اعتداء نيوزيلندا: الإرهاب اليميني ومقدمات الحرب الكبرى
مسلم عباس
2019-03-19 06:50
موجة عالمية من الادانات للاعتداء الارهابي الذي استهدف مسجدين بمدينة كرايست تشيرتش في نيوزيلندا، والذي اودى بحياة 50 مصليا واصابة العشرات، وحتى التناول الاعلامي الغربي مع الاعتداء كان مختلفا هذه المرة، ففي السابق لا يوصم الهجوم بالارهاب اذا تعلق بشخص غير مسلم.
جاءت المعالجة الإعلامية للاعتداء فريدة من نوعها، بنفس الطريقة التي جرت احداث الاعتداء، فقد نُشِرت العملية على الانترنت من قبل رجل اطلق على نفسه برينتون تارانت، ويظهر البث الرجل في لقطات مرعبة وهو يطلق النار بشكل عشوائي على رجال ونساء وأطفال من مسافة قريبة داخل مسجد النور في مدينة كرايست تشيرتش.
نيوزيلندا الدولة المعنية بهذا الاعتداء وصفته بالارهابي، اذ قالت رئيسة الوزراء جاسيندا أردرن، "من الواضح لدينا الان أنه يمكن وصف ذلك بأنه هجوم إرهابي"، ويتفق مع أردرن رئيس الوزراء الأسترالي "سكوت موريسون" على منفذ الهجوم المسلح، بأنه إرهابي من"اليمين المتطرف". بهذه التصريحات ردت الحكومات الاوربية على كل التقارير من وسائل الاعلام العربية والإسلامية التي المحت الى إمكانية وصم المهاجم بالمريض النفسي لابعاد شبهة العدوانية والعنف عن المواطنين الاوربيين.
اعتداء على الاستقرار العالمي
الاعتداء الإرهابي في نيوزيلندا لا يستهدف المسلمين فحسب، ولا يأتي من الاوربيين فقط كنوع من رد الفعل على الاعتداءات الإرهابية التي تقوم بها داعش واخواتها في المدن الاوربية، انما هو احد تطورات الحرب بين التطرف والاعتدال، التطرف الذي تمثله الأحزاب اليمنية في اوربا والدول الغربية، والجماعات المتشددة في الدول العربية والإسلامية.
وفي المقابل هناك الاعتدال الذي تمثله الاحزاب الاوربية التي تشرع القوانين لحماية القليات الدينية، وترفض التمييز العنصري والديني ضد المسلمين او غيرهم. وفي هذا السياق يتحدث منفذ الاعتداء على المصلين عن "اليأس" الذي أثاره في نفسه فوز ايمانويل ماكرون في الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، على المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبن.
وكذلك هي حرب ضد الاعتدال في العالم الإسلامي، فهناك الكثير من المسلمين الذين يرفضون ما تقوم به الجماعات المتشددة من اعتداءات إرهابية ضد المدنيين في اوربا لما تمثله من ممارسات يرفضها الدين الإسلامي، فضلا عن تشويهها لصورة المسلمين أيضا.
سلسلة الاسباب
ولا يمكن اختزال التحولات الأخيرة في تطور الفكر المتطرف وانتشاره على مستوى العالم، انما هو يأتي بسلسلة من الأسباب وفق الاتي:
اولاً: الصراع الدولي، فالحروب الكثيرة التي شنها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الامريكية، ضد بلدان إسلامية مثل أفغانستان والعراق، لا تزال اثارها شاخصة، واثرت بارتفاع منسوب التطرف سواء في البلدان الإسلامية وما تبعها من حركات مناهضة لاي شيء له صلة بالغرب، او بارتدادات الاعتداءات الإرهابية وما تبعها من صعود لليمين المتطرف، مثله في الولايات المتحدة صعود الشعبوي المتطرف دونالد ترامب، الذي لا يؤمن الا بفلسفة القوة والحرب، وابدى اعجابه بالزعماء الديكتاتوريين.
ثانياً: وسائل الاعلام وشيطنة الاخر في اطار الصراع الدولي، اذ تبرز وسائل الاعلام كمحرك للصراعات وموجه للافكار عبر خلق صور مشوهة للعدو تسهم في انتزاع أي قيمة إنسانية منه بما يسهل شن الحرب عليه وقتله.
ثالثاً: العاب الفيديو ومواقع التواصل الاجتماعي، فالمجرم طبق كل ما شاهده في العاب الهواتف الذكية، وضع كامرا تصوير فوق رأسه، ودخل المسجد وهو يطلق النار بشكل عشوائي يقتل كل من صادفه، محملا أدوات كاملة تشبه ما موجود في العاب الفيديو.
رابعاً: الأفكار المتطرفة، او ما تسمى بالفاشية الاوربية، تلك التي تدعو للتمييز بين الدول والشعوب، ودعو لالغاء الاخر بغية الحصول على النقاء العرقي، مستمدة افكارها من فلاسفة سابقين، وبتطبيقات عملية من أحزاب حالية مثل حزب البديل من اجل المانيا، او حزب الجبهة الوطنية الفرنسية بقيادة مارين لوبان.
لا يمكن وص اعتبار الاعتداء الإرهابي على المسجدين في نيوزيلندا سقوطا اوربيا، وبالتالي نشغل كل الالة الدعائية للقول ان اوربا إرهابية، بالتأكيد المجرم لا يمثل اوربا، انه يمثل الأحزاب اليمنية المتطرفة، وهي لا تؤمن الا بالحرب، واوربا نفسها تعتبرهم تهديدا لها، مثلما توجد لدينا الجماعات المتشددة التي يرفضها المسلمون، لكن أيضا علينا ان لا نبرر الاعتداء باعتباره درة فعل على جرائم الجماعات الإرهابية السلفية، فالارهاب إرهاب وحسب لا يمكن ان يحمل جنسية محددة.
اذا أراد المسلمون التفكير بافق أوسع، عليهم الوقوف مع اوربا في حربها ضد المتطرفين، لان الإرهاب لا يستثني أحدا، سواء كان اوربيا او عربيا، واذا ما استفحلت ظاهرة اليمين المتطرف، فان انتشار الحرب في دول العالم يصبح خبرا اعتياديا في النشرات التلفزيونية، وربما قد ينحدر العالم الى حرب كبرى وما يجري الا مقدمات لتلك الحرب.