الحرب السورية في نهايتها الأخطر
عبد الامير رويح
2018-08-13 06:05
الحرب في سوريا شهدت في الفترة الأخيرة تطورات ميدانية مهمة، أسهمت وبحسب بعض المراقبين في تعزيز قدرة الحكومة السورية التي استطاعت وبدعم مباشر من روسيا تحقيق انتصارات كبيرة واستعادة الكثير من الأراضي، التي كانت تحت سيطرة الجماعات المسلحة المدعومة من دول وجهات خارجية، هذه التطورات ربما ستسهم أيضا في انهاء هذه الحرب المدمرة، خصوصا وان بعض الدول والحكومات التي كانت تدعوا الى إسقاط الأسد عمدت الى تغير مواقفها السابقة، ويواصل الجيش السوري، تقدمه في العديد من الجبهات بادية السويداء الشرقية وبات يسيطر على سد الزلف، والقلعة القديمة، وتلول القنطرة، وسوح النعامة، وظهرة راشد، ومنطقة أرض الكراع. وبسط سيطرته على قرية "تل علم" في عمق بادية السويداء الشرقية، التي كانت خاضعة لتنظيم "داعش".
وذكرت وكالة "سانا" في وقت سابق أن وحدات من الجيش بالتعاون مع القوات الرديفة تابعت انتشارها باتجاه سد الزلف وتلول الضبع والضبيعة وعلم والصفا وأرض الكراع ذات الطبيعة الوعرة، وفرضت سيطرتها على مساحات جديدة إلى عمق نحو 40 كم من ريف السويداء الشرقي على بعض المحاور، وبالتالي توسيع حزام الأمان للقرى والتجمعات السكنية في المنطقة.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن الجيش السوري كبد المجموعات المسلحة خسائر بالغة في العتاد والأرواح، كما تمكن من قطع خطوط إمداد التنظيم.
من جانب اخر بعض الخبراء ان ما يحث ربما سيسهم ايضا في خلق صراع جديد مع القوى الداعمة لبعض الجماعات المسلحة، التي حققت هي الأخرى مكاسب مهمة في العديد من المناطق، يضاف الى ذلك الوجود العسكري التركي على الأراضي السورية والخطر الاسرائيلي الذي ازداد بشكل كبير بعد اقتراب القوات السورية من حدودها. وأعلن مصدرٌ أمني في دمشق أن الدفاعات الجوية السورية أسقطت طائرةَ استطلاعٍ إسرائيلية اخترقت الأجواءَ عبر الحدودِ اللبنانية في منطقةِ دير العشائر أقصى غرب العاصمة. وتمكنت الحكومية السورية خلال العامين 2016 و2017، بدعم من القوات الجوية الروسية، من استعادة معظم الأراضي التي خسرتها خلال الحرب.
وخلال العام الحالي سيطرت القوات السورية على كامل منطقة ريف دمشق، بما في ذلك الغوطة الشرقية، بالإضافة إلى مناطق جنوب البلاد. وأعلن الرئيس السوري، بشار الأسد، يوم 26 يوليو، أن تحرير محافظة إدلب سيمثل أولوية بالنسبة للجيش السوري في عملياته المقبلة. وشكلت إدلب المحاذية لتركيا خلال السنوات الأخيرة وجهة لعشرات الآلاف من المسلحين والمدنيين الذين تم إجلاؤهم من مناطق عدة كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة أبرزها مدينة حلب والغوطة الشرقية لدمشق.
المرحلة الأخيرة
وفي هذا الشأن قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إنه مع دخول الحرب السورية لما يمكن أن يكون مرحلتها الأخيرة والأكثر خطورة سيتعين على الحكومة السورية وحلفائها أن يتعاملوا لأول مرة مع وجود قوات أجنبية في سعيها لإعادة باقي البلاد تحت سيطرة الرئيس بشار الأسد.
ولفتت الصحيفة إلى أن هزيمة الحكومة مؤخرا للمعارضة في جنوب غرب سوريا جعل الأسد مسيطرا على أغلبية البلاد بشكل كبير، حيث أن قبضته على السلطة لا تواجه أى تهديد عسكري أو دبلوماسيي واضح. وأضافت: " لكن يظل ثلث سوريا على الأقل خارج سيطرة الحكومة، وهذه المناطق تختلها القوات التركية والأمريكية، فقدت نشرت تركيا جنود في شمال غرب البلاد في مناطق من محافظة حلب التي تسيطر عليها المعارضة وإدلب، التي أعلن الأسد أن هدف الهجوم التالي، وهناك نحو ألفين من القوات الخاصة الأمريكية في منطقة شمال شرق البلاد لدعم حلفائهم الأكراد الذين يحاربون داعش. وإيران من جانبها قامت بمد قواتها بجوار القوات السورية المواليىة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية مما أثار قلق إسرائيل.
ولكن المحللون يقولون إنه مع دخول الحرب مرحلتها النهائية، فإن خطر أن تشعل صراعا أكبر لم ينتهي بعد. وتشير الصحيفة إلى أن روسيا سيقع عليها مسئولية توجيه سوريا عبر المزالق التي تنتظرها، باعتبارها القوة الخارجية الوحيدة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل الدول التي لها مصلحة في الحرب السورية بما في ذلك إسرائيل وإيران. وبعد تدخلها لإنقاذ الأسد عام 2015، نجحت روسيا إلى حد كبير في موازنة مصالح الأطراف العديدة.
طائرات مسيرة
من جانب اخر اعلنت وزارة الدفاع الروسية بحسب بعض المصادر أن قواتها دمرت، طائرتين مسيرتين تم إطلاقهما من مناطق سيطرة المسلحين في محافظة اللاذقية السورية باتجاه قاعدة حميميم. وقالت الوزارة، في بيان صحفي أصدره مدير مركز مصالحة الأطراف المتناحرة في سوريا، اللواء ألكسي تسيغانكوف: "لا تزال مستمرة عمليات إطلاق الطائرات المسيرة المزودة بذخائر ضاربة، باتجاه قاعدة حميميم من الأراضي الخاضعة لسيطرة التشكيلات المسلحة غير الشرعية".
وتابع تسيغانكوف: " رصدت وسائل مراقبة المجال الجوي التابعة لقاعدة حميميم الروسية طائرتين مسيرتين تم إطلاقهما من الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة شمال محافظة اللاذقية". وأشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أن "الوسائل النارية النظامية للدفاع الجوي دمرت الهدفين الجويين على مسافة بعيدة عن المطار". وشدد تسيغانكوف في بيانه على أن "الحادث لم يسفر عن إصابات أو أضرار مادية"، لافتا إلى أن "قاعدة حميميم الروسية تعمل وفقا للنظام الاعتيادي".
ودعا مدير مركز المصالحة في حميميم "قادة التشكيلات المسلحة غير الشرعية إلى التخلي عن الاستفزازات وسلك سبيل التسوية السلمية للأوضاع في مناطق سيطرتهم". وكثف المسلحون في سوريا خلال الأشهر الأخيرة محاولاتهم مهاجمة قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية الساحلية بواسطة طائرات بلا طيار. ويمثل مطار حميميم القاعدة الأساسية للقوات الجوية الفضائية الروسية المنتشرة على أراضي سوريا منذ 30 سبتمبر 2015، ويستضيف مقر قيادتها بالإضافة إلى المركز الروسي لمصالحة الأطراف المتناحرة. وفي 30 أغسطس 2015 أبرمت روسيا وسوريا في دمشق اتفاقا ينص على أن وجود القوات الجوية الفضائية الروسية على الأراضي السورية غير محدود بأجل زمني، ودخلت الوثيقة حيز التنفيذ يوم 14 أكتوبر 2016.
امريكا والقوات الكردية
الى جانب ذلك اعترف البنتاغون رسميا بأن حادثا لتبادل إطلاق النار وقع في وقت سابق بين عناصر من المشاة البحرية الأمريكية و"قوات سوريا الديمقراطية" في محافظة دير الزور السورية. وأكدت القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية أن تبادل إطلاق النار حصل في "وسط منطقة وادي نهر الفرات"، حيث تم استهداف عسكري من قوات المشاة الأمريكية على يد مقاتل من "قوات سوريا الديمقراطية".
وأشارت في بيان إلى أن "الحادث جرى التحقيق فيه من قبل فريق بقيادة عقيد في قوات المشاة البحرية للولايات المتحدة"، لافتة إلى أن التحريات "لم تتمكن من تحديد ما إذا تم استهداف العسكري من قوات المشاة البحرية الأمريكية على يد عنصر من حرس قوات سوريا الديمقراطية عمدا، أم نتيجة إطلاق نار عشوائي عن طريق الخطأ". ولفتت بعض وسائل الإعلام الأمريكية التي نشرت تقارير حول هذا الحادث منذ عدة أشهر إلى أنه من الغريب أن البنتاغون تأخر بمثل هذه الصورة في كشف المعلومات عن إصابة عسكري أمريكي لا سيما أن الوزارة تنشر في أغلب الأحيان التقارير عن مثل هذه الحالات بسرعة كافية.
وأجرت صحيفة "Task & Purpose" الأمريكية المختصة في مراقبة الأخبار العسكرية تحقيقا مستقلا في تبادل إطلاق النار بين الجانبين وأوضحت أنه وقع في قاعدة بمحافظة دير الزور انتشرت فيها وحدات من المارينز الأمريكيين من ولاية كاليفورنيا تعرض العسكري، كاميرون هالكوفيتش، لإطلاق نار من قبل عنصر لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، وأصيب برصاصتين في القدم، لكن زميله، كين داوني، الذي كان موجودا في المكان، قضى على المقاتل من "قسد".
وأشار تقرير الصحيفة أيضا إلى أن العلاقات بشكل عام بين القوات الأمريكية، و"قوات سوريا الديمقراطية"، التي يشكل المقاتلون الأكراد هيكله العسكري، كانت متوترة بما فيه الكفاية في تلك الآونة، على الرغم من أن الجانبين يعتبران حلفين في محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي بالأرض السورية.
من جانب اخر اتهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الولايات المتحدة بدعم "الإرهابيين" الأكراد وتزويدهم بأسلحة ستستخدم عاجلا أو آجلا ضد المدنيين والعسكريين الأتراك. وأشار أردوغان، في مقال كتبه لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى "خيبة أمل" في العلاقات التركية الأمريكية ناجمة عن الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لتنظيمي "حزب الاتحاد الديمقراطي" و"وحدات حماية الشعب" الكردية، اللذين تعتبرهما السلطات التركية فرعي سوريا لـ"حزب العمال الكردستاني" المصنف إرهابيا في تركيا والذي تحاربه على مدار 3 عقود.
وأفاد أردوغان بأن واشنطن استخدمت في الأعوام الأخيرة 5 آلاف شاحنة وألفي طائرة شحن من أجل نقل أسلحة إلى عناصر "وحدات حماية الشعب" الكردية، بحسب تقديرات الحكومة التركية. ولفت الرئيس التركي إلى أن حكومته أعربت عن قلقها مرارا وتكرارا إزاء قرارات المسؤولين الأمريكيين بتقديم التدريب والمعدات لحلفاء "حزب العمال الكردستاني" في سوريا. واعتبر أردوغان أن الولايات المتحدة "صمت آذانها عن سماع النداءات التركية، وفي نهاية المطاف استخدمت الأسلحة الأمريكية ضد المدنيين والعسكريين الأتراك، في سوريا والعراق وتركيا".