج
بعد سنوات من الفساد والخراب واستعصاء الحل، واصبح البلد وكانه مجموعة من الاسلاك المتشابكة مع بعضها حتى ان الأحزاب المتنفذة نفسها لم تعد تعرف طريقة للخلاص عادت الأحزاب تلك لتطلب العون من الاكاديميين والكفاءات العلمية، وبدأنا نسمع ان الكتل السياسية اختارت احد المع أساتذة الجامعات او احد افضل الإعلاميين ليتسنم احد المناصب الحكومية، ليس من اجل اصلاح الوضع الفوضوي بل لاسكات الجمهور بحجة اننا نحترم الكفاءات، فالفوضى نفسها، والاكاديمي الذي سمح له بالدخول في عالم الإدارة الحكومية وضعت امامه مجموعة من الشروط والمطبات، هم يريدون الاستفادة من اسمه فقط للتغطية على فشلهم.
تبدأ المنظومة السياسية التي اختارته بالاستفادة من اسمه كرافعة دعائية لها بعد سنوات من الفشل، وتسوقه على انه دليل على حسن نواياها، فهو اذن يمثل خيارا دعائيا وتسويقياً لها، وليس خيارا وطنيا، والدليل انها تمارس عليه مختلف الضغوطات من اجل تمرير صفقاتها، واذا رفض احد مطالبها توضع العراقيل امامه ليفشل ثم يشهر به امام الجمهور بكونه احد الاكاديميين الفاشلين، ولا تتوقف المنظومة السياسية عند هذا الحد بل تعمم النموذج هذا على كل الاكاديميين والمختصين، فالاكاديمي الذي فشل في إدارة الوزارة يعني ان كل الاكاديميين سوف يفشلون، ومن ثم هذا مبرر لاستقطاب غير المختصين الذين لا يفقهون في مجالهم الا فيما يتعلق بالمصالح الحزبية الضيقة.
الاغتيال الجسدي
هناك الأكاديمي والمختص الذي يرفض الانصياع لمنطق الأحزاب بكل اشكالها، فلا هو يقبل بالوضع الحالي، ولا هو يدخل بالشروط التي تحددها الأحزاب، هنا يتم التخلص منه نهائيا لأنه يمثل خطرا حقيقيا على المنظومة الحزبية المتحكمة بالقرار العراقي، وبهذه الطريقة لا تتخلص من شخص واحد، بل تعمل على قمع كل من يفكر ان يتبع نفس أسلوبه في النقد وكشف الطرق الخاطئة لإدارة الدولة العراقية، انها تنشر الرعب بين الكفاءات العراقية، ويكفينا التعرف على حجم الاتصالات التي أجريت ليلة اغتيال الشهيد الهاشمي وحتى الان، وكلها مؤطرة باتجاه التخفيف من اللهجة الصريحة تجاه فساد المنظومة الحاكمة.
الواقع العراقي اليوم عائم على مجموعة من الممارسات الخاطئة التي لا ترتبط مع بعضها، كلها قائمة على العشوائية وعدم التنظيم، والخبير والمختص لا يستطيع العمل في ظل هذه البيئة، المختص يريد تنظيم بيئة العمل عبر تفعيل النظام المؤسساتي، وخطوات التنظيم والعمل المؤسساتي تعني نهاية عصر الفوضى ونهاية سيطرة الأحزاب الفاشلة، لهذا السبب تحارب الكفاءات العراقية بعدة طرق للاغتيال منها الاستبعاد او الادماج او التخلص النهائي عبر عمليات القتل.