مفارقة الإرهاب
بروجيكت سنديكيت
2020-01-22 04:15
بقلم: روبرت سكيدلسكي
لندن ـ كما كان متوقعًا، لم يكن هناك نقص في الاستغلال السياسي في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي وقع في منطقة لندن بريدج في نوفمبر/تشرين الثاني، حيث قام عصمان خان بطعن شخصين قبل أن يُقتل على يد الشرطة. على وجه الخصوص، دعا رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون إلى فرض عقوبات بالسجن لفترات أطول ووضع حد "للإفراج المبكر التلقائي" عن الإرهابيين المُدانين.
في العقدين الماضيين منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة، أصبح الإرهاب يشكل الذعر الأخلاقي النموذجي في العالم الغربي. قامت الحكومات البريطانية والأمريكية المتعاقبة باستخدام الخوف من اختباء الإرهابيين وراء كل زاوية، ومحاولتهم التدمير الشامل للحضارة الغربية، لإدخال قوانين أكثر صرامة وإصدار سلطات مراقبة أوسع بكثير-وبالطبع لشن الحرب.
في الواقع، لقد تراجع الإرهاب في أوروبا الغربية منذ أواخر السبعينيات. وفقًا لقاعدة بيانات الإرهاب العالمي (GTD)، كان هناك 996 حالة وفاة بسبب الإرهاب في أوروبا الغربية بين عامي 2000 و2017، مقارنةً بـ 1833 حالة وفاة في فترة 17 عامًا من 1987 إلى 2004، و4351 حالة وفاة بين عام 1970 (عندما ظهرت مجموعة بيانات GTD) وعام 1987. لقد ساهم فقدان الذاكرة التاريخية بشكل متزايد في نسيان ذكرى الإرهاب المحلي في أوروبا: عصابة بادر ماينهوف في ألمانيا، ومجموعة الألوية الحمراء في إيطاليا، والجيش الجمهوري الايرلندي في المملكة المتحدة، وإرهاب الباسك وكاتالونيا في إسبانيا، وإرهاب كوسوفار في يوغوسلافيا السابقة.
الوضع مختلف بشكل واضح في الولايات المتحدة - لأسباب ليس أقلها أن البيانات شُوهت بشكل كبير بسبب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، والتي أسفرت عن مقتل 2996 شخصًا. ولكن حتى لو تجاهلنا هذه المُفارقة، فمن الواضح أنه منذ عام 2012، عرفت الوفيات الناجمة عن الإرهاب في أمريكا ارتفاعا ملحوظا، مما عكس الاتجاه السابق. ومع ذلك، فإن معظم الهجمات "الإرهابية" ليست إلا نتيجة للتداول الكبير للأسلحة بين السكان المدنيين.
لا شك أن الإرهاب الإسلامي يمثل تهديدًا حقيقيًا، ولاسيما في الشرق الأوسط. ولكن هناك حاجة إلى التأكيد على نقطتين. أولاً، كان الإرهاب الإسلامي -مثل أزمة اللاجئين- إلى حد كبير نتيجة المحاولات الغربية (المُعلنة أو السرية) "لتغيير النظام". ثانياً، أصبحت أوروبا اليوم أكثر أمانًا مما كانت عليه في السابق، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تأثير الاتحاد الأوروبي على سلوك الحكومات، وتحسين تكنولوجيا مكافحة الإرهاب.
رغم انخفاض عدد الوفيات الناجمة عن الهجمات الإرهابية (على الأقل في أوروبا)، يزداد التحذير من خطر حدوث هجمات إرهابية، مما يوفر للحكومات مبررات لتطبيق المزيد من التدابير الأمنية. تُعرف هذه الظاهرة، حيث يزداد رد فعلنا الجماعي تجاه مشكلة اجتماعية مع تضاؤل المشكلة نفسها، باسم "تأثير توكفيل". في كتابه "الديمقراطية في أمريكا" الصادر عام 1840، أشار أليكسيس دي توكفيل إلى أنه "من الطبيعي أن يزداد حب المساواة باستمرار مع المساواة نفسها، وأن ينمو بما يتغذى عليه".
علاوة على ذلك، هناك ظاهرة مماثلة يمكننا أن نطلق عليها تأثير "بادر ماينهوف": بمجرد جذب انتباهك إلى شيء ما، يظل يُراودك طوال الوقت. يشرح هذان التأثيران كيف تحركت تصوراتنا الشخصية للمخاطر بعيدًا عن المخاطر الحقيقية التي نواجهها.
في الواقع، أصبح الغرب أكثر الحضارات تجنبا للمخاطر في التاريخ. تأتي كلمة "خطر" من مصطلح "risicum" اللاتيني، والذي كانت يستخدم في العصور الوسطى فقط في سياقات محددة للغاية، وعادة ما يتعلق بتجارة الملاحة البحرية وأعمال التأمين البحري الناشئة. في محاكم ولايات المدن الإيطالية في القرن السادس عشر، كان مصطلح "ريسكيو" يُشير إلى حياة ومهنة الخدم والأمراء والمخاطر التي تُواجههم. لكن هذه الكلمة لم تُستخدم كثيرا. كان من الأكثر شيوعًا أن نعزو النجاحات أو الإخفاقات إلى مصدر خارجي: الثروة. كانت الثروة تجسيد لا يمكن التنبؤ به. نظيرها البشري هو الحكمة، أو فضيلة المكيافيلي (الانتهازي).
في الفترة الحديثة المبكرة، كان الإنسان خاضعا للطبيعة، نظرا لغياب استجابة عقلانية أخرى ممكنة للاختيار بين مختلف التوقعات المعقولة. مع بداية الثورة العلمية بدأ خطاب المخاطرة الحديث في الظهور: العالم الطبيعي يخضع لعمل الإنسان والسيطرة عليه، وبالتالي يحسب الإنسان المعاصر درجة الخطر الذي تشكله الطبيعة. نتيجة لذلك، لم تعد الكوارث سمة طبيعية للحياة.
جادل عالم الاجتماع الألماني نيكلاس لوهان بأنه بمجرد أن تصبح الأعمال الفردية لها عواقب قابلة للحساب ويمكن التنبؤ بها وتجنبها، لن يكون هناك أمل في العودة إلى تلك الحالة السابقة للجهل المبهج، حيث تم ترك مسار الأحداث المستقبلية للمصير. على حد تعبير لوهان، "بوابة الجنة لا تزال مغلقة بسبب كلمة خطر".
يعتقد الاقتصاديون أيضًا أن كل المخاطر قابلة للقياس وبالتالي يمكن السيطرة عليها. وبهذا المعنى، يتم ربطها بأولئك الذين يضمنون تقليل المخاطر الأمنية عن طريق توسيع صلاحيات المراقبة وتحسين تقنيات جمع المعلومات حول التهديدات الإرهابية المحتملة. بعد كل شيء، المخاطرة هي درجة عدم اليقين فيما يتعلق بالأحداث المستقبلية، وكما كتب كلود شانون، مؤسس نظرية المعلومات - "المعلومات هي حل عدم اليقين".
هناك فوائد واضحة للمزيد من الأمن، لكن الثمن هو اقتحام غير مسبوق لحياتنا الخاصة. إن حقنا في خصوصية المعلومات، المكفول الآن بموجب اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي، يتعارض بشكل متزايد مع مطالبنا الأمنية. تُنتج الأجهزة الموجودة في كل مكان -والتي ترى وتسمع وتقرأ وتُسجل سلوكنا- مجموعة من البيانات التي يمكن من خلالها استخلاص الاستنتاجات والتنبؤات والتوصيات حول أعمالنا الماضية والحالية والمستقبلية. في وجه القول المأثور "المعرفة قوة"، يضعف الحق في الخصوصية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك اختلاف بين الأمن والرفاهية. الأمن التام يعني التخلص من الفضائل الأساسية المتمثلة في المرونة والحكمة: الإنسان الآمن تمامًا هو شخص ضعيف.
لكلا هذين السببين، يجب أن نتمسك بالحقائق وألا نعطي الحكومات الأدوات التي تطالب بها بشكل متزايد لكسب "المعركة" ضد الإرهاب أو الجريمة أو أي مشاكل أخرى في الحياة يمكن تجنبها تقنياً. هناك حاجة إلى استجابة مُعتدلة. عندما يتعلق الأمر بالفوضى في تاريخ البشرية، ينبغي أن نتذكر ملاحظة هيراكليتوس بأن "الصاعقة تُغير مجرى الأمور".