عام على تحرير مدينة الموصل
د. محمود عزو حمدو
2018-07-10 05:20
تنفست الصعداء، هكذا يوصف حال مدينة الموصل بعد حرب التحرير، بعد أن ذاقت ويلات التكفير ومحنة القتل والتدمير، في ألف يوم عجاف شهدت فيه اعادة كل مواريث التكفير وفتاوى القتل على رؤوس الموصليون.
365 يوم من دون إرهاب
عاشت الموصل منذ عام 2004 موجات من العنف التكفيري بعد أن اتيح للقاعدة ومن بعدها داعش السيطرة على مقدرات الدولة والمواطنين عبر ممارسة القتل والتهديد والمنع من ممارسة أي نشاط سياسي وثقافي واقتصادي ترفضه تحت حجج الولاء والبراء الفقهية. لكن منذ تموز 2017 لم تشهد مدينة الموصل أية حوادث أمنية تهدد استقرارها الامني، وهو يعود بشكله الاكبر الى جهود القوات المسلحة وتعاون مواطني الموصل مع تلك القوات، فضلا عن الاستفادة واستخلاص العبر مما كان ينتهج في ادارة الملف الامني قبل حزيران 2014. لذلك فان حالة الامن التي تعيشها مدينة الموصل بعد التحرير تعد الاعلى من حيث نسبة الامان منذ عام 2003.
لملة الجراح عبر التداوي بالثقافة؟
واحدة من ابرز ملامح مدينة الموصل بعد التحرير هي ردة الفعل الثقافي لما جرى نتيجة احتلال داعش، فعملت كثير من الانشطة الثقافية كجزء من اعادة الروح لمدينة الموصل وشهدت مهرجانات وكرنفالات الثقافية وهي على سبيل المثال لا الحصر مهرجان القراءة ومهرجان يوم السلام العالمي ومهرجان ابو تمام الشعري الدولي. فضلا عن توافد كثير من المثقفين من جميع انحاء العالم لزيارة الموصل. فضلا عن رفع عوامل الحجب عن التفكير الثقافي عبر التأسيس لملتقيات ثقافية كمقهى قنطرة وملتقى الكتاب. وفرق موسيقية تعزف بكل حرية في ارصفتها الثقافية واماكنها العامة.
كسر الحواجز بقوافل الوطن
بذلت دماء واثخنت جراح العراقيين بجميع أطيافهم نتيجة احتلال وتحرير مدينة الموصل، لذلك اخذت العبرة بان ما بذل من دماء لن يذهب سدى أو يكون خاضعا لمساومة سياسية أو دونها من اتفاقات تحاول ان تجير ما حصل لصالح اجندة معينة، لذلك جاءت القوافل تلو الاخرى الى مدينة الموصل لزيارتها والتضامن معها من جميع انحاء العراق، وكذلك فعل الموصليون بزيارة النجف ومقبرة وادي السلام وكربلاء والحلة والعمارة وام العراقيين بغداد، بعد قطيعة دامت ثلاث سنوات وسبقتها سنوات من الحذر الامني للتعامل بين العراقيين.
تحديات بناء برامج التعليم والتعايش
واحدة من ابرز المشكلات التي واجهت الموصل هي كيفية معالجة وضع البرامج التربوية والتعليمية في ظل توقف دام ثلاث سنوات في مدارسها وجامعاتها، والمهمة الابرز هي اعادة البنى التحتية لهذه المؤسسات وعودة طلبتها اليها ومعالجة وضعهم بالتساوي مع اقرانهم في مناطق العراق الاخرى، علاوة على اعادة الحياة لجامعة الموصل ونينوى التي تعد الخزان الثقافي الاكبر في الموصل وعودتها تعني العودة للحياة الطبيعية في الموصل.
اضافة الى أن ما تحتاجه الموصل هو كيف عودة ابناءها اليها من الاقليات والمذاهب والاثنيات الاخرى وذلك لن يتم من دون برامج ترسخ التعايش في الموصل وتعيد الممتلكات الى اصحباها وتعويض المتضررين جراء حرب التحرير في بيوتهم وممتلكاتهم التجارية في اسواق الموصل الرئيسة. وهو أمر لن ينجح الا بمعالجة مسببات هذا التدمير الا وهي خطابات الكراهية وفتاوى القتل والخطاب الديني المتأخر عن ما جرى في الموصل لسنين ضوئية وليست زمنية.
مستقبل الموصل عبر ثلاثية الاقتصاد والادارة والسياسة
تتعافى المدن بعد الحرب عبر تنشيط حركتها الاقتصادية والتجارية وعودة مصارفها والاستثمار الاقتصادي اليها، ومدينة الموصل لم تزل تئن تحت تباطؤ اقتصادها وذلك لعدم فتح مصارفها وعدم اعمار اسواقها الكبرى في المدينة القديمة وعدم اطلاق التعويضات للمتضررين في منازلهم وممتلكاتهم، علاوة على أن معالجة جراح الحرب تحتاج جهود تمويل كبيرة سواء من الحكومة المركزية في بغداد أو عودة نشاط القطاع الخاص.
أما ادارة الموصل المحلية أو ادارة مؤسسات الدولة فهي لم تصل الى مرحلة نكران الذات وتعمل على النهوض بالمدينة الا عبر جهود تعد صغيرة بحجم الدمار الكبير الذي قطع أوصال مدينة الموصل نتيجة تدمير كل جسورها، علاوة على طريقة تعاملها مع طبيعة الازمات التي تعتري مدينة الموصل بضعف التخطيط وقلة الخبرة وعدم الاستعانة بالشخصيات القادرة على التخطيط على مواجهة هذه الازمات التي تفشت في مدينة الموصل، لذلك ينبغي بان يعاد تحديد واجراء الانتخابات المحلية والتي يمكن ان تعيد ثقة المواطن الموصلي بإدارته المحلية.
بينما شهد النشاط السياسي انفتاحا كبيرا من حيث الاقبال على تداول الحديث في المجال السياسي، أو الترشيح والمشاركة في الانتخابات، اذ شهدت الموصل اكبر نسبة مشاركة بين المحافظات العراقية، لكن الشأن السياسي الذي تحتاجه الموصل يتعدى حاجتها الى المشاركة فقط، بل حاجتها الى اطفاء الحرائق السياسية التي تحاول الدفع بالموصل كجزء من المساومة السياسية للمشكلات بين حكومتي المركز والاقليم او طبيعة المساومات السياسية بين اطراف اقليمية تحاول ان تصفي حسابتها المعقدة والتاريخية على ارض الموصل، لذلك تحتاج الموصل الى تحييدها من ان تكون ورقة ضغط بيد طرف لمواجهة طرف آخر، فهي لا تحتمل مغامرة جديدة تقضي على أخر ما تبقى فيها من رموز وشواهد ثقافية وتاريخية .
ما الحل؟
تمر الحلول المعروضة للنقاش أولا عبر اعادة ثقة المواطن في اقتصاده وسياسته وادارته وثقافته التي تبعد عن حجاب التحريم والتكفير والوعيد والترهيب، واعادة تمدين المدينة بتطبيق القوانين وقضايا العدالة الانتقالية التي تنصف الضحايا وتحاسب المجرمين والمتسببين لما وصلت اليه مدينة الموصل، وتصفية ارث الفكر التكفيري عبر قيام المؤسسة الدينية بضرورة مراجعة خطابها الديني والذي ينبغي أن يتناسب مع حجم التحدي الذي تعيشه المدينة.
وختاما .. شكرا لكل الجهود التي بذلت من أجل تحرير الموصل.. الرحمة والخلود للشهداء من قواتنا المسلحة بكل صنوفها ومسمياتها وللمدنيين الابرياء.. والشفاء للجرحى..