الصراع في ليبيا: الغرق في الفوضى مع تواصل حرب بلا نهاية

عبد الامير رويح

2019-11-27 07:10

ما تزال ليبيا ومنذ الاطاحة بمعمر القذافي بعد عقود في الحكم في حالة حرب مستمرة بين ميليشيات متناحرة، وحكومات متنافسة مدعومة من دول وجهات خارجية تسعى الى تأمين مصالحها في هذا البلد المهم، وتعيش العاصمة الليبية طرابلس بحسب بعض المصادر، نزاعات ومعارك دائمة وبدأت جولات القتال في أبريل/نيسان، عندما قاد اللواء خليفة حفتر قواته من معاقلها في شرق ليبيا نحو طرابلس في غرب البلاد. ويقود حفتر قوات يسميها "الجيش الوطني الليبي"، التي تسيطر بالفعل على معظم أجزاء البلاد، وتتصدى لحفتر مجموعة من الميليشيات، التي عادة ما تقاتل بعضها، لكنها الآن تحارب تحت لواء حكومة الوفاق الوطني. وتدعم الأمم المتحدة هذه الحكومة، إلا أنها بالكاد تحكم طرابلس، ويقل نفوذها كثيرا خارجها.

ولحفتر داعمين أقوياء في الخارج، من بينهم مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا. وأصبحت المعركة في طرابلس حربا جديدة بالوكالة في الشرق الأوسط، تلك التدخلات يقابلها دعم مضاد لدول اخرى، حيث اكدت بعض التقارير ان الولايات المتحدة الامريكية تسعى الى تكثيف جهودها من اجل ايجاد توازن لضمان مكاسبها ووضع حد لخصومها الروس، خصوصا وان العديد من التقارير تفيد وجود مرتزقة روس. وقد حذر قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا في وقت سابق من أن موسكو تحاول التأثير على القرار النهائي وعن تحديد الجهة المسؤولة عن الحكومة داخل ليبيا.

والفائدة التي ستحققها روسيا كما يرى بعض المراقبين من استثمارها في ليبيا، ليست قاعدة ولا عقدًا. بل القدرة على إثبات ما أخبرت به العالم ومواطنيها في السنوات الأخيرة؛ ما تفسده الولايات المتحدة، يمكن لروسيا إصلاحه. ولطالما أكد المسؤولون الروس على أن ليبيا سقطت في وحل الفوضى بعد تدخل الناتو عام 2011، الذي انتقده رئيس الوزراء آنذاك بوتين، باعتباره المثال الأوضح على عدم الاستقرار الذي تسببه التدخلات التي تقودها الولايات المتحدة. إذا كانت مغامرة بوتين الليبية تؤتي ثمارها، فإن روسيا قد أظهرت أنها يمكن أن تشكل نتائج سياسية دائمة في الخارج دون غزوات أرضية مكلفة أو حملات جوية مدمرة.

أمريكا وحفتر

وفي هذا الشأن أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن مسؤولين أمريكيين التقوا الجنرال خليفة حفتر، قائد قوات شرق ليبيا، في وقت تسعى واشنطن للضغط على حفتر لوقف هجومه العسكري على العاصمة طرابلس. وتشن قوات حفتر منذ أبريل / نيسان الماضي هجوما على العاصمة الليبية طرابلس التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا. وأفاد بيان لوزارة الخارجية أن "حفتر بحث مع الوفد الأمريكي، ويضم نائبة مستشار الأمن القومي الأمريكي فيكتوريا كوتس، الخطوات اللازمة لوقف أعمال العنف والقتال في ليبيا وإيجاد حل سياسي للصراع هناك"، ولم تكشف وزارة الخارجية عن المكان الذي عُقد فيه الاجتماع.

وأضاف بيان الوزارة أن "المسؤولين الأمريكيين أكدوا دعم بلادهم الكامل لسيادة ليبيا وسلامة أراضيها كما أعربوا عن مخاوفهم من استغلال روسيا للصراع في ليبيا على حساب الشعب الليبي". ويحظى حفتر بدعم كبير من السعودية، ومصر، الإمارات، وهي الدول التي أعلنت تقديرها لمعارضته لجماعة الإخوان المسلمين. في المقابل، تدعم تركيا وقطر حكومة الوفاق الوطني التي اعترفت بها الأمم المتحدة كسلطة شرعية في البلاد على أمل إنهاء سنوات من الفوضى.

وتفيد تقارير بأن مرتزقة روس يقاتلون في صفوف قوات حفتر. وبحسب تقارير صحفية أمريكية، يخضع "المرتزقة الروس لقيادة أحد حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين"، وهو ما نفته موسكو. وقال بيان الخارجية الأمريكية إن "المباحثات تهدف إلى إرساء أسس مشتركة لوقف إطلاق النار بين طرفي النزاع في ليبيا". وكانت واشنطن طالبت حفتر في وقت سابق بوقف هجماته على طرابلس بعد اجتماع بين ممثلين لحكومة الوفاق الوطني ومسؤولين أمريكيين.

من جانب اخر طرح أربعة أعضاء في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قانون لتعزيز سياسة واشنطن المتعلقة بحل النزاع في ليبيا، ومعاقبة المتسببين في العنف هناك، ووضع إستراتيجية لمواجهة النفوذ الروسي في ليبيا. ويقضي مشروع قانون "تعزيز الاستقرار في ليبيا" -الذي قدمه الجمهوريان ماركو روبيو وليندسي غراهام والديمقراطيان كريس كونز وكريس ميرفي- بفرض عقوبات على الأفراد الذين يسهمون في إذكاء الصراع في ليبيا.

ويوصي مشروع القانون بوضع إستراتيجية لمواجهة ما سماه النفوذ الروسي في ليبيا، وتحديدا مجموعة "فاغنر" للمرتزقة التي تزايد وجودها في البلاد، والتي تقاتل إلى جانب قوات اللواء المتقاعد خليفة خفتر. كما يوصي أصحاب مشروع القانون بحشد الموارد الأميركية، والمساعدات الإنسانية لمساعدة الشعب الليبي والحكومة الليبية الموحدة والمرتقبة. وقال السيناتور كونز إن "الولايات المتحدة مطالبة بالقيام بدور بناء لإنهاء الحرب في ليبيا عن طريق التوصل لحل سياسي"، مضيفا أن هذا النزاع تحول إلى أزمة سياسية تسهم في "زعزعة الاستقرار، وإتاحة الفرصة لنشاط الجماعات المتطرفة في المنطقة".

على صعيد متصل طالب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي السيناتور روبرت منينديز، في رسالة إلى وزير الخارجية، بإجراء تحقيق في العثور على أسلحة أميركية بليبيا، وطالب بتوضيحات بخصوص اتفاقيات الأسلحة مع الإمارات. وتأتي هذه الدعوة بعد ورود تقارير تفيد بأن الإمارات سلمت صواريخ أميركية الصنع لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا.

وقال منينديز "أنتم لا شك تعلمون أنه إذا ثبتت صحة هذه المزاعم، فربما يتعين عليكم قانونا إلغاء جميع مبيعات الأسلحة إلى الإمارات". كما حذر منينديز من أن مبيعات الأسلحة ستشكل "انتهاكا خطيرا" للقانون الأميركي، و"بشكل شبه مؤكد" انتهاكا للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على بيع الأسلحة لليبيا.

الغرب في ليبيا

الى جانب ذلك نسبت صحيفة تايمز البريطانية وكما نقلت بعض المصادر، إلى خبراء عسكريين قولهم إن نشر موسكو مرتزقة مؤخرا في ليبيا يعتبر جزءا من خطة لتوسيع نفوذها بشمال أفريقيا والشرق الأوسط، وإن الغرب ترك الحبل على الغارب لروسيا. وقالت الصحيفة في تقرير لها من ليبيا إن المرتزقة الروس الذين بلغ عددهم حتى اليوم 200 مرتزق تدعمهم طائرات مسيرة مسلحة وطائرات مقاتلة ومدفعية دقيقة التوجيه رفعوا مستوى المخاطر في الحرب الأهلية الليبية، ويعتقد أنهم ينتمون لمجموعة فاغنر الخاصة التي تعمل بالنيابة عن روسيا في سوريا وموزمبيق وجمهورية أفريقيا الوسطى.

وأضافت أن روسيا دعمت الرئيس الأسد في الحرب الأهلية السورية، ويتطلع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى توسيع نفوذ موسكو في منطقة الخليج، وسط إشارات عن فك الارتباط الأميركي. ونقلت عن محلل الدفاع البريطاني بول بيفر قوله إن الأمر كله يتعلق بالنفط والمال والنفوذ، وإن موسكو تفلت من العقاب لأنه لا يبدو أن أحدا في الغرب يهتم بما تفعله. كما نقلت عن خبير السياسة الخارجية في موسكو فلاديمير فرولوف قوله عن طموحات الكرملين في ليبيا إن بعض الوجود العسكري المحدود على البحر الأبيض المتوسط، سواء لجمع المعلومات الاستخباراتية أو إعادة تزويد البحرية، وبعض الصفقات التجارية المربحة خلال إعادة إعمار البلاد هي ما يرى أنها أهداف لروسيا هناك.

لكن أطرافا مختلفة في موسكو تدعم فصائل مختلفة في ليبيا، وعلى عكس سوريا لا يوجد حصان وحيد للمراهنة عليه، لذلك تفضل موسكو التحدث إلى الجميع وتجنب الرهانات الحاسمة. وقال المسؤول السابق في البنتاغون أندرو كريبينيفيتش إن الهدف الأكبر هو إعادة تأسيس الوجود العالمي لروسيا وخلق صورة لها كقوة عظمى، مضيفا أن بوتين يلعب جيدا بقدرات موسكو الضعيفة، إذ جعل بلاده لاعبا في الشرق الأوسط بتكلفة منخفضة للغاية وأقل بكثير مما تكبدته الولايات المتحدة.

المرتزقة الروس

وترى الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة أن مجموعة المرتزقة الروس التي تعرف باسم "فاغنر" تمارس انشطتها بتنسيق تمام مع الحكومة الروسية وتقوم بالعديد من الأنشطة والعمليات في الخارج نيابة عن القوات الحكومية الروسية الروسية للتهرب من المسؤولية القانونية المترتبة عن انشطة هذه المجموعة. وقد اتسع نشاط هذه المجموعة التي تستخدم على نطاق واسع الجنود الروس السابقين ليشمل الكثير من بقاع العالم. فعملياتها تمتد من أوكرانيا إلى سوريا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى مما حدا بالولايات المتحدة إلى إدراجها في قائمة العقوبات على المؤسسات الروسية في يونيو/حزيران 2017 بسبب عملياتها في أوكرانيا.

لكن مثل هذه العقوبات لم تردع المجموعة عن التوسع في نطاق عملياتها، الذي امتد مؤخراً لدعم قوات شرق ليبيا بقيادة الجنرال خليفة حفتر. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، ظهرت أولى أخبار عمليات فاغنر في ليبيا، إذ نشر موقع "أفريكا إنتليجانس" أن المجموعة دعمت ما عُرف بـ "حركة غضب فزان" في جنوب غرب ليبيا. وعملت الحركة على الاستيلاء على حقل نفط الشرار في منطقة فزان في ديسمبر/كانون الأول 2018. وكان هذا الحقل يخضع لإدارة المؤسسة الوطنية النفطية وعدد من الشركات الأوروبية.

ويعلن حفتر صراحة رغبته في الاستيلاء على آبار النفط، كونها مصدر قوة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في غرب ليبيا. ولا تخفي روسيا كذلك دعمها الرسمي لحفتر، إذ تمده بالأسلحة والتدريب العسكري. وتوجد بالفعل نقاط تمركز للقوات الروسية في طبرق وبنغازي. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، ذكرت تقارير صحفية أن روسيا أرسلت العشرات من أفراد القوات الخاصة والمدربين العسكريين لدعم قوات حفتر وتدريبهم وإمدادهم بالأسلحة.

وظهرت إحدى تجليات هذا الدعم الروسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حين حضر يفغيني بريغوزين، رجل الأعمال الروسي الذي يُعتقد أنه مالك فاغنر، اجتماعا بين حفتر ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. ثم في مارس/ آذار الماضي، تمكنت المخابرات الغربية من تحديد موقع 300 من المرتزقة التابعين لـ فاغنر. وقال مصدر بالحكومة البريطانية لصحيفة "ذا تايمز" آنذاك إن هذه القوات تتمركز في مينائي طبرق ودرنة.

وذكرت المعلومات الاستخباراتية إن مجموعات المرتزقة تدعم قوات حفتر بالتدريبات، وتساعده في توطيد نفوذه العسكري عن طريق إمداده بقطع المدفعية، والدبابات، وطائرات بدون طيار، وذخيرة، وغيرها من أشكال الدعم اللوجيستي. ويُخشى أن يستمر دعم هذه المجموعات ليتمكن حفتر من الزحف باتجاه طرابلس والاستيلاء عليها، وهو ما يعني السيطرة على حقول النفط وتهديد الإمدادات الغربية منها.

ويندد قادة الغرب دائما باستخدام روسيا لمجموعات المرتزقة في عملياتها في المنطقة. وفي فبراير/ شباط الماضي، وجه وزير الدفاع البريطاني آنذاك، غافين ويليامسون، اتهاما للكريملين باستخدام المرتزقة "لتجنب المسائلة بشأن العمليات العسكرية الدولية". وبخلاف قطع إمدادات النفط، ثمة خطر آخر يتربص بأوروبا حال توطد النفوذ الروسي في ليبيا، وهو ما يتعلق بالتحكم في حركة المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط إلى جنوب أوروبا.

وذكر المصدر البريطاني أن روسيا قد تستغل هذا الأمر لتمارس الضغوط عل القارة الأوروبية عن طريق فتح الأبوات أمام عشرات آلاف المهاجرين الموجودين حاليا في ليبيا كي ينطلقوا نحو القارة الاوروبية، ومن ثم يتعين على دول مثل بريطانيا وإيطاليا وفرنسا أن تتدخل للحد من النفوذ الروسي في ليبيا. ولا يقتصر النفوذ الروسي على دعم حفتر عسكريا، إذ نشر موقع ذا دايلي بيست الأمريكي مؤخرا تحقيقا استقصائيا عن أشكال الدعم الروسي المختلفة لحفتر، والتي تشمل حاليا دعمه إعلاميا، حال سيطرته على طرابلس في المستقبل.

وذكر التحقيق أن بريغوزين دشن حملة أطلق عليها اسم "الشركة" تضم خطة إعلامية للتعامل مع الملف الليبي، والتي قال الموقع إنه اطلع على عدد من المراسلات والوثائق المتعلقة بها. وتشمل الحملة دعاية مدفوعة الأجر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والترويج لمواد إعلامية تزيد من شعبية قوات شرق ليبيا، وكذلك تقديم خدمات الاستشارات السياسية لحفتر. هذا بالإضافة لخطة مستقبلية حال نجاح حفتر الاستيلاء على طرابلس، للترويج له ودعمه عند إجراء انتخابات. بحسب بي بي سي.

وجاء في إحدى المراسلات أن حفتر يعي أهمية الدعم الروسي، ويستغله بحيث يظهر أكثر قوة في المشهد السياسي العالمي والمحلي. ومن بين أشكال هذا الاستغلال أنه يضع ملصقات الجيش الروسي على مركبات قواته ليزيد من مظاهر دعم موسكو لقواته. ودأبت روسيا على إنكار الاستعانة بالمرتزقة، وأكدت أن قوانينها تجرم هذا النوع من الأنشطة. كما نفت التقارير المخابراتية الغربية بشأن وجود 300 من أفراد فاغنر في ليبيا، حتى أن إحدى مراسلات "الشركة" قالت إنها كذبة دعائية اختلقها حفتر ليعزز من موقفه.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي