الإمام الشيرازي.. القوة الناعمة ومشروع تغيير الأمة

باسم حسين الزيدي

2025-12-23 04:23

في عالم باتت فيه القوة العسكرية او الاقتصادية وحدها غير كافية لصناعة النفوذ والسيطرة على الاخرين او حماية الامة من التأثير الخارجي ومنحها الاستقرار المطلوب، برز مفهوم القوة الناعمة او (soft power) بوصفه أحد أهم أدوات التأثير نفوذاً على المجتمعات المعاصرة، هذه القوة استخدمت كسلاح ذو حدين، فهي لا تقوم على الإكراه أو العنف او القوة، بل تعتمد على القيم، والأخلاق، والثقافة، والقدوة، والكلمة، أي بالقدرة على كسب العقول والقلوب بدل إخضاع الأجساد، لذلك فهي تصنع التأثير السالب للقيم والاخلاق والافكار الخاصة بمجتمع ما، او لحماية هذه المجتمعات من الغزو الثقافي والفكر الذي قد تتعرض له من عدو خارجي. 

وعلى الرغم من أن مصطلح "القوة الناعمة" قد صاغه الكاتب الامريكي المعروف "جوزيف ناي" في أواخر القرن العشرين، إلا أن "الجوهر الايجابي" لهذا المفهوم يمكن ان يكون حاضرا في الفكر الإسلامي وتطبيقه على ارض الواقع عمليا، خصوصا في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، التي استلهمت افكارها ومبادئها من الرسول الاعظم محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، حيث جعلت من الكلمة الصادقة، والسلوك الأخلاقي، وبناء الإنسان الواعي، أساسا للتغيير والإصلاح في سلوكيات وافكار الفرد والمجتمع.

وقد مثل هذا النهج محاولة لاستنهاض الامم واعادة بناء الانسان والحضارة في العصر الحديث، وبرز المرجع الراحل الإمام محمد الحسيني الشيرازي بوصفه مفكرا ومرجعا إسلاميا اشتغل على بناء الأمة من الداخل، لا عبر الصدام، بل عبر التأثير الحضاري الناعم والاصلاح الهادئ.

إن دراسة فكر السيد الشيرازي من زاوية مفهوم "القوة الناعمة" تتيح لنا فهم مشروعه بوصفه مشروعًا استراتيجيا طويل الأمد، يهدف إلى إعادة تشكيل وعي الأمة، وبناء صورتها الأخلاقية، وتمكينها من التأثير في محيطها والعالم، من خلال اعادة احياء هويتها ورسالتها الخالدة.

القوة الناعمة في المنظور الإسلامي

القوة في التصور الإسلامي لا تختزل في السلاح أو الغلبة، بل تقاس بمدى التأثير القيمي والأخلاقي، وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا المعنى بوضوح حين جعل الكلمة الطيبة أداة تغيير عميقة ثابتة الجذور وواسعة التأثير، فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)، هذه الآية تؤسس لمنطق القوة الناعمة، فالتأثير الحقيقي هو ذاك الذي يمتد جذوره في الأرض، ويعلو بآثاره في السماء، دون عنف أو قهر.

كما يؤكد القرآن أن الأسلوب جزء من جوهر الرسالة، لا مجرد وسيلة، إذ يقول سبحانه: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، وهنا تتجلى القوة الناعمة في أبهى صورها حيث تتحول العداوة إلى مودة عبر الأخلاق والحكمة، لا عبر الغلبة والقوة والخشونة.

اما مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فقد قامت على التأثير الأخلاقي والفكري الهادئ في ايصال خطابها ونشر مبادئها بين افراد الامة الاسلامية، حتى في أحلك ظروف القمع والاستبداد التي مورست بحقهم وبحق اتباعهم، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "كونوا دُعاةً للناس بغير ألسنتكم، وكونوا زينا ولا تكونوا شينا"، وهذا الحديث يلخص فلسفة القوة الناعمة التي تعتمد على السلوك الواقعي قبل الخطاب، والقدوة الصالحة قبل الشعارات.

لم يستخدم الإمام الشيرازي مصطلح "القوة الناعمة" بصيغته المعروفة حديثاً، لكنه مارسها نظريا وعمليا وبالطريقة الايجابية للمفهوم، فقد آمن أن التغيير القسري يولد ردود فعل معاكسة، بينما التغيير الفكري والأخلاقي يصنع تحولا دائما، حيث قال: "قد ضرب الأنبياء العظام والأئمة الكرام والعلماء العاملون أروع الأمثلة في التواضع للحق وفي الخلق الحسن، وبذلك تمكنوا من جذب الناس إلى أهدافهم". 

لذلك ركز الشيرازي في مشروعه على نشر الوعي وبناء الإنسان وتأسيس المؤسسات الثقافية، بالإضافة الى تعزيز الحريات واعتماد اللاعنف منهجا اساسيا للفرد والامة.

وكان يرى أن الأمة لا تهزم حين تقهر عسكريا فقط، بل حين تفقد قدرتها على التأثير القيمي، لذا، فإن استعادة دور الأمة يبدأ من استعادة صورتها الأخلاقية ورسالتها الحضارية، وقد ادرك أن القوة الناعمة ليست ترفا فكريا، بل ضرورة وجودية للأمة، خصوصا في زمن تتصارع فيه الأفكار قبل الجيوش، والصور قبل المدافع: "على الذين يريدون التغيير أن يعقلنوا حركتهم وبحسب متطلبات الظروف لا بحسب رد الفعل، حيث إن الإنسان إذا كانت حركته في دائرة رد الفعل سيكون في أزمة يخلقها عدوه له، حيث إن رد الفعل يسحب الإنسان حيث أراد صاحب الفعل، لا حيث هو يريد".

مشروع التغيير الناعم

ينطلق الإمام الراحل الشيرازي من قاعدة فكرية واضحة المعالم مفادها أن الأمة لا تبنى من فوق، بل من داخل الإنسان نفسه، لذلك فان تأثير القوة الناعمة لا يمكن أن يتحقق عبر الشعارات أو الهياكل وحدها، وإنما عبر بناء إنسان يتصف بالوعي والحرية والاخلاق والمسؤولية من خلال عملية التغيير الناعم او التدريجي، لذلك كان تركيزه الأكبر منصبا على بناء الإنسان قبل بناء الدولة، وعلى إصلاح العقول قبل تغيير الأنظمة، حيث تجده يقول: "لا يكون الإنسان من اليوم الأول عادلاً كاملاً أو زاهداً كاملاً أو شجاعاً كاملاً أو كريماً كاملاً أو عالماً كاملاً وإنما يصل إلى القمة تدريجياً". 

هذا المنهج نجد جذوره في القرآن الكريم، حيث يربط التغيير الاجتماعي بالتغيير الداخلي، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، اذ تؤكد هذه الآية أن التحول الحقيقي يبدأ من الوعي، والإرادة، والقيم، وهي كلها عناصر تشكل جوهر القوة الناعمة، حيث رأى أن أي مشروع نهضوي يتجاوز الإنسان أو يهمله، هو مشروع محكوم بالفشل مهما امتلك من أدوات مادية.

كما اعتبر (رحمه الله) أن الجهل وقلة الوعي هو العدو الأول للأمة، وأن أخطر أشكال الاستضعاف ليست القهر العسكري، بل تعطيل الوعي، لذلك جعل من نشر الثقافة والمعرفة أحد أهم واجبات العالم والمفكر، فالإنسان الواعي، في منطقه، يمتلك قدرة تلقائية على التأثير في محيطه، ويصبح عنصر جذب وإقناع، لا أداة صراع وهذا هو لب القوة الناعمة أن يؤثر الإنسان بفكره وسلوكه دون أن يفرض نفسه بالقوة، ومن هنا نفهم إصراره على التعليم والقراءة والتأليف والحوار بوصفها وسائل استراتيجية طويلة الأمد لبناء نفوذ حضاري أخلاقي.

كما لم يكن الشيرازي معنيا ببناء إنسان مثقف فقط، بل إنسان أخلاقي، لأن الأخلاق هي اللغة العالمية التي تفهمها جميع الشعوب والثقافات، وقد رأى أن انحطاط صورة الأمة في العالم يعود في جزء كبير منه إلى التناقض بين القيم المعلنة والسلوك العملي، وقد استشهد القرآن الكريم بأهمية اللين والخلق الحسن في التأثير، حين خاطب النبي (صلى الله عليه وآله): (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، اذ انها تضع أساسا أخلاقيا للقوة الناعمة، فالرحمة واللين يصنعان النفوذ لا القسوة والتشدد.

مراكز القوة الناعمة

آمن السيد الشيرازي بأن الأفكار مهما بلغت قوتها وعمقها تبقى محدودة الأثر ما لم تتحول إلى مؤسسات حية قادرة على الاستمرار والتجدد، فالقوة الناعمة، مثلاً، لا تبنى بالجهود الفردية المؤقتة بل تحتاج إلى أطر تنظيمية تحفظ الفكرة، وتنقلها، وتحولها إلى ممارسة اجتماعية وثقافية دائمة، من هذا المنطلق، ركز على بناء وتفعيل مؤسسات دينية وثقافية وتعليمية، ليس بوصفها أبنية مادية فقط، بل باعتبارها مراكز إشعاع حضاري تسهم في تشكيل الوعي العام، وتؤثر في سلوك المجتمع بهدوء وعمق، ومن اهم هذه المراكز المؤثرة يمكن ذكر:

1. الحوزات العلمية: لم ينظر الإمام الشيرازي إلى الحوزة العلمية بوصفها مؤسسة تعليمية تقليدية فحسب، بل رآها قلب القوة الناعمة للأمة، ومصدرا لإنتاج الفكر والقيادة الأخلاقية، ولذلك دعا إلى تطوير دور الحوزة لتكون منفتحة على قضايا العصر ومتفاعلة مع المجتمع وقادرة على تقديم حلول عملية لمشكلات الناس.

لقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) قوله: "العلم سلطان، من وجده صال به، ومن لم يجده صيل عليه"، فالعلم، حين يتحول إلى وعي اجتماعي عبر المؤسسات، يصبح أداة نفوذ وتأثير، عكس من يفقد العلم يصبح اسيراً للجهل والتبعية والتأثير السلبي، لذلك بادر الشيرازي الى تأسيس عدد كبير من الحوزات العلمية في مختلف انحاء العالم، لعل أبرزها الحوزة الزينية في سوريا، وحوزة كربلاء المقدسة في العراق.

2. المساجد والحسينيات: من أبرز معالم مشروع الإمام الشيرازي المؤسسي اهتمامه الكبير بـالمساجد والحسينيات والمجالس الدينية، التي لم يكن ينظر إليها كمواقع شعائرية فحسب، بل بوصفها فضاءات تواصل ثقافي واجتماعي، تبنى فيها العلاقات، وتناقش فيها القضايا العامة، وتزرع القيم في النفوس، وقد استلهم هذا الدور من سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، حيث شكلت هذه الامكان وما تحويه من حركة علمية وثقافية واخلاقية واجتماعية أداة حفظ للهوية والقيم ونقل للرسالة، وهي ليست مجرد اماكن لاستذكار التاريخ، بل لبناء وعي جمعي قائم على القيم المشتركة للامة.

3. النشر والتأليف: يعد الإنتاج العلمي الضخم للإمام الشيرازي –الذي تجاوز مئات المؤلفات– شاهدا حيا على إيمانه العميق بدور الكلمة المكتوبة في صناعة التأثير الحضاري، فقد كان يرى أن الكتاب يعيش أطول من صاحبه، وهو عابر للحدود المصطنعة ويملك قوة التأثير دون ضجيج، فالكتابة هنا ليست أداة تسجيل فقط، بل وسيلة بناء للأفكار وصناعة للوعي، وهي من أقوى أدوات القوة الناعمة عبر التاريخ.

4.: بناء المؤسسات: يمكن القول إن السيد الشيرازي نقل مشروع القوة الناعمة من المستوى الفردي إلى المستوى المؤسسي، حيث أصبحت المؤسسات حاضنة للقيم وناقلة للفكر، وهي كذلك ضامنة للاستمرارية، وهذا ما يمنح القوة الناعمة عمقا زمنيا وقدرة على التأثير عبر الأجيال، بعيدا عن التقلبات السياسية والظروف الآنية، لذلك تجد المئات من المؤسسات الثقافية والخيرية والعلمية والاعلامية والاجتماعية المنتشرة في ارجاء العالم، والتي مارست دورها الحضاري والفكري والخدمي بصورة عملية.

اذ لم يكن يحبذ الاقتصار على القنوات التقليدية، بل تبنى وسائل الإعلام الحديثة للوصول الى قوة التأثير من خلال المجلات والصحف والإذاعة، وكذلك المراكز البحثية المختصة والنشر العلمي بهدف نشر الثقافة والفكر الإسلامي الحقيقي لمواجهة الصورة المشوهة عن الدين، وخلق عملية التأثير في الرأي العام الداخلي والخارجي بطريقة وصفها القران الكريم بقوله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، حيث تبرز أهمية المنهجية والتكتيك في الدعوة والتأثير.

لم يقتصر فكر الشيرازي على الداخل الإسلامي أو على القضايا المحلية، بل كان دائما ينظر إلى الأمة الاسلامية ضمن شبكة عالمية، فقد أدرك أن القوة الناعمة للأمة لا تتحقق إلا إذا امتد تأثيرها إلى العالم الخارجي عبر القيم والأخلاق والمعرفة التي تملكها وتؤهلها لصنع التأثير الانساني خارج حدودها، يقول تعالى: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)، فالتوجيه الإلهي يشمل الأمة لتكون نموذجا موجها للخير للآخرين، وهو ما طبقه الإمام الشيرازي في رؤيته للعلاقات الحضارية والدعوة الهادئة.

أن الأمة القوية أخلاقيا وفكريا قادرة على التأثير عالميا بدون اعتماد على القوة العسكرية أو الاقتصادية فقط، ومن هنا جاء اهتمامه بنشر الثقافة الإسلامية العميقة واقامة المؤسسات والمراكز البحثية خارج الحدود الاسلامية، وترجمة مؤلفاته وكتبه لتصل إلى الثقافات المختلفة، فالعلم والمعرفة الصحيحة يصبحان أداة تأثير حضارية عالمية، وهو جوهر القوة الناعمة.

هذه المؤسسات ساهمت في تشكيل صورة حضارية للأمة الإسلامية، تعكس قيمها، وتبرز دورها الفكري والأخلاقي في العالم، بعيدا عن الصدام والمواجهة العسكرية.

كما كان يرى بأن الأمة لا يمكن أن تفرض نفسها بالقوة وحدها، بل عبر الحوار الحضاري، لذلك دعا الى الحوار لا الى الصدام مع الغرب، عبر الكلمة والفكر، مثلما اشار القرآن الكريم هذا النهج: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، فالآية تحث على الحوار الذكي، وهو أداة قوة ناعمة فعالة على الصعيد العالمي.

التحديات المعاصرة 

رغم التحديات الكبيرة التي تواجه الأمة في العصر الحديث، يرى الإمام الشيرازي أن القوة الناعمة تبقى أفضل وسيلة مستدامة لممارسة عملية صناعة التأثير ومواجهة القوى المضادة، اذ يمكنها مواجهة التحديات الفكرية والثقافية بنفس القوة والتأثير، وهي السبيل لجذب الآخرين والتأثير بهم دون استخدام القوة، وهذا يرسخ قاعدة ذهبية مفادها ان الأمة تملك نفوذاً فكريا ورصيداً اخلاقيا لا تهزم، بل تتأثر بها الأمم الأخرى وتحاول تقليدها والسير في ذات مشروعها.

ومع هذا تعيش الأمة الإسلامية اليوم في عصر متسارع التغيرات، حيث تتشابك فيه الأزمات السياسية والنزاعات الطائفية والهيمنة الإعلامية والفكرية الغربية، اضافة الى العولمة وما بعدها والتأثيرات الثقافية الخارجية لها، وقد رفض السيد الشيرازي مواجه هذا المد الجارف بالعنف والاكراه، بل بأسلوب اللاعنف القائم على قوة تأثير القيم والأخلاق والفكر المؤثر، والاعتماد على تعزيز دور المؤسسات الثقافية والدينية، ومحاولة رفع الوعي للامة لضمان التماسك الداخلي، وتقديم خطاب حضاري عقلاني بعيد عن العنف والتطرف.

الخاتمة

ان رؤية الإمام الشيرازي للقوة الناعمة للأمة يمكن ان تمثل مشروع معاصر ومستدام للمشاكل التي تعاني منها الامة الاسلامية لو احسنت ادارة مواردها المادية والمعنوية ورصيدها الفكري والاخلاقي والحضاري العملاق، وقد جمع الشيرازي في افكاره بين القيم الدينية، والوعي الفردي، والمؤسسات الحضارية، والصورة العالمية للأمة، ليؤسس مشروعًا حضاريا متكاملا صالحاً للتطبيق، والتي يمكن تلخيص في النقاط التالية:

1. الإنسان أساس القوة الناعمة: ركز على بناء الإنسان الواعي، الأخلاقي، المستقل فكريا، بوصفه اللبنة الأساسية لأي تأثير حضاري، فالوعي الفردي والجماعي هو قاعدة القوة الناعمة.

2. المؤسسات كأدوات استدامة التأثير: المؤسسات الدينية، دور النشر والمكتبات، ومراكز البحوث والدراسات كانت أدوات عملية لبناء القوة الناعمة، لأنها تحافظ على الفكر والقيم وتوسع دائرة تأثيرها على المجتمع.

3. الحرية والتعددية بوصفهما قوة جاذبة: الحرية الفكرية والاجتماعية والسياسية، والتعددية الرأي، هي عناصر جذب حضاري تجعل الأمة نموذجا يحترمه الآخرون ويقتدي به، بعيدا عن الإكراه والاستبداد.

4. اللاعنف والكلمة والإعلام كأدوات استراتيجية: ان التحول من القوة المادية إلى القوة الأخلاقية والفكرية، عبر الكلمة الصادقة والإعلام المسؤول، يمكن الأمة من التأثير بهدوء واستدامة، ويحول الخصومة الفكرية إلى الشراكة والتعاون.

5. البعد العالمي: ان فكر الشيرازي يمتد إلى العالم، مع التركيز على الحوار الحضاري وصورة حضارية جاذبة للأمة، كما ان مشروعه يقدم استراتيجية مستدامة للتأثير في زمن الأزمات والتحديات الحديثة، حيث تتفوق القوة الناعمة على القوة العسكرية وحدها.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2025

http://shrsc.com

ذات صلة

في ذكرى مولده: الإمام الباقر رائد العملة النقدية الإسلامية‏سلاح الفصائل.. من جديدنحو تسوية جديدة في العراق؟تفكيك المركزية الغربية.. قراءة في مشروع الاستغرابالإجماع على مرحلة ما بعد النيوليبرالية أصبح واقعاً