أحداث نيوزيلندا وضرورة العودة إلى كربلاء
حسن السباعي
2019-03-17 07:15
لقد صُدِم العالم يوم الجمعة ١٥ مارس إثر سماعه ماحدث في نيوزيلندا تلك البقعة البعيدة التي بالكاد يذكر اسمها في نشرات الأخبار وها هي اليوم تتصدر قوائم الأخبار العالمية.
لقد نقلت وكالات الأنباء على لسان رئيس الوزراء الأسترالي إن منفذ أحد الهجومين يميني متطرف من استراليا.. كما أن المنفذ بنفسه قد صرّح في بيان مطول قبيل إجراء الجريمة بإيمانه بايديولوجية يمينية متطرفة.
وقد كتب عن نفسه أنه بدأ في التخطيط لهجوم ما كـرد فعل لما حدث عام 2017 عند ذهابه إلى أوروبا، حيث أغضبه الهجوم الإرهابي بشاحنة هناك نفذه أحد المتفاعلين مع داعش في السويد.
وبعد أن أنهى عمليته - الموثّقَة بالبث المباشر- ركب سيارته وقام بفتح نشيد حماسي لوحدات قومية صربية شبه عسكرية عرفت باسم "التشتنيك" وجدت خلال الحرب البوسنية بين عامي 1992 و1995. هذه الأغنية تمجد الزعيم الصربي (رادوفان كاراديتش) المدان بقيامه بعملية إبادة جماعية وجرائم حرب..
كما عبر بالكتابة على أسلحته أسماء رجال مدانين بقتل مسلمين ومهاجرين.. بينما أشارت الكلمات الأخرى المكتوبة على الأسلحة إلى معارك تاريخية نشبت بين البلدان الأوروبية والإمبراطورية العثمانية. (١)
كما يظهر مما سبق؛ فإن دواعي منفذ الحادثة إيديولوجية بحتة في مواجهة إيديولوجية مناوئة أخرى متمثلة بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، أو ما شابهها من إيديولوجيات دينية مخالفة لفكره..
ومن زاوية أخرى؛ أثار السيناتور الأسترالي فرايزر أنينغ، ضجة كبيرة بعد تبريره في بيان الهجوم الإرهابي على المسجدين في نيوزيلندا وقال: "السبب الحقيقي لإراقة الدماء في نيوزيلندا اليوم هو برنامج الهجرة الذي سمح للمسلمين بالهجرة إليها". وأضاف: "لنكن واضحين، ربما يكون المسلمون ضحية اليوم.. لكن في العادة هم المنفذون، وفي العالم يقتل المسلمون الناس بمستويات عالية باسم دينهم". وتابع: "الدين الإسلامي ببساطة.. هو أصل وأيديولوجية العنف من القرن السادس. فقد برر الحروب اللانهائية ضد كل من يعارضه ويدعو لقتل غير المؤمنين به".(٢)
وكـ نتيجة لهذا الفكر وأمثاله فإن الأبرياء العزل هم ضحايا صراع بين الإيدويولوجيات؛ فتارة يكون ذلك بواسطة إيدويولوجية قومية وعنصرية مثالها: الحدث النيوزيلندي كما أسهبنا سابقا..
وتارة يكون العامل الإيديولوجي الديني هو الفاعل ونموذجه نحر طفل شيعي في المدينة المنورة بواسطة فرد يحمل إيديولوجية دينية، أو عمليات تنظيم داعش أومن يحمل أفكارهم في السويد والنرويج وفرنسا والشرق الأوسط..
في هذه المقالة لست بصدد مناقشة أي إيديولوجية من الإيدويولوجيات أو الأفكار، وهل هي مرفوضة أم مقبولة ظاهراً وباطناً..
إنما أنا هنا بصدد لفت الأنظار إلى فكرة نفي الإيدويولوجيات كلها في الحياة اليومية، وذلك من خلال تسليط الضوء على كلمة الإمام الحسين عليه السلام التي أطلقها في ذروة المعركة يوم عاشوراء مخاطباً جيش العدو: "إن لم يكن لكم دين، وكُنتُم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم" (٣)
هذه الكلمة التي يحق لها بجدارة أن تُعَنوَن بـ "إيديولوجية نفي الإيديولوجيات" حيث إنها نفت وصهرت جميع الإعتبارات والإنتماءات والحدود المذهبية والطائفية والقومية والعشائرية والسياسية والاجتماعية ونادت بأن لأي إنسان كامل الحرية والحق أن يكون فرداً محترماً في هذه الحياة الماديّة بأي فكر كان شرط أن لا يعتدي على أحد مسالم وضمنت بذلك للبشرية جمعاء وللفرد السعادة والأمن في مدينته الفاضلة التي يحلم بها..
لقد أصدر الإمام الحسين عليه السلام كلمته هذه حينما رأى أفراد العدو يتوجهون لمواجهة الأطفال والنساء العزّل في الخيام، وهذين الصنفين لا دخل لهم في الحرب حسب كل الأعراف البشرية.
بل لا ينبغي محاربة أي شخص مهما حمل من فكر ومعتقد مناوئ ما لم يعلن الحرب.
نعم؛ يجب أن يكون مصوناً وآمناً حتى وإن كان خصما لدوداً في الفكر..
كما أنه عليه السلام أراد أن يقول إن الصراعات والخلافات السياسية والفكرية إن أدت إلى مواجهات عنف عملية فإن ذلك ضد الأخلاق والفطرة الإنسانية والحرية والمبادئ..
إن الإمام الحسين عليه السلام جاء ليخاطب هذا الإنسان ويقول له؛ إن كنت معتقدا بشيء، أو إن لم تكن معتقد بشيء وترى أن الحياة لا تتعدى الحياة والموت، ولا يهلكك إلا الدهر، فكن حرّاً وكريماً وسعيداً، ولا تنزل إلى الحضيض بقتل الأبرياء.
من هنا فإن مقولة السيناتور الأسترالي الذي يتهم الإسلام بأنه الحامل لإيديولوجية العنف إنما جاء ناقصاً أو محرفاً أو بعبارة أدق هي نصف الحقيقية؛ ذلك لأن إيديولوجية العنف هذه ظهرت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حينما تنمرت جماعة على خليفته الحقيقي وابنته الوحيدة لاستلام ولاية وإمرة جماعة المسلمين تارة بحد السيف وإراقة الدماء، وتارة أخرى بطرق الترهيب والترغيب حتى وصل الأمر ببعضهم إلى ظلم أهل البيت عليهم السلام بالأمر بإحراق دارهم عليهم إذا لم يبايعوا!.
وكما يقول الأستاذ راجي أنور هيفا: " إن إبعاد الإمام علي عليه السلام عن الخلافة وتجاهل ما حدث في يوم الغدير الأغر، واللجوء إلى سياسة العنف والإرهاب وإجبار الناس على البيعة هو الفاتحة الحقيقية لحركات العنف في الإسلام. وما العنف الذي تشهده الساحات الإسلامية اليوم في عملية الحوار الدامي بين المسلمين أنفسهم من جهة وبين المسلمين والغرب من جهةٍ أخرى، إلا النتيجة الطبيعية لعملية إغتيال قضية الإمام علي عليه السلام". (٤)
من هنا وبناءا على ما سبق؛ فإن حل أزمة العنف القائم في العالم والصادر عن أصحاب الإيديولوجيات المختلفة هو نشر رسالة سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام: "إلغاء الإيديولوجية في التعامل في الحياة العامة" وذلك بوضع حياة حرة خالية من جميع الانتماءات الفكرية، والتعامل كـ بشر لا بمنحنى ديني ولا إيديولوجي ولا عنصري وهو المتمثل بـ " كونوا أحراراً في دنياكم".