صناعة المتطرفين في كشمير: جنة الهند على الأرض
وكالات
2019-03-25 07:07
(رويترز) - علم المزارع الكشميري يوسف مالك أن ابنه عويس طالب الآداب البالغ من العمر 22 عاما والذي يعمل بقطف التفاح أصبح من المسلحين المتشددين من صفحة على موقع فيسبوك، وبعد أيام من اختفاء عويس من بيته في واد ذي طبيعة خلابة أسفل جبال الهيمالايا ظهرت صورته على شبكة التواصل الاجتماعي عندما نشرها مستخدم للشبكة لم تتعرف عليه الأسرة، في الصورة بدا عويس، القصير القامة ذو الشعر المجعد، مترديا سروالا من الجينز وقميصا وينظر نظرة عزم وتصميم وهو يمسك ببندقية كلاشنيكوف بكلتا يديه، وباللون الأحمر القاني كتب على الصورة ”حزب المجاهدين“ أكبر الجماعات المتشددة التي تقاتل من أجل تخليص الشطر الهندي من إقليم كشمير ذي الغالبية المسلمة من الحكم الهندي.
قال يوسف (49 عاما) وهو يحدق في أرضية منزله المغطاة بالسجاد صباح يوم من أيام الشتاء في الآونة الأخيرة وقد عقد راحتيه المطبقتين داخل عباءته التقليدية ”كان ولدا يتحلى بالمسؤولية ويهتم بدراسته“، وقالت الأسرة إنها لم تتلق أي اتصالات من عويس منذ ذلك الحين، أصبح عويس واحدا من عدد متزايد من المتشددين المحليين الذين يقاتلون في سبيل استقلال كمشير في حركة تمرد يتسع انتشارها على وسائل التواصل الاجتماعي رغم القبضة الحديدية التي تحكم بها الهند الشطر التابع لها من كشمير.
ويرابط في هذه المنطقة ذات المناظر الخلابة عند سفح جبال الهيمالايا مئات الآلاف من قوات الجيش الهندي والشرطة المسلحة، والإقليم محل نزاع بين الهند وباكستان وخلال الثلاثين عاما الأخيرة سقط في انتفاضة على الحكم الهندي ما يقرب من 50 ألف قتيل من المدنيين والمتشددين وجنود الجيش وفقا لحصر رسمي، ومن الناحية التاريخية قاد حركة التمرد في الأغلب متشددون من باكستان تسللوا إلى الوادي، إلا أن مسؤولين هنودا يقولون إن عددا متزايدا من أبناء كشمير المولودين في المنطقة يتجه لحمل السلاح. وتقول بيانات حكومية إن المتشددين جندوا حوالي 400 من الكشميريين المحليين منذ بداية 2016 أي مثلي العدد الذي جندوه في السنوات الست السابقة، وتقول الهند إن جماعات باكستانية مستمرة في توفير التدريب والسلاح لهم وتنفي إسلام أباد هذا الزعم.
وقبل شهر فحسب من ظهور صورة عويس مالك على فيسبوك ترك شاب آخر اسمه عال أحمد دار بيته في منطقة قريبة بكشمير للانضمام إلى جماعة متشددة. وفي شهر فبراير شباط الماضي نفذ عملية انتحارية استهدفت قافلة من القوات وأسفرت عن مقتل 40 من رجال الشرطة الهندية ودفعت الهند وباكستان إلى شفا الحرب.
وبعد الهجوم الانتحاري شنت قوات الأمن الهندية عملية كبرى فتشت فيها بيوت سكان كشمير واعتقلت مئات من المؤيدين للجماعات المسلحة والمتعاطفين معها وأقارب المنتمين إليها. وتفجرت ست معارك على الأقل بين الشرطة الهندية والمتشددين.
وتقول أسر دار وغيره من الشبان المتشددين وكذلك بعض القيادات المحلية والخبراء السياسيين إن المواجهات بين السكان المحليين وقوات الأمن من الأسباب الرئيسية لمشاعر الغضب واعتناق الفكر المتشدد. ويتوقعون أن يحمل مزيد من الشبان السلاح بعد الحملة الأخيرة.
الحرية والشهداء
خارج الحارة الضيقة المؤدية إلى بيت أسرة مالك في كولجام بجنوب كشمير يسير التلاميذ إلى مدارسهم مارين بواجهات متاجر مغلقة وجدران كتب عليها كلمة ”أزادي“ أي الحرية في اللغة المحلية، وفي نهاية الحارة توجد مقبرة فيها مكان مخصص للمتشددين الذين يترحم الناس عليهم باعتبارهم ”شهداء“.
وتقول أسرة دار إنه اعتنق الأفكار المتشددة في 2016 بعد أن تعرض للضرب على أيدي جنود الجيش الهندي أثناء عودته من المدرسة وذلك لإلقائه الحجارة عليهم، قال أبوه غلام حسن دار الذي يعمل مزارعا ”أراد أن ينضم للمتشددين منذ ذلك الحين“.
ولم ترد وزارتا الداخلية والخارجية الهنديتان على طلبات للتعليق على هذا التقرير، وفي مؤتمرات صحفية منذ التفجير الانتحاري هون اللفتنانت جنرال كيه.جيه.إس. ديلون أكبر قادة الهند العسكريين في كشمير من الادعاءات عن ارتكاب الجنود مضايقات وانتهاكات للحقوق ووصفها بأنها ”دعاية“.
وقال إن الحملة الأخيرة التي شنتها قوات الأمن أسفرت عن قتل العقول المدبرة للهجوم وإن حركة التجنيد تراجعت في الأشهر القليلة الماضية، وقال سيد عطا حسنين الجنرال المتقاعد الذي خدم في الجيش بكشمير أكثر من 20 عاما إن الزيادة في أعداد المسلحين المحليين لا تدهشه، وأضاف ”من ولدوا في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات عندما بدأ الصراع كبروا الآن. وهذا جيل لم يشاهد سوى الأحذية العسكرية. وشعور هذا الجيل بالعزلة والاغتراب أكبر من شعور الجيل السابق“.
وفي القرن السابع عشر وصف أحد أباطرة المغول إقليم كشمير بأنه ”جنة على الأرض“. غير أن العنف ظل يزداد وينحسر منذ تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين هما الهند الهندوسية وباكستان الإسلامية بعد الاستقلال عن بريطانيا عام 1947، ولم يتم تسوية قضية كشمير وهي الولاية الوحيدة في الهند ذات الغالبية المسلمة وكانت المنطقة المحرك الرئيسي لحربين وعدة اشتباكات عنيفة بين البلدين.
واشتد التوتر بعد أن وصل رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه القومي الهندوسي إلى السلطة في نيودلهي في 2014. وقد وعد مودي بنهج أكثر تشددا تجاه باكستان وأتاح لقوات الأمن الرد بقوة على التمرد.
اتباع واني
في ذلك الوقت بدأ كثير من الشبان الكشميريين يلتفون حول برهان واني الذي ترك بيته في سن الخامسة عشرة للانضمام للتمرد. وكان له أتباع كثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ظهر في مقاطع مصورة مرتديا زيا عسكريا ومسلحا ببندقية هجومية للمناداة بالانتفاض على الحكم الهندي.
قالت أسرة واني لوسائل الإعلام المحلية إنه وشقيقه تعرضا للضرب على أيدي قوات الأمن عندما كانا في سن المراهقة. وكان واني في الثانية والعشرين من عمره عندما قتلته قوات الأمن في 2016 وشارك الآلاف في جنازته رغم القيود المفروضة على حركة الناس والسيارات، وقالت الأمم المتحدة في تقدير صدر العام الماضي إن قوات الأمن استخدمت القوة المفرطة في محاولة قمع الاحتجاجات الشعبية في كشمير منذ 2016 الأمر الذي أدى إلى مقتل ما بين 130 و145 شخصا وفقا لتقديرات المجتمع المدني، وقالت في التقرير إن الآلاف أصيبوا بجروح من بينهم حوالي 700 كانت إصاباتهم في العين جراء استخدام رجال الأمن بنادق الرش. وأضافت أن الآلاف اختفوا منذ بدأ التمرد.
ورفضت الحكومة الهندية التقرير ووصفته بأنه كاذب. وتواجه قوات الأمن الهندية منذ فترة طويلة اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان والتعذيب في كشمير لكن المسؤولين ينفون هذه الاتهامات، وتوجه الهند أصابع الاتهام إلى باكستان. ويقول مسؤولون إن التمرد في كشمير تموله باكستان وتنظمه وإن التمرد سيضعف إذا قطعت عنه هذه الموارد وإنه يمكنها ساعتها التركيز على بناء اقتصاد كشمير.
وقد أعلنت جماعة جيش محمد المتشددة التي تتخذ من باكستان قاعدة لها مسؤوليتها عن الهجوم الانتحاري الذي كان أسوأ عملية خلال التمرد، وتقول باكستان إنها لا تقدم سوى دعم معنوي لحق كشمير في تقرير المصير.
ويقول مير واعظ عمر فاروق أكبر القيادات الدينية الإسلامية في كشمير والذي يعتبر من المعتدلين بين المطالبين بالانفصال إن الهند لديها خططا حقيقية للتواصل مع شعب كشمير على الصعيد السياسي.
وقال ”في السنوات الخمس الأخيرة رأينا أن حكومة الهند لم تتحدث مع الكشميريين سوى من خلال ماسورة البندقية. هذا كل شيء. لم يكن ثمة نهج سياسي“، وأضاف ”لا أحد يموت في كشمير بسبب عدم وجود الطرق والكهرباء والمياه“.
فقدان ابن آخر
على بعد بضعة أميال إلى الجنوب من بيت عويس مالك في كولجام تعيش معصومة بيجوم التي قالت إن ابنها وأخيه تلقيا استدعاء لمعسكر تابع للجيش بعد يومين من التفجير الأخير واحتجزتهما السلطات منذ ذلك الحين.
ولم يتسن الاتصال بمتحدث عسكري للتعقيب، وخلف ألواح زجاجية على رف على الحائط ظهرت صور لشاب يبتسم وتتدلى من كتفه بندقية هجومية، وقالت معصومة بيجوم ”هذا هو ابني الآخر، توصيف“، وأضافت أن هذا الابن البالغ من العمر 24 عاما انضم لحزب المجاهدين في 2013 وقتله الجيش في العام نفسه.