استشهاد النبي (ص): تجديد العهد بالاقتداء لنهضة مستدامة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2025-08-21 03:28

(يمكننا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله في كل جانب من جوانب الحياة الدنيوية

والأبعاد الروحية).

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

الاقتداء بالنموذج أو بالقدوة، عنصر مهم وفاعل وأساسي في حياة الأمم وهي تتطلع نحو التطور، لأنه في غياب القدوة، يغيب المعلم والموجّه، وفي غياب هؤلاء لا يمكن لأية أمة أن تواكب ما يجري في هذا العصر المتسارع من ابتكارات ومكتشفات هائلة، كانت ولا تزال تتنافس الأمم فيما بينها كي تحتل الصدارة والقيادة.

وقد حبا الله أمة المسلمين قدوة ونموذجا عظيما ظهر من بينهم، يعرفونه ويعرفهم، حبونه ويحبهم، يثقون به ويثق بهم، باستثناء القلة القليلة من المنافقين والمرائين، فهؤلاء شخّصهم النبي صلى الله عليه وآله، وكان يعرف بأنهم يظهرون خلاف ما يبطنون، ويقولون ما لا يعملون، ومع ذلك لم يتم تهميشهم أو إقصائهم ولا معاقبتهم، لأنها هناك فرصة لإصلاحهم.

وهناك من يقول إن الاقتداء عمليا وفكريا بالقدوة يحتاج إلى مؤهلات وشروط، فهذا الشيء مع صعوبته، لكنه ممكنا، وإلا ما كان الله سبحانه وتعالى يأمر المسلمين الاقتداء بنبيهم، وهكذا فإن القدوة حاضرة وفاعلة ومتميزة، والمقتدين لهم حضور واضح في الأمة.  

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في محاضرة توجيهية متميزة:

(لو لم يكن الاقتداء ممكنا، لما أمر الله تعالى في القرآن الكريم بهذا الاقتداء. فلذا، يمكننا أن نتّخذ النبي صلى الله عليه وآله قدوة لنا ونستوحي منه المنهج الصحيح).

وهكذا طلب الله تعالى في كتابه الحكيم أن يقتدي المسلمون بنبيهم صلى الله عليه وآله، وعليهم أن يلتزموا بهذا من خلال الاقتداء في أفعال وأقوال وأعمال رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا الأمر يفتح لهم الطرق والمسالك المغلقة، ويجعلهم قادرين على بناء أمة قوية عالمة متفاعلة ومنتجة، لأن التأثير الكبير للقدوة يجعل الأمور للناس أسهل بكثير مما لو افتقدوا القدوة.

تذليل مصاعب حياة الأمة

بالطبع ليس هناك إنسان يمكنه أن يكون كالنبي صلى الله عليه وآله، لأن هذا التشابه يبدو مستحيلا على الإنسان العادي، ولكن هذا التشابه يمكن أن يحدث بالفعل بين أئمة أهل البيت عليهم السلام وقدوتهم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ولهذا فإن الله حبا أمة المسلمين بالقدوة في كل عصر، حيث شغل الأئمة الأطهار هذا الفراغ وجعلوا من أنفسهم وعلمهم وسلوكهم قدوات تُسهم في تذليل مصاعب الحياة للأمة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(لقد طلب الله من الجميع أن يتبعوا نبيّه وجعله قدوة للجميع في أفعالهم وأقوالهم وأعمالهم. علماً بأنّ ليس أحد قادراً على أن يكون مثل رسول الله صلى الله عليه وآله تماماً، إلاّ أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام والأئمة المعصومين عليهم السلام). 

لكن عدم القدرة في الوصول إلى مستوى النبي صلى الله عليه وآله من حيث العلم والفكر والسلوك، لا تعني أننا لسنا قادرين على المسير في هدي خطواته، كونه قدوة لنا، ومثالا ينبغي أن ندرسه جيدا، ونتعلم منه كل شيء، لاسيما أننا نعيش اليوم هذا التنافس بل والصراع الحاد بين أناس آخرين يسعون إلى التفوق علينا في كل شيء، مما يجعلنا تحت تأثيرهم.

وهذا الأمر لا ينبغي أن يحدث لأمة محمد وأهل البيت عليهم السلام، لأن الأمة التي يكون قدوتها محمد صلى الله عليه وآله، وأئمة أهل البيت لا يمكن أن تتفوق عليها الأمم الأخرى، ولكن بشرط الالتزام التام والنموذجي بالقدوة الذي تمكن في غضون عقدين أن يبني دولة عظمى وأمة لا تدانيها الأمم الأخرى في حينها، لذلك فإن إمكانية الاقتداء بالرسول الأكرم متاحة لأمة المسلمين في جميع الجوانب الدنيوية والمعنوية.

لذا علينا كأمة مسلمة، أن تقرر فعليا من دون تردد أن تطبق ما جاء في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن تحذو حذوه وتخطو خطوه، وبهذا فإن مفاتيح التطور تكون بأيدينا ومتاحة لنا، لنأخذ دورنا في تحسين الذات وتطويرها، ومساعدة الأمم بالتقدم إلى أمام.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول في هذه المحاضرة: 

(هذا لا يعني أنّه لا يمكننا جعل رسول الله صلى الله عليه وآله قدوة لنا، بل يمكننا الاقتداء به في كل جانب من جوانب الحياة الدنيوية والأبعاد الروحية، ونسعى إلى تشبيه أنفسنا به صلى الله عليه وآله. بلى، يمكن أن نسير على الدرب الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وآله، ويمكننا أن نتبع المنهج نفسه الذي كان ملتزماً به صلى الله عليه وآله).

المضيّ في طريق أهل البيت

كما أننا نتفق أن العصمة محصورة بالنبي صلى الله عليه وآله، وأن البشر العاديين لا يمكن أن يفوزوا بذلك، بسبب فقدان عصارة العصمة الكبرى في وجودنا، وهذا ما يجعل الإنسان المسلم العادي غير المعصوم غير قادر على وصول مزايا وسمات وملَكات المعصوم، لهذا فإن نيّاتنا لا يمكن أن تصل إلى درجة ومستوى نيات أهل البيت عليهم السلام.

لكننا نستطيع حتما أن نمضي على خطى أئمة أهل البيت ونجعل منهم قدوات ونماذج إيجابية نقتدي بها ونتعلم منها، ونشق طريق النجاح في هذه الحياة الحافلة بالمصاعب والصراعات والأزمات، لأن خسارتنا للقدوة تعني تراجعا هائلا في وجودنا ونشاطنا وفي تطوير حياتنا، أما الالتزام بما جاء به أهل البيت عليهم السلام، فهذا سوف يفتح لنا المنافذ المغلقة وذلك بمفاتيح اللطف والرحمة والتعامل السليم مع أنفسنا ومع الآخرين.

ذلك أن الرحمة واللين كأسلوب في الحياة يجعل منها مطاوعة لنا، وتمنحنا درجات عالية من التفوق على الآخرين، وقد درسنا وطالعنا الأسلوب النبوي وأسلوب أهل البيت عليهم السلام في كيفية التعاطي مع شؤون الحياة وفق أساليب الرحمة واللطف حيث تصبح العلاقات متحابة متوازنة ومتعاونة بعيدة عن الإقصاء، وهذه جزء من أسباب تطور حياة المسلمين سابقا ولاحقا. 

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يقول:

(بالتأكيد، إن ّنيّاتنا وأفعالنا لن تصل إلى نقاء وصلاح نيّة وأفعال رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنّ نقص عصارة العصمة الكبرى في وجودنا هو عامل أساسي في هذا الفرق. ومع ذلك، يمكننا أن نتحرّك نحو الاتجاه الذي يعكس نفحات من طيبة النبي الكريم صلى الله عليه وآله). 

ومن الأهمية القصوى أن يتعلم قادة الدول والحكومات الإسلامية من أسوتهم وقدوتهم رسول الله صلى الله عليه وآله، كيفية التعامل باللين والرحمة والأخلاق المتميزة مع الآخرين، فلا يصح أن نمتلك هذا الإرث العظيم على المستوى السياسي والأخلاقي والديني، ولا نكون قادرين على النجاح في بناء دولنا ومجتمعاتنا.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(من المناسب أن يتعلّم قادة الحكومات الإسلامية من رسول الله صلى الله عليه وآله، ويجعلوا اللين والرحمة والأخلاق الحسنة أساساً في تعاملهم مع الناس).

وأخيرا فإن ذكرى استشهاد النبي صلى الله عليه وآله، لابد أن تحرّك فينا المياه الراكدة، وتضع أقدامنا على الطريق المستقيم، فالحقيقة نحن امة الإسلام لا يعوزنا التفكير السليم ولا التخطيط السليم، ولا الإرادة الجيدة، لكننا نحتاج إلى أن نتمثل سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وسيرة الإمام علي، وأئمة أهل البيت عليهم السلام، ونمضي في حياتنا على وفق ما ترسمه لنا هذه السِيَر الخالدة.

ذات صلة

الرسول الأكرم: بين ألم الفراق وألم التمرد على القيادةالحق في رد الاعتبار الوظيفيهل يملك مجلس النواب الخيار التشريعي بمخالفة ثوابت احكام الإسلامنظرات في علم النفس الاجتماعي في الرؤية الإسلاميةكثرة الأحزاب في العراق: تنوع ديمقراطي أم أزمة اجتماعية سياسية؟