القادم في سوريا: انسحابات مرحلية ورسائل دموية
عبد الامير رويح
2018-06-21 06:55
يبدو ان الصراع في سوريا وصل الى مرحلة ما قبل النهاية كما اظهرته رسائل بوتين الدموية والتحذيرات الامريكية، إضافة الى ما قد يكون يحصل في المرحلة القادمة انسحابات مرحلية من قبل القوة الخارجية المتواجدة في سوريا لرسم تموضوعات جديدة على خارطة النفوذ في سوريا ولربما منطقة الشرق الأوسط برمتها.
الحرب في سوريا وعلى الرغم من الانتصارات المهمة التي حققها الجيش السوري في الفترة الاخيرة ضد الجماعات المسلحة، ربما ستستمر بحسب بعض المراقبين لسنوات اخرى بسبب التدخلات الخارجية وتضارب المصالح بين القوى العالمية، التي دخلت الحرب بشكل مباشر بعد الهزائم المستمرة للجماعات التي تدعمها، وهو ما دفها الى القيام بعمليات عسكرية بحجج مختلفة من اجل اضعاف قدرات الجيش السوري وباقي الحلفاء، وخصوصا ايران الداعم الرئيسي لحكومة الأسد والعدو الاول لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، لذا فقد سعت هذه الدول المنزعجة جدا من التحالف الثلاثي ما بين روسيا وإيران وسوريا، كما نقلت بعض المصادر الى تفكيك هذا التحالف من خلال فبركة الحقائق والضغط على روسيا واجبارها على الدخول في اتفاقات جديدة، يضاف الى ذلك العمل على زيادة الضغط والحصار على إيران وخاصة بعد خروج الأمريكي من الاتفاق النووي مع طهران، ومحاصرة الحكومة السورية وغيرها من الاجراءات الاخرى.
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد سجلت حصيلة القتلى المدنيين خلال شهر أيار/مايو المعدل الأدنى منذ اندلاع النزاع في سوريا قبل أكثر من سبعة أعوام، رغم مقتل نحو 250 مدنياً وفق ما أحصى المرصد السوري لحقوق الانسان. وأورد المرصد أن عدد القتلى المدنيين خلال الشهر الماضي بلغ 244، بينهم 58 طفلاً و33 امرأة، في حصيلة "هي الأدنى في صفوف المدنيين منذ اندلاع الثورة السورية" في العام 2011.
ويأتي انخفاض الحصيلة مقارنة مع الاشهر السابقة بعدما تمكنت قوات النظام من السيطرة خلال شهر نيسان/أبريل على كامل الغوطة الشرقية وبلدات عدة في محيط دمشق. وتمت السيطرة على تلك المناطق بعد هجوم عسكري تزامن مع قصف جوي ومدفعي كثيف، أوقع مئات القتلى من المدنيين. وبلغت حصيلة القتلى المدنيين خلال نيسان/أبريل 395، بحسب المرصد. وشهدت الجبهات هدوءاً الى حد كبير الشهر الماضي مع تركز المعارك في جنوب دمشق، حيث تمكنت قوات النظام من طرد تنظيم داعش من آخر جيب تحصن فيه، لتعلن دمشق وريفها مناطق "آمنة". وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبب منذ اندلاعه في منتصف آذار/مارس 2011 بمقتل أكثر من 350 ألف شخص وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
أمريكا تحذر
الى جانب ذلك حذرت الولايات المتحدة سوريا من أنها ستتخذ ”إجراءات حازمة ومناسبة“ ردا على انتهاكات وقف إطلاق النار قائلة إنها تشعر بقلق بشأن تقارير أفادت بقرب وقوع عملية عسكرية في إحدى مناطق عدم التصعيد في شمال غرب البلاد. وحذرت واشنطن أيضا الرئيس السوري بشار الأسد من توسيع نطاق الصراع. وقالت هيذر ناورت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية في بيان”ستتخذ الولايات المتحدة إجراءات حازمة ومناسبة ردا على انتهاكات نظام الأسد بوصفها ضامنا لمنطقة عدم التصعيد تلك مع روسيا والأردن“.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي مقره في بريطانيا أن القوات الحكومية السورية بدأت في التحرك لمحافظة درعا بجنوب سوريا. وقالت وسائل الإعلام الحكومية في سوريا إن طائرات حكومية أسقطت منشورات على مناطق يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في درعا تحث المقاتلين على إلقاء السلاح. ويأتي التحذير الأمريكي بعد أسابيع من هجوم مماثل في منطقة عدم تصعيد في شمال شرق سوريا تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. وصدت القوت البرية والجوية الأمريكية الهجوم الذي استمر أكثر من أربع ساعات. بحسب رويترز.
وبدعم جوي روسي ساعدت قوات برية من إيران وفصائل متحالفة معها من بينها حزب الله اللبناني القوات الحكومية السورية على طرد مقاتلي المعارضة من أكبر مدن سوريا وجعلها في وضع عسكري قوي. واستردت القوات الحكومية السورية كل المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات المعارضة قرب دمشق ومن بينها منطقة الغوطة الشرقية ذات الكثافة السكانية الكبيرة بالإضافة إلى جنوب كبيرة في وسط سوريا. ومازال مقاتلو المعارضة يسيطرون على منطقتين كبيرتين متصلتين من الأراضي في شمال غرب وجنوب غرب البلاد. وتسيطر فصائل كردية وعربية متحالفة معها تدعمها الولايات المتحدة على ربع سوريا شرقي الفرات.
انجازات جديدة
الى جانب ذلك أعادت الحكومة السورية فتح الطريق السريع الواصل بين مدينتي حمص وحماة بعد شهر من استعادة قواتها لجيب كانت تسيطر عليه المعارضة على امتداد الطريق المغلق منذ نحو سبع سنوات. ولوح السائقون بأعلام سوريا وهم يقودون سياراتهم على الطريق الذي يمثل إعادة افتتاحه انتصارا للرئيس بشار الأسد الذي سيطر في الأشهر القليلة الماضية على جميع جيوب المعارضة المحيطة بالعاصمة دمشق فضلا عن جيب على امتداد الطريق السريع الذي ظل محاصرا لسنوات.
واستعاد الأسد، بمساعدة روسية وإيرانية، السيطرة على مساحات كبيرة من أراضي البلاد بعدما كان يسيطر فقط على أقل من خمس مساحتها في عام 2015. وقبل فتح الطريق كان سير المرور يتخذ طريقا غير مباشر لقطع مسافة 45 كيلومترا بين حمص وحماه ثالث ورابع أكبر المدن السورية قبل الحرب. وقال سكان من مدينة تلبيسة الواقعة شمالي حمص والتي كان المعارضون يسيطرون عليها حتى أوائل مايو أيار إنهم يشعرون بالارتياح لإعادة فتح الطريق.
وقال حسين المحمد (42 عاما) وهو مزارع إنهم عندما كانوا يرغبون في الذهاب إلى حمص من قبل كانوا ”يقطعون مسافة طويلة للغاية“ وأضاف أن الطريق لا يستغرق الآن أكثر من ربع ساعة. وقال حمود علوش (61 عاما) وهو مزارع آخر من تلبيسة إنه تحمل سنوات الحصار بالعيش على ما يزرعه. وأضاف أنه ذهب إلى حمص وعاد منها الفعل يوم الأربعاء لبيع منتجاته. بحسب رويترز.
وقال إن الرحلة كانت تستغرق أكثر من ساعتين. ومازالت مساحات كبيرة من سوريا خارج نطاق سيطرة الأسد منها الشمال بكامله تقريبا وأغلب أرجاء الشرق وجزء من الجنوب الغربي وهي مناطق ستعطل مصالح أجنبية تحقيق مكاسب فيها.
الأسد وروسيا
في السياق ذاته نفى الرئيس السوري بشار الأسد أن تكون روسيا حليفته العسكرية تملي عليه القرارات وقال إن من الطبيعي أن توجد اختلافات في وجهات النظر بين الحلفاء، وذلك في حديث صحفي نشرته وسائل الإعلام الحكومية. جاء ذلك في معرض رد الأسد على سؤال طرح في لقاء أجرته صحيفة (ميل أون صنداي) البريطانية ونشرته وكالة الأنباء السورية كاملا عما إذا كانت موسكو تتحكم الآن في تحركات سوريا الدبلوماسية والعسكرية.
ووفقا لنص الحديث الذي أجري باللغة الإنجليزية وبثته الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) قال الأسد ”سياستهم (الروس) وسلوكهم وقيمهم لا تقضي بالتدخل أو الإملاء، إنهم لا يفعلون ذلك، لدينا علاقات جيدة مع روسيا منذ نحو سبعة عقود، وعلى مدى هذه الفترة، وفي كل علاقاتنا لم يحدث أن تدخلوا أو حاولوا أن يملوا علينا شيئا، حتى لو كانت هناك اختلافات“. وقال الأسد ”من الطبيعي أن تكون هناك اختلافات بين مختلف الأطراف، سواء داخل حكومتنا أو بين الحكومات الأخرى، بين روسيا وسوريا، أو سوريا وإيران، أو إيران وروسيا، وداخل هذه الحكومات، هذا طبيعي جداً، لكن في المحصلة، فإن القرار الوحيد حول ما يحدث في سوريا وما سيحدث هو قرار سوري“.
وكان الدعم الإيراني والروسي حاسما لجهود الأسد في الحرب لكن اختلاف أهداف حلفاء الأسد في سوريا أصبح أكثر وضوحا في الفترة الأخيرة مع ضغط إسرائيل على روسيا لضمان ألا تمد إيران وحلفاؤها نفوذهم العسكري في البلاد. وينظر البعض لدعوات روسيا في الفترة الأخيرة لجميع القوات غير السورية بمغادرة جنوب سوريا باعتبارها تستهدف إيران إلى جانب قوات أمريكية متمركزة في التنف على الحدود السورية العراقية.
وقال الأسد في الحديث إنه يتوقع أن تنتهي الحرب الدائرة في بلاده في ”أقل من سنة“ وأكد مجددا على أن هدفه هو تحرير ”كل شبر من سوريا“. وقال إن تدخل قوى أجنبية مثل بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا يطيل أمد الصراع ويبطئ التوصل إلى حل في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في جنوب غرب سوريا. واستعادت الحكومة السورية والقوات المتحالفة معها في الأشهر القليلة الماضية آخر منطقة محاصرة تسيطر عليها المعارضة في سوريا وتقع شمالي حمص وسحقت آخر جيوب للمعارضة قرب العاصمة. بحسب رويترز.
وتتطلع دمشق الآن للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في جنوب غرب سوريا على الحدود مع الأردن وإسرائيل. وقال الأسد ”كنا على وشك التوصل إلى مصالحة في جنوب سوريا، لكن الغرب تدخل وطلب إلى الإرهابيين عدم المضي في هذا المسار كي يطيل أمد الصراع في سوريا“. وتطلق الحكومة السورية وصف ”الإرهابيين“ على جميع الجماعات المعارضة لحكمها. وتريد الولايات المتحدة الحفاظ على ”منطقة خفض التصعيد“ التي جرى الاتفاق عليها العام الماضي مع روسيا والأردن والتي أدت إلى احتواء القتال في هذه المنطقة. ويريد الأسد إعادة المنطقة إلى سيطرة الدولة.
من جانبه قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بلاده لا تخطط حاليا للانسحاب من سوريا مضيفا أن الجيش سيبقى هناك ما دام ذلك في مصلحة روسيا. وقال ”لا نخطط حاليا لسحب هذه القوات العسكرية“. وأضاف ”نحن لا نقيم منشآت طويلة الأجل هناك وإذا استدعى الأمر يمكننا سحب قواتنا سريعا جدا دون خسائر مادية“. وتابع قوله ”لكن في الوقت الحالي، نحن نحتاجها هناك، فهي تنفذ أعمالا مهمة بما فيها توفير الأمن لروسيا في المنطقة ودعم مصالحنا على الصعيد الاقتصادي“. وبدأت روسيا شن ضربات جوية في سوريا في سبتمبر أيلول 2015 في أكبر تدخل لها في الشرق الأوسط منذ عقود من الزمن، لتحول دفة الصراع لصالح الرئيس بشار الأسد. وكان بوتين قد سافر إلى سوريا في ديسمبر كانون الأول وأعلن إنجاز مهمة روسيا وأمر ببدء سحب ”جزء كبير“ من قواتها.