اغتيال الناشطين والمدنيين: من المنفذ ومن المستفيد؟
مصطفى ملا هذال
2019-12-11 04:55
بات قراءة خبر عاجل يُفيد باغتيال احد الناشطين في مدينة ما، متوقع وغير مستغرب، كون هذه الممارسات اصبحت تتكرر بشكل يكاد يكون يومي وقد يتكرر مرتين في اليوم الواحد كما حصل بكربلاء في اليومين المنصرمين.
تحول خطير في مسار الحراك الشعبي فبساحة الخلاني اغتيلت الاماني وتحولت لساحة تقديم القرابين الوطنية، حيث سقطت العشرات بين شهيد وجريح على ايد مجموعة مسلحة مجهولة الهوية تحمل السلاح والعتاد وتستقل سيارات متنوعة، اصابع الاتهام وجهت الى طرف ثالث والاخير لايزال من دون اسم او عنوان واضح.
تساؤلات كثيرة تتعلق بكيفية وصول الجناة الى ساحة التظاهر وغيرها من المناطق التي من المفترض ان تكون مؤمنة بالكامل من قبل الاجهزة الامنية، فهل تستخدم تلك الجماعات المسلحة طرق غير قابلة للرؤية؟، أم انها تعمل بصورة علنية قابلة للملاحظة في العين المجردة.
الجهات السياسية والحزبية ممن تعمل في العراق وعلى اثر الحادث استنكرت سقوط الابرياء، مطالبة بملاحقة من ارتكب العمل الاجرامي، وكأنهم قالوا بهذا الاستنكار انهم ابرياء كبراءة الذئب من دم يوسف، ويبقى الموضوع يشوبه الغموض، فمن المستفيد من كل ما يجري؟، ومن الذي يقف وراء قتل الابرياء العزل من المدنيين والناشطين على وجه الخصوص.
هذه الحوادث لابد الا تمر مرور الكرام وتكتفي الجهات الامنية المعنية تشكيل لجنة تحقيقية وهي في الحقيقة لجنة تخديرية تعمل على استثمار الوقت بما يضمن هدوء الشارع المتفجر غضبا ازاء تلك الانتهاكات وبالنتيجة تخرج بتقرير بائس الجميع يعلم بمضمونه قبل تشكيل اللجنة المذكورة.
المتضرر من الذي يحصل في العراق معلوم اما المتسبب لا يزال لغز صعب على الجميع حله، فربما يكون الحديث عن اطراف خارجية يحمل نسبة من الحقيقة، كون هذه الاطراف تعزف على وتر الفتنة الداخلية الذي يعتبر السبيل الوحيد للنيل من سلمية التظاهرات ومن ثم القضاء عليها وتصفية الساحات من الجماهير، كل ذلك لتحقيق الاستقرار والحفاظ على ما تتمتع به من نفوذ متغلغل.
فمع كل دعوة للتأكيد على سلمية التظاهرات نجد حالة من التصعيد السلبي يوجه نحو إسقاط المزيد من الضحايا من القوات الامنية والمتظاهرين، ومن الواضح ان الطرف الذي يتبع هذه الاساليب له غاية باتت معلومة وهو خلق الفوضى او الزعزعة الامنية وارباك الاوضاع من اجل حرف الانظار عن المطالب الحقة او ربما احداث الارباك في المشهد السياسي المتشظي في الاساس.
ما يثير الريب هو التحركات الامريكية الاخيرة والتصريحات المتعلقة بالاحداث، فلربما تكون هي من ورائها، وقد يكون من ضمن الادلة على ذلك ما حصل في عام 2014 عندما استغلت الولايات المتحدة ساحات التظاهر واخرجت داعش الى الوجود، واتخذت من ذلك ذريعة للتدخل في الشأن العراقي واعقب ذلك بيع الاسلحة وتقديم الدعم الجوي الى غيره من التدخلات التي حاولت من خلالها اعادة التوازن بينها والصديقة لاغلب الاحزاب السياسية ايران، فهي لا تريد ان تخلي الساحة بالتمام لحكومة طهران كون ذلك يقوض دورها في العراق الذي كلفها الكثير من الخسائر البشرية، فلا يعقل ان تتركه بهذه البساطة.
خطوة قتل الناشطين التي اخذت رقعتها بالاتساع في الآونة الاخيرة يمكن تفسيرها على انها جانب مهم يندرج ضمن اساليب قمع المظاهرات التي كثيرا ما تسعى جهات لإجهاضها قبل ان يشتد عودها وتحقق احلام الملايين من العراقيين.
ان اغلب الجهات المتصدية للمشهد السياسي في البلاد تؤكد وجود طرف ثالث يقف وراء الاعتداءات المتكررة، فمن المقصود بالطرف الثالث؟، وهل يوجد بالفعل طرف ثالث؟، اسئلة ملحة تحتاج لإجابة واضحة من قبل المعنيين، ولنعدل عن الاجابة في الوقت الحالي ونغوص قليلا في تفاصيل اسباب وقوع الحوادث.
المسؤولية الامنية تقع على عاتق الطرف الاول والمعني هنا القوات الامنية بكافة تشكيلاتها، فهي المسؤول الاول والاخير عن حفظ حياة المواطنين بجميع الاماكن وليس في ساحات المظاهرات فقط، لكن عليها ان تضاعف جهودها في الوضع الحالي الذي يعتبر استثنائيا في جميع المقاييس، وهنا لابد على الطرف الثاني والمقصود به الجماهير التعاون مع الطرف الاول لبسط الامن والحفاظ على ارواح الخارجين للمطالبة بالحقوق من الازهاق، وفي حال تم هذا التعاون بصورة مثالية سينقطع الطريق امام الطرف الثالث الذي كثيرا ما استخدم شماعة لتعليق الاخطاء التي تقع بهذا الخصوص.
ربما يكون الهدف من هذا الاستهداف المتكرر تجاه الناشطين هو لخلق نوع من الرعب في نفوس المشاركين الآخرين ومن ثم العزوف عن التواجد في ساحات التظاهر وهو ما تريده بعض الكتل السياسية التي لم يروق لها هذا المشهد الذي عم بعض المدن العراقية، وقد يكون هذا التواجد هو المعول الذي سيهدم عروشهم التي شُيدت بأموال الفقراء من الشعب.