الانتخابات والعنف في باكستان: صراع مركب يهدد الدولة

عبد الامير رويح

2018-07-25 09:18

اختتمت الحملات الانتخابية في باكستان التي ستشهد في 25 من الشهر الجاري انتخابات برلمانية، التي يتنافس فيها عشرات الأحزاب السياسية، وأبرز المنافسين هما حزب حركة الإنصاف بقيادة بطل الكريكت السابق عمران خان وحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز شريف الذي تعهد بالفوز بولاية ثانية. ويواجه نواز شريف حكماً بالسجن لمدة عشر سنوات، حرمه من المشاركة في الانتخابات الباكستانية. بينما يعتبر خان المرشح المفضل للمؤسسة العسكرية الباكستانية، التي مازالت تملك نفوذاً قوياً رغم انتهاء الحكم العسكري منذ سنوات. ومع تكثيف الحملات الانتخابية، ازدادت الهجمات التي وقعت في مناطق مختلفة في البلاد، وهو ما اثار المخاوف من وقوع مزيد من العنف في البلد المسلم الذي تقطنه 208 ملايين نسمة والذي يمكن أن تضم التجمعات السياسية فيه عشرات الآلاف.

وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن تفجير انتحاري استهدف تجمعا انتخابيا لحزب بلوخستان عوامي. وأودت ثلاث هجمات خلال أربعة أيام بحياة 152 شخصا على الأقل. ورغم أن العنف تراجع في باكستان بشكل عام في السنوات القليلة الماضية بعد هجوم للجيش على معاقل للمسلحين في شمال غرب البلاد، إلا أن حركة طالبان الباكستانية وتنظيم داعش لا يزالان ينفذان هجمات عبر الحدود انطلاقا من أفغانستان. وسينشر الجيش الباكستاني نحو 371 ألف جندي في يوم الانتخابات لحماية مراكز الاقتراع وهو عدد يزيد بثلاثة أمثال تقريبا على عدد القوات التي انتشرت في انتخابات عام 2013.

وتشهد الانتخابات الباكستانية ايضا كما نقلت بعض المصادر، موجة كبيرة لترشيح أحزاب الإسلام السياسي المتطرفة، التي يصنف بعض قادتها إرهابيين في العالم. من أبرز قادة هذه الأحزاب “حافظ سعيد” الذي تتهمه الولايات المتحدة بالوقوف خلف هجمات مومباي عام 2008 التي راح ضحيتها 166 شخصاً. وعلى الرغم من حظر السلطات الباكستانية لجمعيات حافظ سعيد الخيرية والحزب السياسي الذي أطلقه أنصاره، إلا أنه شارك في الحملات الانتخابية. ويدعم القيادي السياسي المتطرف قرابة 200 مرشح، وقال بينما يحشد أنصاره في مدينة لاهور شرقي البلاد “ألاعيب خدم الأميركيين ستنتهي”.

ويقدر البعض عدد المرشحين المتشددين بأكثر من 1500 مرشح، وهو عدد كبير مقارنة مع عدد المرشحين في الانتخابات السابقة عام 2013. ويتخوف مراقبون من فوز هذه الأحزاب بمقاعد في البرلمان، بينما يقول أفراد من الأحزاب الليبرالية إن خطاب المرشحين المتشدد في حد ذاته سبب لهم مشاكل كبيرة. ويعتبر محامي منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية ساروب إيجاز أن محاولة إدخال هؤلاء المتشددين إلى الانتخابات “محاولة ظاهرية”، وأن ذلك سيجعل تيار الإسلام السياسي متشدداً، بدلاً من جعل هؤلاء يتخذون مواقف أكثر اعتدالاً. ويتهم ناشطون الجيش بسعيه “لإعادة هندسة الحياة السياسية” حسبما تصف الكاتبة والمحللة الباكستانية عائشة صديقي. وترى الكاتبة ذلك محاولة من الجيش لإضعاف الأحزاب الرئيسية، ليستمر في سيطرته على السياسة الخارجية والاقتصاد.

هجمات ارهابية

وفي هذا الشأن قال مسؤولون في باكستان إن عدد قتلى هجوم انتحاري استهدف تجمعا انتخابيا في إقليم بلوخستان جنوب غرب البلاد ارتفع إلى 149 ليكون بذلك أحد أعنف الهجمات في تاريخ البلاد. وأثار وقوع تفجيرات في أنحاء باكستان بالتزامن مع تكثيف الحملات الانتخابية قبل انتخابات عامة تجرى يوم 25 يوليو تموز مخاوف من تصاعد أعمال العنف في الدولة التي يقطنها 208 ملايين نسمة ويمكن للتجمعات السياسية فيها أن تجتذب عشرات الآلاف.

وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن التفجير الانتحاري الذي وقع واستهدف تجمعا انتخابيا لحزب بلوخستان عوامي خارج بلدة مستونج. وسقط بين القتلى في هذا التفجير سراج رئیسانی مرشح الحزب لعضوية مجلس إقليم بلوخستان. وأظهر مقطع مصور رئيساني وهو يتحدث قبل وقوع الانفجار مباشرة ويوجه التحية لحشود جالسة على الأرض في خيمة كبيرة ثم وقع الانفجار وانقطع التسجيل. وقال مسؤولون في الحكومة المحلية إن منظمي التجمع الانتخابي لم يبلغوهم به وبالتالي لم يقوموا بتوفير حماية لرئیسانی بخلاف حراسه الشخصيين.

وقال المسؤول الكبير في الشرطة قيم الأشعري”عدد القتلى في مذبحة مستونج الآن 149“ مضيفا أن تسعة أطفال من بين القتلى وأن أكثر من 180 أصيبوا. ويتوقع المسؤولون ارتفاع عدد القتلى إذ يقبع الكثير من المصابين في حالة حرجة في المستشفيات في مستونج وفي كويتا عاصمة الإقليم وفي مدينة كراتشي جنوب البلاد. وكانت الحملات الانتخابية في باكستان سلمية نسبيا مقارنة بالهجمات المتكررة التي شنتها حركة طالبان باكستان خلال انتخابات عام 2013 والتي أدت إلى مقتل 170 شخصا، وذلك حسبما تفيد إحصاءات من المعهد الباكستاني لدراسات السلام. بحسب رويترز.

وفجر انتحاري من طالبان باكستان نفسه في تجمع لحزب عوامي الوطني في مدينة بيشاور بشمال غرب البلاد مما أدى لمقتل 20 شخصا. ومن بين هؤلاء الضحايا هارون بيلور مرشح الحزب الذي قتل والده بشير بيلور القيادي البارز في الحزب في تفجير انتحاري بالمدينة عام 2012. كما وقع انفجار آخر استهدف موكبا لحزب ديني هو حزب مجلس العمل المتحد في بلدة بانو بشمال باكستان مما أدى لمقتل أربعة. وكان العنف قد تراجع في باكستان بشكل عام منذ بدأ الجيش عمليات كبرى استهدفت معاقل لطالبان على الحدود مع أفغانستان في أعقاب هجوم صادم عام 2014 في بيشاور على مدرسة قتل 153 شخصا أغلبهم من الأطفال.

الجيش والانتخابات

الى جانب ذلك اكد المتحدث باسم الجيش الباكستاني الجنرال آصف غفور، ردا على اتهامات بممارسة ضغوط على وسائل اعلام وعلى حزب سياسي قبل الانتخابات، انه لن يضطلع ب "دور مباشر" في الانتخابات النيابية المقررة في 25 تموز/يوليو. واضاف المتحدث ان القوات المسلحة التي تعتبر اقوى مؤسسة في باكستان، والتي حكمتها نحو نصف تاريخها الممتد 70 عاما، ستنشر اكثر من 370 الف عنصر يوم الانتخاب لتوفير الامن.

واوضح في مؤتمر صحافي في مقر القيادة بمدينة روالبندي، المتاخمة للعاصمة اسلام اباد، ان "القوات المسلحة الباكستانية لا تضطلع بدور مباشر". وشدد على القول "اسمحوا لي بان اقول بوضوح اننا لا نضطلع بدور مباشر". ونفى الجنرال غفور من جهة اخرى اي تدخل للجيش او وكالاته الاستخباراتية في الحياة السياسية للبلاد. واكد ان اللجنة الانتخابية الباكستانية كلفت الجيش دعم العملية الانتخابية "بطريقة حرة وعادلة وشفافة". بحسب فرانس برس.

وواجه الجيش في الأشهر الأخيرة اتهامات بممارسة ضغوط وترهيب على بعض وسائل الاعلام ومسؤولين سياسيين وناشطين. والسبب الاكبر للتوتر هو رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي أقالته المحكمة العليا قبل سنة بتهمة الفساد، وحزبه الرابطة الإسلامية الباكستانية، أحد ابرز الاحزاب التي تتنافس في الانتخابات. وبدأ شريف منذ ذلك الحين حملة واسعة متهما الجيش والقضاء بالتدخل في الحياة السياسية. وحكمت محكمة لمكافحة الفساد في اسلام اباد على شريف بالسجن عشر سنوات علما بانه موجود في لندن الى جانب زوجته التي تعالج من السرطان. إلا انه وعد بالعودة الجمعة الى باكستان حيث يواجه خطر توقيفه.

أزمة العملة

على صعيد متصل سيتعين على الفائز في الانتخابات في باكستان أن يحل على وجه السرعة أزمة عملة تهدد بكبح اقتصاد سريع النمو، ومن المرجح أن يكون الحل هو الحصول على حزمة إنقاذ مالي أخرى من صندوق النقد الدولي.. ونما اقتصاد باكستان 5.8 بالمئة في السنة المالية الماضية مسجلا أسرع وتيرة في 13 عاما، لكن قيمة عملة البلاد (الروبية) جرى خفضها أربع مرات منذ ديسمبر كانون الأول. وزادت أسعار الفائدة ثلاث مرات.

وساهمت زيادة كبيرة في أسعار النفط في عجز في ميزان المعاملات الجارية والذي زاد 43 بالمئة إلى 18 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في الثلاثين من يونيو حزيران. وتستورد باكستان نحو 80 بالمئة من حاجاتها النفطية. وقال إحسان مالك الرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال الباكستاني الذي يمثل نحو 60 بالمئة من كبرى الشركات الباكستانية ”لا أحد يعتقد أن هناك خيارا آخر بخلاف الذهاب إلى صندوق النقد الدولي“. وتتوقع باكستان أن يبلغ النمو الاقتصادي 6.2 بالمئة في السنة المالية المنتهية في يونيو حزيران 2019، لكن صندوق النقد يتوقع أن يتراجع النمو إلى 4.7 بالمئة.

وأدى تدهور أسس الاقتصاد الكلي إلى تقويض المؤهلات الاقتصادية للحزب القوي المؤيد للأعمال والذي كان يتزعمه رئيس الوزراء السابق نواز شريف، المسجون حاليا، وهو ما أتاح أدوات للهجوم لمنافسه عمران خان. لكن الاقتصاد غير حاضر بكثافة في خطاب حملتي الحزبين، مع تركيز خان على مسعى مكافحة الفساد وتصوير حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف للانتخابات على أنها استفتاء على الديمقراطية وسط مزاعم بتدخل من الجيش الذي يحظى بالنفوذ.

وقدمت الصين، وهي حليف قديم لباكستان، وبنوكها قروضا إضافية بعدة مليارات من الدولارات في الأشهر القليلة الماضية اُستخدمت للدفاع عن احتياطيات النقد الأجنبي. وقال أسعد عمر، الذي من المرجح أن يصبح وزير المالية الجديد إذا تولى حزب حركة الإنصاف الذي يتزعمه خان السلطة، إن باكستان كانت ستنخرط بالفعل في برنامج لصندوق النقد الدولي لو لم تحصل على ”الإنقاذ المالي الصيني غير المعلن“. وأبلغ عمر أنه حتى يستقر الاقتصاد الباكستاني سريعا ”فإنه سيجري دراسة كل الخيارات المتاحة، بما في ذلك صندوق النقد الدولي“. وأضاف أن اللجوء إلى الصين للحصول على حزمة إنقاذ هو ”أحد الخيارات“. وقال ”القرار يجب أن يُتخذ سريعا جدا. الوقت المتاح يوشك أن ينفد“.

وقال مفتاح إسماعيل، الذي تولى منصب وزير المالية في حكومة حزب الرابطة الإسلامية - جناح نواز شريف إلى أن تولت حكومة انتقالية السلطة في أواخر مايو أيار إنه يفضل تجنب اللجوء إلى صندوق النقد الدولي ”لأن شعب باكستان لا يريد منا الذهاب... ربما يمكننا تفادي ذلك“. وبدلا من ذلك يقول إسماعيل إن الحكومة قد تجمع ديونا في السوق الدولية، بينما تأمل في أن يتسارع انتعاش حالي في الصادرات بدعم من تخفيض قيمة الروبية 20 بالمئة منذ ديسمبر كانون الأول. بحسب رويترز.

وأزمة العملة الحالية مطابقة تقريبا لأزمة سبقت الانتخابات الماضية التي أجريت في 2013 والتي فاز فيها شريف. وبعد أسابيع من توليه السلطة حصل حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف على إنقاذ مالي بقيمة 6.7 مليار دولار من صندوق النقد. ويشكك محللون في قدرة باكستان على سد فجوة تمويلية خارجية قيمتها حوالي 20 مليار دولار بدون صندوق النقد، ويظن الكثيرون أن الصين ستسعى للتدخل بشكل أعمق في الأوضاع المالية الفوضوية للبلاد. لكن سيتعين على الحكومة الجديدة أن تكبح الإنفاق بشدة إذا اختارت الدخول في برنامج آخر لصندوق النقد، وذلك لخفض عجز الميزانية البالغ 6.8 بالمئة في الاقتصاد البالغ حجمه 305 مليارات دولار.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي