داعش داخل أوروبا وهاجس الخارجين من السجون
عبد الامير رويح
2018-09-02 06:47
رغم هزيمة تنظيم داعش في سوريا والعراق وفقدان الكثير من عناصره، ما يزال هذا التنظيم وعلى الرغم من عدم عودة الأوروبيين الملتحقين بالتنظيم الإرهابي بأعداد كبيرة إلى بلدانهم، يثير مخاوف كبيرة في العديد من الدول الاوروبية، التي سعت الى اتخاذ خطط واجراءات امنية متشددة خصوصا وان التوقعات الاستخبارية تشير الى ان خطر وقوع هجمات إرهابية في القارة العجوز "مرتفع جدا". ومنذ هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر على برجي التجارة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001، شهدت أوروبا سلسلة من الهجمات الإرهابية ضربتها بالعمق واستهدفت عدة عواصم ومدن أوروبية باستخدام وسائل هجوم مختلفة.
وقالت وكالة الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروبول) إن الأوروبيين الذين سافروا للانضمام إلى تنظيم داعش في سوريا والعراق لم يعودوا بأعداد كبيرة منذ أن فقد التنظيم معاقله هناك لكنهم كانوا مصدر إلهام لعدد متزايد من الهجمات من الداخل. وقال مانويل نافاريتي مدير مركز مكافحة الإرهاب في الوكالة في مؤتمر صحفي بمقرها في لاهاي إن تعقب المسلحين العائدين من ميادين القتال هناك لا يزال الشاغل الرئيسي لمسؤولي مكافحة الإرهاب الغربيين رغم أنهم لم يتدفقوا عائدين بأعداد كبيرة. وقال ”الخطر الرئيسي يأتي من المقاتلين الإرهابيين الأجانب برغم أن أعداد... العائدين منخفضة“.
لكنه أضاف أن الهجمات التي ينفذها بأدوات بسيطة مثل السكين أو سيارة أشخاص منفردون يستلهمون أفكار التنظيم المتشدد زاد عددها على مدى الأعوام الماضية. وأوضح أن معظم تلك الهجمات كان أقل فتكا من هجمات المقاتلين السابقين، إلا أن الشرطة تواجه صعوبة أكبر في وقفها. وقالت وكالة الشرطة الاوروبية (يوروبول) ان هجمات الجهاديين ضد اهداف اوروبية زادت بأكثر من الضعف العام الماضي، محذرة من أن خطر شن تنظيم داعش هجمات اقل تطورا "لا يزال مرتفعا للغاية". والعام الماضي تم الابلاغ عن 33 هجوما ارهابيا في القارة وبريطانيا من بينها عشرة نجح الجهاديون في تنفيذها وادت الى مقتل 62 شخصا، بينما فشلت الاخرى او تم احباطها، بحسب اليوروبول في تقريرها السنوي الذي صدر في لاهاي.
وبالمقارنة فإن عدد الهجمات التي ابلغ عنها في 2016 لم يتعد 13 هجوما ادى عشرة منها الى مقتل 135 شخصا. الا ان "الزيادة في عدد الهجمات الجهادية الارهابية في 2017 تزامنت مع انخفاض تطورها من حيث الاعداد والتنفيذ"، بحسب تقرير "وضع وتوجهات الارهاب 2018" الذي اصدرته وكالة يوروبول. وشملت تلك الهجمات هجوم جسر وستمنستر في لندن في 22 اذار/مارس العام الماضي، وهجوما مشابها على جسر لندن بعد ذلك بشهرين عندما قام مهاجمون بدهس مارة بعرباتهم وطعنوا المارة بالسكاكين ما ادى الى مقتل 13 شخصا واصابة نحو 98 اخرين.
وقالت وكالة يوروبول "مع تراجع قوة التنظيم اصبح يحث اعضاءه على شن هجمات منفردة في بلدانهم بدلا من توجيههم للسفر والالتحاق بما يسمى الخلافة". الا انها حذرت من ان "تهديد الهجمات الارهابية في الاتحاد الاوروبي لا يزال مرتفعا جدا كما ظهر في الهجمات التي وقعت في 2017". وقال التقرير "يجب ان يوضح ان تنظيم داعش والقاعدة وغيرها من الجماعات الجهادية لا تزال تشكل تهديدا كبيراً، ولديها النية والقدرة على شن هجمات ارهابية في الغرب".
فرنسا
وفي هذا الشأن عرض رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب في مقر المديرية العامة للأمن الداخلي خطة جديدة لمكافحة الإرهاب. وترتكز الخطة بصورة خاصة على التصدي لمخاطر جهادية "متحركة" باتت "داخلية" بمعظمها، كما تنص على تدابير عدة من بينها مراقبة المعتقلين الخارجين من السجن وإنشاء نيابة عامة لقضايا الإرهاب. وقال فيليب من مقر المديرية بالمنطقة الباريسية إن "الإرهاب لم يعد يسير من خلايا موجودة في سوريا، فهو يتخذ وجه أشخاص، هم أحيانا أحداث جانحون، أو أشخاص ذوو حالات نفسية ضعيفة أو انقادوا إلى التطرف أو اعتنقوه من تلقاء أنفسهم". وقتل 246 شخصا منذ 2015 في اعتداءات وقعت على الأراضي الفرنسية.
وفي مواجهة خطر "مبهم ومتحرك"، أكد رئيس الوزراء على دور المديرية العامة للأمن الداخلي في "قيادة" مكافحة الإرهاب موضحا أنها ستتولى من الآن فصاعدا "تنسيق عمليات" الاستخبارات والتحقيقات القضائية في فرنسا. ومن أهم التدابير الـ32 التي تنص عليها الخطة إنشاء "خلية محددة المهمة" لمتابعة المعتقلين الإرهابيين أو المتطرفين الخارجين من السجن، وهو ما يطرح أحد أكبر تحديات مكافحة الإرهاب في وقت يتوقع الإفراج عن حوالى 450 معتقلا إرهابيا أو متطرفا بحلول نهاية 2019.
كما أعلن رئيس الوزراء عن إنشاء نيابة عامة وطنية لمكافحة الإرهاب، وفق إجراء أعلنت عنه وزيرة العدل نيكول بيلوبيه في كانون الأول/ديسمبر 2017 غير أنه لم يدرج في مشروع إصلاح القضاء الذي عرض في الربيع. ويعهد حتى الآن بقضايا مكافحة الإرهاب إلى شعبة في النيابة العامة بباريس. وقال فيليب "نعتبر جميعا أنه بات من الضروري السماح لمدع عام بتكريس وقته بالكامل لمكافحة الإرهاب" واعدا بأن هذه النيابة العامة "سيخصص لها فريق معزز من القضاء والموظفين".
وواجه المشروع انتقادات حادة من النائبة العامة لباريس كاترين شامبرونو ونقابات القضاة الرئيسية، باعتبار أن التدابير المطبقة حاليا تسمح بتعبئة قوات ضخمة في أعقاب اعتداء والحفاظ على رؤية شاملة للمسار الكامل الممتد من الجرائم الصغيرة إلى الإرهاب. وكانت لجنة تحقيق في مجلس الشيوخ قد رأت في تقرير نشر أن السلطات الفرنسية عززت مكافحة المخاطر الإرهابية، لكنها أبدت مخاوفها من "نقاط قصور فعلية".
وقدم التقرير توصيات من بينها تشديد مكافحة "التطرف الإسلامي" والسلفية باعتبار أنهما يشكلان "خطرا" والسماح لرؤساء البلديات بالاطلاع على "سجل المدرجين أمنيا للوقاية والتطرف ذي الطابع الإرهابي"، وهو سجل يضم حوالى عشرين ألف اسم. وحول هذا الموضوع الحساس، أعلن فيليب أنه سيكون من الممكن تبادل "معلومات طي السرية" مع رؤساء البلديات في إطار مكافحة الإرهاب. لكنه أكد أنه لن يسمح لهؤلاء المسؤولين "بالوصول بحرية إلى الملفات" مضيفا أنه "من غير الوارد بالتالي أن نقول لرؤساء بلديات فرنسا أنهم سيصبحون عملاء في المديرية العامة للأمن الداخلي". بحسب فرانس برس.
وشهدت فرنسا عام 2018 عمليات إرهابية أوقعت خمسة قتلى وتبناها تنظيم داعش، في 23 آذار/مارس في كاركاسون وتريب (جنوب) ثم في 12 أيار/مايو في باريس. وعملت السلطات الفرنسية الجديدة منذ تسلم مهامها قبل أكثر من عام على تشديد تدابير مكافحة الإرهاب، مع إصدار قانون موضع جدل في خريف 2017 عزز الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب. والخطة الجديدة لمكافحة الإرهاب هي الثالثة من نوعها في الفترة الأخيرة.
هولندا
الى جانب ذلك اعتقلت السلطات الهولندية شخصين يشتبه في انهما مقاتلان جهاديان وذلك لدى عودتهما من تركيا حيث ادينا بممارسة انشطة مرتبطة بالارهاب، بحسب ما اعلنت النيابة العامة. وقالت النيابة العامة في بيان ان المواطنين "اعتقلا لدى وصولهما الى مطار شيبهول". وكان الهولنديان اوقفا في 2016 وحكمت محكمة تركية عليهما في ايار/مايو بالحبس ست سنوات، بعد عبورهما الحدود السورية عائدين الى تركيا.
ويشتبه في ان الهولنديين اللذين يبلغان من العمر 23 عاما التحقا بتنظيم داعش في 2014، لكنهما قررا لاحقا العودة الى هولندا. وأعلن تلفزيون "نوش" الرسمي الهولندي انهما "كانا في طريقهما الى البعثة الدبلوماسية الهولندية عندما أوقفتهما السلطات التركية". واستأنف الهولنديان الحكم الصادر بحقهما وأطلق سراحهما بكفالة. وسمح لهما بالسفر الى هولندا بانتظار بت القضاء التركي بالطعن، لكنهما سيحاكمان بالتزامن أمام القضاء الهولندي، بحسب ما أعلنت النيابة العامة. بحسب فرانس برس.
وطلبت الحكومة الهولندية من السلطات الكردية تسليمها ثلاث نساء محتجزات حاليا في مخيمات في شمال سوريا. وأوردت محطة نوش ان "النيابة العام تنتظر جوابا من الجانب الكردي". ومنذ اندلاع الحرب في سوريا في 2011 غادر 280 شخصا هولندا للالتحاق بمجموعات جهادية، لا يزال نحو 185 شخصا موجودين في المنطقة، بحسب جهازي الاستخبارات الداخلية والخارجية الهولنديين.
معلومات استخباراتية
في السياق ذاته اعلنت بريطانيا انها تتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة لمساعدتها على محاكمة مقاتلين بريطانيين قبض عليهما في سوريا ويشتهران باسم "البيتلز"، مؤكدة انها لن تعارض الحكم عليهما بالاعدام. وصرح وزير الامن بن والاس في مجلس العموم انه من غير المرجح محاكمة كل من الكساندا امون كوتي والشافعي الشيخ في محكمة بريطانيا.
وقال انهما ليسا مواطنين بريطانيين بعد ان جردتهما الحكومة من جنسيتهما في اجراء غير معتاد. الا ان قرار عدم السعي الى ضمان عدم الحكم عليهما بالاعدام اثار غضب النواب، بينما وصفته منظمة العفو الدولية بأنه قرار "مقلق للغاية". وقال والاس "لا نعتقد ان لدينا الادلة هنا لمحاكمتهما في المملكة المتحدة... وعلى الارجح فستجري هذه المحاكمة في الولايات المتحدة". واضاف "عندما تلقينا طلبا لتبادل الادلة، اتخذت هذه الحكومة القرار بتبادل الادلة دون السعي للحصول على ضمانات".
وكان كوتي والشيخ عضوان في عصابة خطف من اربعة اشخاص في تنظيم داعش اطلق عليهما المخطوفون اسم "البيتلز" بسبب لهجتهما البريطانية. واشتهرا بتصوير عمليات قطع الرؤوس، ويعتقد انهما قتلا الصحافي الاميركي جيمس فولي والعديد من موظفي الاغاثة الغربيين. بحسب فرانس برس.
وقال والاس "نحن لا نتحدث عن مواطنين بريطانيين". واثار قرار عدم طلب ضمانات بتنفيذ حكم الاعدام في المتهمين نقاشا في مجلس العموم. واكد ان "الموقف السائد بشأن استخدام عقوبة الاعدام لم يتغير". الا ان نواب المعارضة اتهموا الحكومة ب"تمزيق" سنوات من السياسة البريطانية. واوضح والاس "يجب ان لا ننسى ان الجرائم التي نتحدث عنها هي قطع رؤوس وتصوير عمليات ذبح عشرات من الأبرياء من قبل احدى ابشع المنظمات على وجه الارض". وكانت قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من واشنطن قبضت على كوتي في كانون الثاني/يناير اثناء محاولته الفرار من سوريا الى تركيا، بينما اعلن مسؤول اميركي في شباط/فبراير ان هذه القوات قبضت كذلك على الشيخ.